فلتسبَحْ في أفلاك المجانين لعلهم يصدقونك!!

هوامش على كلام الأبراج (5)

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

يأتي الأسد مجنونا هذه المرة ليقول لي: "تبتسم لك الأفلاك، تشعر أنّك منتصر مهما كانت الأحوال والظروف. تتفاعل مع المحيط وتعالج مسألة عائلية. تقدّم مساعدة، وربّما تصحّح وضعاً يتعلق بمنزلك".

فيا حسرة للقلب المهيض مكسور الجناح كيف تبتسم له الأفلاك؟ وكيف تشعر به وهي المخلوقات المحنطة مسلوبة الإرادة والضمير والعقل والمنطق، فإذا كانت البشر بمشاعرها لم تشعر بي فهل ستشعر بي مخلوقات لا حول لها ولا قوة؟ يا لبلاهتك أيها الأسد! ويا لسقم روحي، كيف طاوعتها وقرأت ما ادعيته هذا اليوم؟!

تدخلت أيها الأسد، فاتهمتني اتهامات هي والله باطلة وماجنة، فأنا ذلك المهزوم المجبول بطينة القهقرى والموت، أشعر بالانتصار؟ كيف وقد سارت الرياح بعكس ما تشتهي السفن، فكل أحوالي في تراجع، صحتي وآمالي، فسهدي طويل، وعمري مصلوب في أوهام الماضي، أعاني من الوحدة والضيق وأنين البلاء الطاحن دمي، فكيف لمخلوق مثلي فقد كل شيء أن يحس بالانتصار وكل ظروفه ظرف واحد هو العدم؟!!

سأفقد الثقة بكل ما تقول أيها الأسد، لم أخرج من البيت منذ فترة، وعلى الأقل يومان كاملان، وأنا متسمر على الكرسي أمام جهاز لا ينفع، بل إنه يضر العينين والساقين والظهر، حتى خرجت أعاني من آلام في الظهر واليد، عدا أن عيناي غدتا ترى الحروف بالظلال ومتماوجة خيالات تتلاحق، لا يبن لها شكل إلا بكاد الكاد!! وتقول: بأنني متفاعل مع محيطي، وأي محيط وأي بحر وأي نهر، وأي ساقية حتى، لا شيء مما ترجو وترجّم به، لقد خدعتك أفلاكك وبتت تنام على صفيح من خيالات لا تنفع أحدا، فلم تعد أسدا أيها الأسد الميت روحا وجسدا!!

وأما مسائلي العائلية فحدث عنها ولا حرج، لا شيء فيها يستدعي العلاج، فهل سمعت بميت استطاع النطاسيّ أن يعالجه، أو أن أطباء العالم يرجعون ميتا إلى الحياة، فيا لشطحات لغتك التي أفقدتني الثقة بك.

إن الأدهى والأمر أنني أقدم مساعدات، وكأنني وكالة غوث للمساكين والفقراء والحائرين وأبناء السبيل، وهل تظن أن أمثالي قادرون على تقديم مساعدات؟ وهل أمثالي- ممن يشتاقون لشربة ماء عذبة من راحة من رحلوا- قادرون على أن يقدموا مساعدات، هل سمعت بأن الغريق هو من يقدم المساعدة لمن هم على شاطئ الأمان، ينظرون إليه متشفين فرحين مسرورين بغرقه، يتلذذون برؤيته وهو يصارع الأمواج، يقاوم حتى لا تغلبه ويموت، هل هذا شخص يقدم مساعدات؟!

لك الله يا أسدا فقد كل بارقة من يقين وصدق لغة وعبارة، تدعي أنني أصحح وضعا يتعلق بمنزلي، إن أحلامي كلها متهاوية مرذولة باكية على أبواب منزلي الثلاثة، ومن جهات ثلاث، فكيف لي أن ألتفت إلى تصحيح أوضاع ذلك المنزل الذي فقد رونق بنائه الجديد، لأن نفسي صارت تعافه، ومع كل ذلك أسجن نفسي فيه لا أبرحه ولا أفارقه ثانية من وقت إلا مضطرا.

أرأيت أيها المُشِطّ الوالغ في دماء اللغة، كيف تفتح الجروح، فيسيل منها القيح كريها زاكما أنوف الجمل، فيأبي الورق أن يحملها، وتنفر السطور من تسطيرها، ولو كان الخيار بيدها لمزقت نفسها كي لا تحتل منها مساحتها البيضاء النقية الطاهرة، تنحَ بعيدا أيها الأسد الواهي القوى، الخائر العقل والرؤى، ولتسبح في أفلاك المجانين لعلهم يصدقونك يوما، أما أنا فلا ولن ولم أصدقك، لأنك تأتيني بما لا قبل لعقلي أن يراه صحيحا ولو بمقدار حبة من خردل، فاكتب خيالاتك بعيدا عني، ولا تنظر لتاريخ ميلادي واشطبني من قائمتك، فلست عنك براض، وقد أتيتَ بكل عجيبة مستهجنة!!