عن تركيا أحدثكم
نوال السباعي
هناك الكثير من الجوانب بالغة الأهمية ، التي يمكن التحدث عنها ، والبحث فيها، لدى مراقبة الموقف التركي من اعتداآت العصابة المُختَطِفة لسورية على حدودها ، يجب أن نعرف ونفهم .. أن أهم موقفٍ استطاعت دول الجوار السوري اتخاذه ضد نظام القتلة المجرمين ، وأولياء أمورهم في إيران وروسية .. كان إرغام "النظام" على حصر "تغوله" في حدود سورية ، وعدم السماح له بتصدير "أذيّته" خارج تلك الحدود ..
وهو الذي كان ، ومايزال يحاول ويراهن.. ومعه إيران ، على تصدير "الحرب" ، وإشعال فتيلها في كافة أنحاء المنطقة!!
لقد استطاعت الدول المجاورة لسورية احتواء هذا "التنين" الذي يتميز غيظاً داخل حدوده، على الرغم من الكلفة الإنسانية الباهظة ، التي دفعها السوريون ثمناً لهذا الاحتواء ! ، ولكنها كانت الطريقة الوحيدة لكفّ شرور الحرب الأهلية من جهة ، والحرب الشاملة من جهة أخرى في المنطقة بأسرها .Principio del formulario
فتركيا دولة وجغرافية ، كانت ومازالت ، أحد أهم أهداف الاستعمار الشرقي في المنطقة ، باعتبار الثارات الامبراطورية القديمة مع روسية القصرية ، التي تبين لاحقاً أنها لم تخرج قط من عباءة القياصرة ، ولو قتلت عشرات الملايين من شعبها باسم الثورات عليهم .. كما باعتبار الأحقاد التاريخية العتيقة مع إيران ، والتي اشتغلت أربعة عقود كاملة لمدّ سيطرتها السياسية وهيمنتها الشاملة على المنطقة تحت قبة الممانعة والمقاومة ، اللتي تمخضت عن قناع واهِ لتغولٍ استعماري جديد قادم من الشرق هذه المرة!
صعود تركية الاقتصادي الهائل في زمن الركود المالي والاقتصادي العالميين ، وانتقالاتها الديمقراطية الواسعة النطاق، والتفاتها للشغل على المنطقة ، بعد أن أوصد الاتحاد الأوربي أبوابه في وجهها ، جعلها كذلك وضع "دهشة" و"ترقب" ، وتحت عدسة الاستعمار الغربي ، وربيبته إسرائيل ..
المذبحة في سورية .. فسحت المجال واسعا لكلا الاستعمارين ، أن يتحفز لتصفية حساباته مع هذه القوة الصاعدة في المنطقة ، والتي ماكان يُحسب لها أي حساب .
ضمن هذه السياقات في السياسات العالمية يجب أن نفهم وضع ومواقف تركية، تاركين جانباً .. كل التصريحات السياسية والديبلوماسية والأخلاقية والإعلامية ..
الدول تتعامل بالمصالح ضمن موازين القوى ، وليس بالعواطف ضمن منظومة الإعلام !
Principio del formulario
على الصعيد الداخلي في تركية،
لابد أن نستعرض تركيبة جغرافيتها السكانية ، لنفهم طبيعة مواقفها السياسية ..
حسب الإحصائيات في الموسوعات الجغرافية المنشورة خلال الأعوام العشرة الأخيرة ، وحسب المصادر المختلفة العربية والغربية ، فإن عدد سكان تركية يتراوح مابين 80 و83 مليون إنسان تركي ،
منهم مابين 20 إلى 33 مليون تركي كردي في شرق تركية،
ومنهم مابين 5 إلى 11 مليون تركي علوي في غرب تركية،
هذه التركيبة السكانية ، تعني إمكانية تفجير تركية في حال أي تقسيم يتم في سورية ، وهذا يعني حرباً عالمية جديدة ، جديّة التوقعات ... لايوجد هنالك طرف واحد مستعدٌ للقبول بها حالياً !
Principio del formulario
كنت في تركيا قبل أيام، ويمكن لكل زائر سوري إلى تركيا أن يرصد بالعين المجردة ، الجهود الهائلة التي تبذلها تركيا لمساعدة الشعب السوري إنسانياً ، ..
تركيا تؤوي اللاجئين السوريين دون أن يسألهم أحد عن انتماآتهم.. !
تركية تسمح -بنفس الدرجة من الحرية التي تتوفر في "بعض" الدول الغربية- بعقد كل المؤتمرات والاجتماعات والورشات التي يعمل من خلالها السوريون على صناعة مجتمع مابعد سقوط العصابة ، بصرف النظر عن انتماآت تلك الأطراف السياسية والفكرية والدينية والطائفية .
تركية توفر لتنظيمات المعارضة الكبرى في سورية ، كل مناخات العمل في حرية
وسهولة ودون أي تدخل من طرفها ، بالقيام بكل مايجب على هذه المعارضة القيام به لخدمة الشعب السوري .
تركية توفر العناية والرعاية الصحية والإنسانية للاجئين السوريين بغض النظر عن انتماآتهم كذلك .
تركية ..تحمي اللاجئين السوريين من عناصر المخابرات السورية التي تنتشر في كل المناطق الحدودية السورية ، كما تحاول حمايتهم من مواطنيها الأتراك الذين يعلنون موالاتهم للنظام السوري ..
تركية دولة آسيوية- أوربية جغرافياً ، مسلمة حضارياً ، علمانية إدارياً .. غربية سياسياً ، مخيفة تاريخياً ، مهددة إقليمياً !
ولاينبغي لنا كسوريين ، أن نحملها وزر مواقف وسياسات عالمية ، لايمكن لتركيا فيها أن تغرد وحدها خارج السرب فيها !، فتعقد شبكة السياسات والمصالح والأحلاف الدولية اليوم ، وفيم يتعلق بالمنطقة ، وبسورية على وجه الخصوص لايمنح تركية هامشاً أوسع تتحرك فيه خارج المساعدات الإنسانية بكل امتداداتها ، الإغاثية والسياسية والاستراتيجية.
وعلى الشعب السوري أن يفهم طبيعة هذه المعادلات ، ليستطيع أن يدرك طبيعة المعركة التي تجري على أرضه بين شعب كان أعزلاً إلا من إيمانه بالتغيير ، وعصابة متغولة متوحشة جابهت مدنية ورقي شعبها بالذبح على طريقة وحوش عهود الظلام المتدحرجة نحو أحطّ مافي الإنسان من كراهية وأحقاد ، وانتقلت بالصراع من أجل حرية سورية وكرامة شعبها ، إلى صراع على سورية، يجري بين القوى الاستعمارية الكبرى شرقاً وغرباً وعملائهما في المنطقة .. والكلّ يقايض بعملة صعبة شديدة الخطورة ليست إلا.. دماء السوريين وأشلائهم وآلامهم!
:::::::::::::::::::::::::::::
مصادر المعلومات: * ويكيبيديا الاسبانية عن التركيبة السكانية في تركية
78% أتراك سنة ، 22% أتراك علويون،2% أتراك مسيحيون
ويكيبيديا العربية : الديموغرافية في تركية