ثوابت الثورة في سورية
ثوابت الثورة في سورية
د. هشام رزوق
حين انتفض الشعب السوري بتاريخ الخامس عشر من آذار 2011 مطالبا بالحرية والكرامة ورفض الذل الذي كان يعيشه في ظل الحكم القائم، كانت الانتفاضة سلمية والحراك شعبي شارك به شباب من جميع المشارب الفكرية والدينية والمذهبية والقومية، ولشهور عدة حافظت الانتفاضة على طابعها هذا منادية في كل مظاهرة ومن أسبوع لآخر بأن الشعب السوري واحد واحد واحد.
مع تعاظم وتيرة القتل التي جابه به النظام تلك الانتفاضة، ومع اختياره للحل الأمني المعتمد على أقسى أنواع القهر والقمع والتدمير، كان لا بد من حمل السلاح لمواجهة أساليب النظام الوحشية وللدفاع عن النفس بما توفر من إمكانيات.
مع دخول هذا المعطى الجديد (السلاح) ميدان المواجهة، وجد النظام أن الفرصة أصبحت سانحة ليزيد من حجم القتل والدمار واستخدام أشد أنواع الأسلحة فتكا، وارتكاب المجازر الوحشية بحق أهلنا على طول البلاد وعرضها بحجة مواجهة الإرهابيين والمجرمين.
بنفس الوقت دخلت على الخط قوى إقليمية ودولية ولكل منها حساباتها وأجنداتها، فمن إيران مرورا بقطر والسعودية وتركيا ثم وأولا وقبلها روسيا وأمريكا دون أن ننسى الأفعى المختبئة إسرائيل التي تعتبر الرابح الأكبر من إطالة الحرب الدائرة على الساحة السورية.
لا أريد تحليل مواقف كل طرف من هذه الأطراف والتي ساهمت مجتمعة وما زالت تساهم بإطالة عمر المعاناة التي يعيشها شعبنا الصابر وتساهم أكثر فأكثر بتدمير البلد بناء واقتصادا وبنية اجتماعية ونفسبة مما يهدد بأسوأ النتائج على المدى المنظور والبعيد، فلقد أشبع المحللون (وما أكثرهم ) تلك المواقف تحليلا .
ما أريد لفت النظر إليه هو ضرورة أن تحافظ الثورة على ثوابتها الوطنية وتعرف العدو من الصديق، حيث أن أعداء الأمس لا يمكن أن يتحولوا بقدرة قادر إلى أصدقاء نطمئن إلى صداقتهم.
إن من أهم الثوابت الوطنية التي يجب المحافظة عليها والتي تعتبر خطا أحمر لكل القوى والفصائل هي وحدة سوريا ارضا وشعبا. إن أي مس بوحدة سوريا الجغرافية والدخول في لعبة التقسيم وخلق الكيانات الطائفية أو القومية بحجة حماية الأقليات هي خيانة للوطن وللشعب والثورة ولا يمكن القبول بها تحت أي ذريعة كانت، كما أن الدخول في صراع طائفي هو خط أحمر لا يمكن القبول به مهما كان حجم المعاناة التي تعيشها الأغلبية (السنية) في سوريا تلك الحرب الطائفية التي يدفع إليها النظام بكل ما أوتي من قوة لتدمير المجتمع بشكل كامل.
الثورة هي بالأساس ثورة كل الشعب بكل طوائفه وقومياته وفئاته الاجتماعية ضد الظلم والقهر، ثورة من أجل الحرية والكرامة وإن أي انحراف عن تلك المبادئ غير مقبول إطلاقا.
ثم إن من الثوابت الوطنية التي لا يجب بأي حال من الأحوال التخلي عنها هي قضية استرجاع الأرض في الجولان، فأرضنا محتلة ولا بد من استرجاعها بأية وسيلة ممكنة، وإن غياب هذا الهدف عن أجندة الثورة حاليا لا يعني ولا يجب أن يعني التخلي أو نسيان هذا الهدف وإن أي عمل من هذا النوع يعرض صاحبه لتهمة الخيانة بما يترتب عليها من نتائج.
ومن الثوابت الوطنية التي لا يمكن القبول بغيرها هي الدولة المدنية الديمقراطية التي هي أمل وهدف الثورة منذ البداية، وإن محاولة احتكار البلد والمجتمع والسلطة لفصيل معين تحت أية ظروف أمر غير مقبول إطلاقا وهو انحراف بالثورة عن أهدافها وخيانة لأرواح الشهداء ولمن اعتقلوا وعذبوا وشردوا من أجل تلك الثورة. الهدف واضح : دولة مدنية ديمقراطية تحدد صناديق الاقتراع فيها من يحكم وبأية طريقة.
إن من الثوابت الوطنية أيضا ألا يرتهن لا الائتلاف الوطني ولا المجلس الوطني ولا أي فصيل مقاتل ولا أي تشكيل جبهوي أو تيار سياسي لأية جهة عربية كانت أو أجنبية بحجة تلقيها مساعدات من أي نوع من تلك الدول والقوى، فالارتهان لأي قوة خارجية يعني ضياع الثورة وحرفها عن أهدافها الأساسية وإدخالها ورقة تتلاعب بها تلك القوى في صراعاتها الكونية الاستراتيجية.
يجب ألا ننسى بأن من يقدم (بعض) الدعم للثورة الآن هم من ساهموا باحتلال وتدمير العراق، وسلموه لقمة سائغة لإيران، وهم من يحمي الكيان الصهيوني ويضعوه فوق كل القوانين الدولية، وأقصد هنا بالخصوص أمريكا وأوروبا. ثم أني لم أعرف أن دول الخليج كانت مغرمة يوما بالديمقراطية، الكل يدافع عن مصالحه واستراتيجيته ومصلحة الشعب السوري آخر هم لهم.
إذا كانت الظروف تفرض على مقاتلي الثورة أن يمدوا أيديهم لدول كنا دائما نضعها في خانة الأعداء، فيجب أن يكون ذلك من باب الواجب الإنساني الذي لا يلزم الثورة وفصائلها بأي مقابل لا على الصعيد السياسي ولا على صعيد التخلي عن أرضنا واستقلالية قرارنا.
إن المحافظة على تلك الثوابت ليس أمرا سهلا ويستوجب بالضرورة وجود تحالف وطني بين كل القوى السياسية التي تؤمن بها، قوى من مختلف التيارات الوطنية القومية واليسارية والعلمانية والإسلامية التي كانت دائما في الخط الأمامي للدفاع عن الوطن والشعب ودفعت الغالي والنفيس من أجل ذلك.
تلك دعوة ملحة لتلك القوى فهل من مجيب؟.