الطائفية المذهبية والعرقية والسياسية تفكك أوصال الوطن العربي وتمزق لحمته

الطائفية المذهبية والعرقية والسياسية

تفكك أوصال الوطن العربي وتمزق لحمته

محمد شركي

[email protected]

لا يوجد وضع أسوأ يمر به الوطن العربي كوضعه الحالي الشبيه بوضعه يوم كانت أقطاره ترزح تحت نير الاحتلال الغربي . ومعلوم أن الغرب لن ينصرف عن هذا الوطن العربي طالما ظلت فيه ثروات طبيعية تسيل لعابه. ولا زال نفس الدافع الذي كان وراء حركات الاحتلال الغربي للوطن العربي في القرن الماضي قائما ، وهو الطمع في ثرواته . وهذا الطمع هو الذي يجعل الغرب الطامع يضع خطط تمزيق رقعة هذا الوطن الممتد من الخليج إلى المحيط . ولقد بدأ التخطيط الغربي الخبيث بما سمي الشرق الأوسط الجديد ، علما بأن كل تغيير يقع في الشرق الأوسط حيث تتمركز ثروة البترول العربي الكبرى يؤثر بالضرورة على كل أرجاء الوطن. والوطن العربي شأنه كشأن قطعة ثوب لها سدى ولها لحمة ، واللحمة هي ما ينسج خلاف السدى ، ويكون عرضا . فسدى الوطن العربي هو دين الإسلام ولحمته هي كل الطوائف والأجناس والتيارات السياسية . والغرب يتوجس من سدى الوطن العربي أي من الإسلام ، لهذا يجتهد لتمزيق لحمته من خلال النفخ في النعرات الطائفية والعرقية والسياسية حتى لا تنسج حول السدى. وبدأت المؤامرة الغربية لتمزيق رقعة الوطن العربي بغزو واحتلال العراق . ووجد الغرب في العراق البيئة المناسبة للنفخ في النعرات الطائفية نظرا لتعدد المذاهب المحسوبة على الإسلام، وتعدد الأعراق والتيارات السياسية . وكان الغرب قبل غزو العراق قد أعد الطائفية المذهبية التي تحقق مشروعه الهادف إلى تغيير خريطة الشرق الأوسط السياسية ، وامتطت ظهر دباباته المذهبية الطائفية وتحديدا الشيعية الرافضية . واستغل الغرب سوء الخلاف الذي كان بين نظام البعث القومي العلماني وبين الشيعة الرافضة ، وهو خلاف مرده خلاف نظام البعث مع الجمهورية الصفوية الشيعية الإيرانية حيث تعتبر الطائفية المذهبية الشيعية في العراق امتدادا لهذه الجمهورية المحتكرة للمذهب الشيعي من خلال احتضان ما يسمى ولاية الفقيه التي تنصب نفسها نائبة عن الإمام الغائب غيبته الكبرى و ناطقة باسمه إلى أن يخرج من سردابه أو ينزل من عليائه . ولما كانت السياسة الغربية تقوم على أساس المصالح الدائمة ، فإن عداءها للجمهورية الصفوية لم يمنعها من الاستعانة بالمذهبية الشيعية العراقية الموالية لها عندما صارت المصلحة الغربية هي القضاء على نظام البعث في العراق . و لقد عرف الغرب جيدا كيف يوظف سلاح الطائفية الشيعية في العراق مستغلا تراكمات الحقد الشيعي التاريخي على الطائفة السنية ، علما بأن الجمهورية الصفوية الإيرانية خلال حربها مع نظام البعث القومي في العراق كانت تقنع مواطنيها ومن يدين بعقيدتها الشيعية بأن حربها مع هذا النظام هي استمرار لحرب الأئمة العلويين مع الخلفاء الراشدين ومع بني أمية . ولا زال العالم يذكر كيف كانت المرجعية الشيعية الإيرانية توزع مفاتيح الجنة الكرتونية على الشباب الإيراني لإغرائه بقتال نظام البعث . ومن القناعات المتزمتة و الراسخة في عقول الشيعة الرافضة في كل أرجاء العالم أنهم يمثلون الأئمة العلويين ، وأن من لا يعتقد اعتقادهم فهو امتداد لأبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية رضوان الله عليهم وهم مغتصبو الخلافة في نظرهم ، وامتداد ليزيد قاتل الحسين رضي الله عنه . ولقد سجلت لحظات شنق الشهيد صدام حسين المجيد ليلة عيد الأضحى بقرار أمريكي ، وتنفيذ شيعي رافضي رفع الرافضة عقيرتهم بالحياة لمقتدى الصدر والحكيم ، وبجهنم لصدام وكأن حجب الغيب قد رفعت لهم فرأوا ما لم يره إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أعرج به . وقد سخر الأمريكان من بلادتهم و غبائهم وتعصبهم الأعمى ، وهم ينهقون نهيق الحمر المستنفرة وقد اقتيد قسورتها إلى حبل مشنقة من صنع صهيوني نكاية فيه ،وطربت لموت موحد يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ومن كان آخر كلامه من الدنيا هذه الشهادة دخل الجنة بوعد من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلا أن الرافضة تألوا على رب العزة جل في علاه ، وجعلوا الشهيد في جهنم بزعمهم حقدا وتعصبا ، وهي التي تجب لمن يتألى على رب العزة جل جلاله الذي وسعت رحمته كل شيء ، ويصيب بعذابه من يشاء . وركب المحتل الأمريكي ظهر الطائفية الشيعية في العراق لتطبيق تصفية عرقية ضد الطائفة السنية ، ووقعت المذابح الفظيعة ، وفتح أبواب المعتقلات الرهيبة التي صار المثل يضرب بها في القسوة كما هو الشأن بالنسبة لمعتقل أبي غريب المحاكي لمعتقلي كوانتانامو في كوبا وقندهار في أفغانستان ، وما لا يعلمه إلا علام الغيوب من معتقلات سرية رهيبة تنتهك فيها الكرامة البشرية بشتى أنصاف العذاب المهين . وتحقق المشروع الغربي في العراق الذي صار اليوم ساحة صراع مرير بين مختلف الطوائف العقدية والعرقية والسياسية . واختلقت الملشيات المختلفة التي صممت لتكون وقود حرب أهلية مدمرة في العراق . وهكذا نفخ الغرب في الطائفية الشيعية التي سخر أهلها عصاباتهم و ملشياتهم المسلحة من أجل تصفية أهل السنة تصفية عرقية و عقدية ، وسخر ما سماه عصابات الدولة الإسلامية الإجرامية لتكون غطاء يخفي ملامح جريمة التصفية العرقية ضد سنة أهل العراق ، وسخر عصابات الأكراد الذين يضمرون حقدا عرقيا تاريخيا ضد العرق العربي على غرار الحقد الطائفي التاريخي للشيعة ضد السنة، وسخر طوائف أخرى من مسيحية ويزيدية وأشورية ، وجعلها ضحايا عصابات الإجرام من أجل التمويه أيضا على التصفية العرقية حيث كون الغرب حلفا دوليا يحارب في الظاهر عصابات ما يسمى الدولة الإسلامية الإجرامية المصنوعة مخابراتيا بذريعة الانتصار للمسيحيين واليزيديين والأشوريين وغيرهم ، وهو في الباطن يقدم غطاء حربيا لممارسة التصفية العرقية ضد سنة العراق . والعالم يشهد اليوم جرائم الإبادة الجماعية لهؤلاء السنة والتي ترتكب من طرف الميليشيات الشيعية واليزيدية كما نقلت ذلك وسائل الإعلام العالمية ، وهي جرائم إبادة شبيهة بما وقع في دول البلقان بل وأفظع منها . ولم تقتصر مؤامرة الشرق الأوسط الجديد على الساحة العراقية بل شملت ساحات أخرى كانت أولها الساحة المصرية التي أجهز فيها على تجربة ديمقراطية فتية أجهضها انقلاب عسكري دبر بليل بين العواصم الغربية وتل أبيب وعواصم عربية على رأسها عواصم خليجية قامت بتمويل الانقلاب . وكان الغرض من الإجهاز على هذه التجربة الديمقراطية هو قطع الطريق على ما يسميه الغرب الإسلام السياسي ،والذي ينعته بنعت الإرهاب قياسا على نموذج المقاومة الإسلامية حماس التي تقض مضجع الكيان الصهيوني ، لهذا فكر الغرب في استئصال شأفة نموذج الإسلام السياسي في مصر حتى يقطع الطريق أمام حركة المقاومة الإسلامية حماس ومن يفري فريها ، ويحول دون وجود عمق استراتيجي لها في الوطن العربي، وتحديدا في دول الطوق وعلى رأسها مصر وسوريا و دول الخليج . ووظف الغرب الطائفية العسكرية والسياسية في مصر من أجل تنفيذ مخطط إجهاض الإسلام السياسي فيها . وامتدت المؤامرة إلى سوريا حيث جاء دور التخلص من حزب البعث العربي السوري إلا أن مصالح الغرب المرتبطة بأمن وسلام الكيان الصهيوني اقتضت أن يغض الطرف عن جرائم نظام البعث ضد الشعب السوري أمام دعم الفيتو الروسي والصيني الذي أساسه المصالح ودعم الدولة الصفوية الإيرانية له من خلال حرسها الجمهوري وملشيات حزب اللات التابع لها ، علما بأن الغرب يجري معها مفاوضات في شأن ملفها النووي بناء على مصالح متبادلة مع الغرب ومنها الحصول على ضمانات من الدولة الصفوية بعدم تهديد أمن وسلام الكيان الصهيوني نوويا . ولما كانت المصلحة الدائمة تحكم المنطق الغربي فقد غض الطرف عن جرائم نظام البعث السوري بما فيها استخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا خصوصا وأن ثورة الشعب السوري تضم ما يسميه الغرب الإسلام السياسي الذي لا يقبل بوجوده في سوريا ، وهي من بلدان الطوق تماما كما رفض وجوده في مصر . ولم تقف المؤامرة الغربية عند هذا الحد بل عمد الغرب إلى بلدان ثورات الربيع العربي ، فحرك نعرات الطائفية العقدية والسياسية كما هو الشأن في اليمن حيث غض الطرف عن الطائفية الرافضية الحوثية بسبب تفاهمات مع الدولة الصفوية الإيرانية ، وهي تفاهمات فرضتها المفاوضات المرتبطة بالملف النووي الإيراني كما غض الطرف عن التقارب والتحالف بين الطائفية الحوثية وطائفية النظام المخلوع الذي تم التآمر على الثورة اليمنية في شأنه فنجا من المحاسبة والمتابعة القضائية تمام كما حصل ذلك مع الرئيسين المخلوعين التونسي والمصري . وما يحصل في ليبيا شبيه بما يحصل في اليمن حيث يحرك الغرب الطائفية العرقية والسياسية في ليبيا من أجل إذكاء نيران الحرب الأهلية المدمرة . ولم يفلت الغرب تونس أيضا حيث أمال الكفة لفائدة الطائفية السياسية والحزبية الليبرالية والعلمانية في اللعبة الانتخابية من أجل منع ما يسميه الإسلام السياسي الذي تمثله في نظره حركة النهضة التي يحسب توجهها العقدي والسياسي على توجه حركة الإخوان المسلمين في مصر وسوريا والأردن وفلسطين . ولم ينج المغرب من محاولة الغرب تحريك الطائفية السياسية الليبرالية والعلمانية فيه من أجل تضييق الخناق على الحزب ذي الأغلبية البرلمانية ،والذي يصنفه أيضا ضمن ما يسميه الإسلام السياسي . وخلاصة القول أن الوطن العربي تفكك اليوم أوصاله وتمزق لحتمته بشكل غير أخطر مما كان في السابق زمن الاحتلال الغربي ، وذلك من خلال النفخ في مختلف الطائفيات العقدية والعرقية والسياسية من أجل خلق وضعية سياسية معينة تخدم المصالح الغربية ، وعلى رأسها الوصول إلى الثروات الطبيعية ومواصلة استنزافها ، وتحقيق أمن وسلام الكيان الصهيوني . فمتى يفيق العرب من غفلتهم ، ويتنبهوا إلى المؤامرة الغربية الخبيثة ، ويصونوا لحمة وطنهم وأوصاله التي تفتك بها الطائفيات العمياء؟