أطفال اليوم .. قنابل الغد الموقوتة
نعم الصالح
قد لا تتجاوز كثيرًا آلامُنا برمّتها ألمنا عندما نشاهد منظر الأطفال الشهداء أو الجرحى منهم، الضّحية الأولى لمجازر ووحشيّة النظام الفاجر، الذي لا يرعى في الله ولا فيما كرّمنا الله به من إنسانية حقّ جماد ولا إنسان، صغر أو كبر..
هؤلاء الأطفال، الذين كان سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه، الذي أعزّ الله الإسلام به، إذا لقي صبياً منهم في الطريق يأخذه بيده، ويقول له وعيناه تبكيان: " ادعُ لي يا بني فإنك لم تذنب بعد "، ألسنا نحن الذين لا نبلغ شيئًا من مقدار عمر حين ندعو الله أن يخفّف عنا أحقّ بأن نتوسل إليه بطهارة وبراءة هؤلاء الأطفال، هؤلاء الذين لم يذنبوا بعد، الذين يُـقتلون كل يوم بأبشع القتلات، ويموتون ليزيدوا -في حساب العالم الظالم- حصيلة الشهداء فقط لا أكثر..!
أقف أمام كثيرٍ من هذه المشاهد متسائلة عن مستقبل أطفالنا، هل سينشؤون باعتلالات وانتكاسات نفسيّة؟ هل سيكونون منهزمين داخليًّا؟! هل سيعيشون متكئين على غيرهم بعد الذي أذاقتهم الحياة من مرارة؟ هل سيتثاقلون في السير كلُّ همّهم أن تموت الأيام .. ليموتوا!
أتساءل عن هذا وأنا أرى الطفل يُقتل اليوم أمام طفلٍ مثله، أو طفلٍ لم يجد صديقه عندما استيقظ من نومه، طفلٍ فقد أباه، أمه، أخاه، أخته، فقدهم بعضهم أو كلهم! طِفل كلُّ ما يسمعه هو أصوات الرصاص والقذائف! أتساءل عن هذا وأنا أعلم أن أبشع القتلات التي لا يمكن لعاقل أن يتخيلها تحدث على أرض سوريّة!
ثمَّ يقطع تساؤلتي صوت رجلٍ يبكي كأنه طفل، وطفل يطلق عبارات كالصاروخ كأنه هو الكبير! يقطع تساؤلاتي تقدُّم الأطفال في المظاهرات يحملون اللافتات، وحملهم على أكتاف الرجال تدوّي حناجرهم بالشعارات، وظهورهم امام الكاميرات ينادون أن الثورة مستمرة، وهم باقون حتى يسقط النظام، يقطع تساؤلاتي أخبار خروجهم بمظاهرات عفويّة بعد المدرسة، أو أثناء تجمّعهم للعب، يقطع تساؤلاتي كلها .. التأمل في الحكمة الربانية أن كان الأطفال هم من أشعلوا الثورة!
ولنا في قصص التاريخ عبرة، فمثلاً يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في كتابه هتاف المجد: "ولنحاربن بالنار والحديد والبارود، وبالسيوف والخناجر والعصي، فإن لم نجد يومًا السلاح حاربنا بأيدينا، ولنسوقنَّ إلى الحرب شبابًا أنضر من الزهر، وأبهى من الضُّحى، وأثبت من الجبل، وأمضى من العاصفة، فإن لم نجد يومًا شبابًا سُقنا إلها الشيوخ والأطفال والنساء، ولقد ألّف الأطفال في معركة تحرير أندونيسيا فرق (جيش النمل) فكانوا يملؤون جيوبهم بالحصى، ويتسلقون الدبابات وهي تطلق رصاصها، ثم يصبونها على سلاسلها وآلاته ليخرِّبوها،...". لا تستمعوا إلى محلّلي علم النفس بما يتفذلكون عن المشاكل التي ستصيب الأطفال، تذكروا دائمًا أننا مسلمون، وبالتسليم لله نحن أقوى الأمم وأبعدها عن مشاكل النفس والروح، وبالاستسلام لله نحن أولى الناس برحمة الله ولطفه.
لقد علّمني الأطفال أنّ بداخل كلّ منهم قوة جبارة تهدّ الجبال، وأنّ نفوسهم تحمل في جنباتها إيمانًا فطريًّا نقًّيًّا صافيًا يفوقنا نحن الكبار، وأن آمالهم تستمرًّ مهما فقدوا ونالوا، وأنهم سيُعطون مثلما أخذ منهم، إنهم يبكون وينامون فيستيقظون على عهدٍ جديد مع النصر، يطلبون من آبائهم أن يسمحوا لهم بالخروج مع الكبار، ينتشرون في الشوارع كما كانوا من قبلُ ويحكون لِـ سنيِّهم ما سمعوه وما رأوه من الكبار، ويسخر أحدهم من الآخر إن رأى في عينيه رعبًا، ويشير إليه كجبان صار محلّ سخرية. إنَّ تحوّل كل واحدٍ منهم إلى رجل، هو حكم الله، فهذا الطفل الرجل هو من سيحمل أمانة النصر الذي كلّف يومًا الكثير الكثير..! هؤلاء هم الأطفال بالإيمان يجعل من دمهم نارًا توقدهم فلا يلوون على أحد، وهؤلاء هم بالحرية تنغرس في كل خليّة من خلاياهم فتنشأ فيهم كما نشؤوا في قلب الثورة أنفاسُهم الكرامة، ليكونوا سخط الله على الظالم إذا ما تسلّط مستقبلاً، هؤلاء هم بالقوة، بالجَلَد، بالصَّبر، باليقين، بالكفاح، برباطة الجأش، بالتأهيل الربانيّ الذي لا مثيل له، وقود يحذر أيّ بشر من أن يُدنِيَ منها شرارة فتحرقه!