ثقوب في خيام الربيع البترولي
ثقوب في خيام الربيع البترولي
غارات إسرائيلية تنتهك أجواء الشتات العربي
كاظم فنجان الحمامي
ثقوب مخجلة في فضاءات الهزائم العربية المتكررة, تسللت منها دبابير الشر بنجومها الهمجية السداسية لتلوي ذراع الخرطوم في ليلة سودانية الرقاد من ليالي الربيع البترولي المحترق بنفط الشيخ برميل. .
مرة أخرى تتصرف إسرائيل بمنطق الدولة العابثة المستهترة, التي لا رادع لعنجهيتها, ولا قيود جغرافية لقوتها العسكرية المتنامية في مسارات الطغيان والإجرام, فحدودها الهلامية أبعد من مضيق باب المندب, وأبعد من بحر قزوين, وابعد من (سنجار), و(قندهار), و(بنيد القار). .
ثلاث غارات إسرائيلية شنتها طائراتها في عمق الأراضي السودانية, كانت آخرها ليلة الأربعاء الماضية 31 تشرين الأول (أكتوبر), ثم عادت إلى قواعدها من دون خسائر لتزف البشائر إلى حكومة تل أبيب والحكومات العربية المؤيدة لها, وسط صمت عربي مشين, ومن دون أن تحتج الجامعة التي لا تجمع ولا تنفع, في الوقت الذي انشغلت فيه الفضائيات العربية بالبكاء على أنقاض القرى الأمريكية التي اكتسحتها (ساندي) بإعصارها المدمر, لكنها لم تسأل (سالي) ولا (ساندي) عن الغارات المباغتة, التي نفذتها عشر طائرات حربية إسرائيلية, وطائرتان سمتيتان حلقتا فوق مياه البحر الأحمر لتأمين الإسناد والمراقبة الالكترونية. .
استهدفت الغارة الأولى قافلة من الشاحنات التجارية شمال شرق السودان بذريعة إنها كانت تنقل الذخيرة الحربية لعرب غزة, (عذر أقبح من فعل), واستهدفت الغارة الثانية قافلة أخرى للشاحنات عند مقتربات ميناء (بورت سودان), ثم نفذت غارتها الأخيرة, واستعانت فيها بثماني طائرات مقاتلة, وطائرتان سمتيتان, وطائرة من طائرات التموين الجوي, وأخرى من طائرات التدخل السريع كانت تحمل كتيبة مجوقلة, متأهبة للهبوط على الأرض السودانية عند تلقي أية إشارة من غرفة العمليات المركزية, التي تولت إدارة الغارة والإشراف عليها عبر نوافذ الأقمار الصناعية المحلقة في المدارات الإسرائيلية. .
نفذت إسرائيل عمليتها الجوية الأخيرة بدقة تامة, وقطعت طائراتها مسافة (1900) كيلومتر, حلقت خلالها بارتفاعات منخفضة جداً فوق مياه البحر الأحمر, واستعانت بأفضل التقنيات الحربية للتمويه والتشويش. .
لقد تجاهل المتأمركون العرب تلك الغارات وكأنها حادثة أمنية عابرة, ولم يصدروا بياناً واحداً من بياناتهم الاستنكارية الروتينية, واكتفت إذاعاتهم وصحفهم ومحطاتهم المتلفزة على اختلاف توجهاتها بنشر الخبر ليوم واحد فقط من دون أن تعلق عليه, ومن دون أن تعقد حلقة نقاشية على غرار الحلقات التحليلية الطويلة, التي اعتادت عليها لتحليل نتيجة اللقاءات الكروية بين برشلونة وريال مدريد. .
لم يرسل الملوك والرؤساء العرب برقية مواساة واحدة للبشير, ولم تدع الجامعة لعقد اجتماع طارئ حتى على مستوى اللجان الأولمبية لمناقشة الأضرار الكروية, التي تعرض لها نادي المريخ في الخرطوم, وفشلت الأحزاب العربية (الربيعية) في أول اختبار لها داخل حلبات السيرك السياسي المخجل, وظهر جليا إن معظم دعاة الانتفاضات البترولية هم من الأصدقاء المقربين للمحافل الماسونية, وصرح زعماء النظام السوداني المتدين بأن انفجارات أكداس العتاد في مجمع اليرموك كانت بسبب تماس كهربائي, وتبين إنهم لا يعلمون بأمر الطائرات الإسرائيلية التي ضربت ضربتها الموجعة, وعادت إلى قواعدها سالمة حالمة بدولة عبرية من النيل إلى الفرات, في الوقت الذي وجدت فيه إسرائيل أوكاراً جديدة لها جنوب الخرطوم في ظل الحكومة المنفصلة عن الدولة الأم. .
استهدفت الغارة الأقطار العربية والإسلامية كلها, ولم يأت توقيتها في نهاية عيد الأضحى من باب الصدفة, وكانت تحمل تحت أجنحتها أكثر من رسالة تحذيرية صريحة عن التفوق العسكري الإسرائيلي, ورسالة أخرى إلى الحكومة الإيرانية, فالمسافة بين تل أبيب وطهران أقل بكثير من المسافة بينها وبين الخرطوم. .