هل سيستعيد الغرب ما خسره في الثورة السورية
هل سيستعيد الغرب
ما خسره في الثورة السورية
م. عبد الله زيزان
باحث في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
منذ أن انطلقت الثورة السورية قبل واحد وعشرين شهراً ومحاولات الدول الغربية لا تتوقف للظهور بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان، الرافض لما تقوم به ميليشيات النظام السوري، وأعوانه من مقاتلي حزب الله وإيران من قتل وتدمير وانتهاك للحرمات والمقدسات..
ربما أراد الغرب من تعاطفهم هذا كسب الشارع السوري، فإن انتصرت الثورة السورية، فالغرب كان متعاطفاً، وإن كسب النظام المعركة فما أسهل أن يعيد الغرب بناء علاقاته مع نظامٍ متلون تحكمه المصالح لا الأخلاق، خاصة أنّ هذا النظام قد قدّم للغرب وللصهاينة خدمات كبيرة على مدى عقود حكمه، وهكذا ظن الغرب أنه أمسك بالعصا من المنتصف، لاعتقادهم أنّ الشعوب العربية لا زالت تلك الشعوب المدجنة التي تساق بعواطفها، ويلعب بمشاعرها بكلمات منمقة وأحاديث ملفقة...
وكم حذر المثقفون السوريون الغرب من بناء استراتيجياتهم على أساس أن الشعب السوري بسيط أو ساذج، أو أنّه سينسى لهم تخاذلهم بل ومساندتهم الخفية للنظام السوري، لكنّ تلك المناشدات لم تلق آذاناً صاغية...
فلا زالت في الذاكرة في بدايات الثورة السورية، كيف رفع السوريون لافتات في كل مظاهراتهم تطالب الغرب أصحاب اليد الطولى بسرعة التدخل لإنقاذ البلاد من براثن نظام معروف بشدة بطشه وتسلطه على أبناء الوطن، ظناً من هذا الشعب المغيب لعقود عن عالم السياسة أنّ شعارات الغرب البراقة في حقوق الإنسان ونصرة المستضعف هي شعارات حقيقية وستنصفهم من عدوهم المتمثل بهذا النظام...
كان الرد الغربي لمناشدات الشعب مزيداً من التصريحات والتنديدات التي لم تثن النظام عن جرائمه ولم تجعله يشعر ولو للحظة واحدة بأنه يواجه تهديداً جدياً من قبل تلك الدول، بل فهم تلك اللهجة على أنها ضوء أخضر له لمزيد من الجرائم والانتهاكات...
وفي الحقيقة فإن فترة الثورة كانت كافية تماماً لتحويل الشعب إلى سياسيين مدركين تماماً للمعادلات الدولية ولما يدور حوله من مؤامرات، فربطوا تسمية إحدى أيام الجمع بالحقد الأمريكي على الشعب السوري، ما يعني ذروة الخسارة الأمريكية خصوصاً والغرب عموماً لهذا الشعب، وهو ما سينعكس على المصالح الغربية في هذا البلد مستقبلاً، مما سيصعب عليهم تسويق مشاريعهم، كمحاولاتهم تسويق بعض الشخصيات المرفوضة شعبياً كمسؤولين في الحكومة الجديدة المزمع تشكيلها من قبل الإتلاف السوري المعارض...
فبغض النظر عن التسريبات التي تشير إلى رغبة أمريكية بوجود أسماء محددة "انشقت" عن النظام السوري بظروف غير واضحة، لتكون في تشكيلة الحكومة الجديدة، فإن الشعب السوري لن تمر عليه أي من هذه المحاولات أو التدخلات في "شؤون الثورة"..
هذا الوعي الذي بات يتمتع به السوريون ربما سيكون السند الأكبر للإتلاف السوري لمواجهة الابتزاز الأمريكي في قضية الحكومة الجديدة وقضايا الدعم والاعتراف الأمريكي الذي تأخر كثيراً ولم يتم إلا بعد الشعور بأن إنجازات الجيش الحر على الأرض قد سبقتهم، وربما يسقط النظام السوري ولا يزال الأمريكيون يراوحون مكانهم في الاعتراف بهذا المجلس، وفي دعم الثورة عسكرياً..
ربما هذا ما دفع أمريكا لتجهيز الخطط العسكرية للهجوم على سورية بحجة استخدام النظام للأسلحة الكيماوية، لفرض أمر واقع هناك، بعد أن شعرت بأنها ستصبح خارج اللعبة تماماً حال انتصر الثوار دون مساعدة خارجية، فضلاً عن خشيتها من وقوع أسلحة نوعية بيد الثوار، مما سيشكل خطراً على "إسرائيل" من وجهة النظر الأمريكية...
ولكن وبعد كل هذه الخطط وكل المحاولات لدعم الثوار في الربع ساعة الأخيرة من الثورة يبقى السؤال مفتوحاً هل سيستطيع الأمريكيون وكذلك بقية الدول الغربية من استعادة ثقة الشعب السوري، بعد شهور الدمار وعشرات آلاف الشهداء والمفقودين؟؟ الواقع يقول خلاف ذلك...