لماذا لا يقرأ العرب!؟
د. عبد القدوس أبو صالح
دفعني إلى هذا الحديث ما قرأته من أن أحد وزراء العدو الإسرائيلي علق على نكبة عام 1967م بقوله: "إن العرب لا يقرؤون، ولو أنهم كانوا يقرؤون لما فوجئوا بما قامت به إسرائيل غداة الخامس من يونيو حزيران".
وكنت مرة في فصل جامعي فسألت الطلاب عما قرؤوه عدا الكتب المقررة، وفوجئت بأن وقف أحدهم يقول: إنه لم يقرأ في حياته أي كتاب غير مدرسي، وإنه يفضل أن يفعل كل شيء إلا أن يقرأ.
وحقاً إن الذين يقرؤون في العالم العربي قلة نادرة، وهذا يفسر ما نراه من ركود الحياة الأدبية والعلمية، ومن تدني المستوى الثقافي للطلبة والمعلمين عموماً.
ومن العجيب أن يطلب إلى الأدباء والمفكرين أن يكتبوا وينشروا، ثم لا تجد كتبهم من ينفض الغبار عنها.
ولقد قرأت منذ أيام أن قصاصاً أمريكياً بلغ دخله من قصة واحدة نشرت له أكثر من عشرة ملايين دولار. بينما ترى المؤلف المسكين في بلادنا سرعان ما تدركه حرفة الأدب إذ لا يستطيع أن يسترد ما أنفقه في طبع كتاب واحد، بله أن يعيش من وراء التأليف أو يصبح بسببه من الأثرياء أو المكتفين.
وإذا نظرنا إلى واقع الأمم المتقدمة اليوم رأينا أن نسبة القراءة مقياس حضاري لا يخطئ.. وعندما كانت أمتنا تحمل مشعل الحضارة كان رجال السلف الصالح يقبلون على اقتناء الكتب باذلين في ذلك الغالي والرخيص، وكانوا يقبلون على القراءة على نور الشموع، وعلى الرغم من فقدان الوسائل الميسرة من طباعة وغيرها.
ولقد عرف من السلف عشاق للقراءة حتى صاروا مضرب المثل في ذلك، ومنهم الجاحظ الذي نقله شغفه بالقراءة من غلام يبيع السمك إلى أن يكون أعظم كتاب العصر العباسي، وهو الذي قيل فيه: إنه ما رئي إلا وفي يده كتاب، وإنه لم يقع في يده كتاب إلا استوفى قراءته كائناً ما كان، ومن المعروف أنه كان يكتري دكاكين الوراقين ويبيت فيها للقراءة.
ومثله الوزير الفتح بن خاقان فإنه كان يحضر لمجالسة المتوكل، فإذا أراد الخليفة القيام لحاجة ما أخرج الفتح كتاباً من كمه وقرأه في مجلس الخليفة إلى حين عودته إليه. ومنهم إسماعيل بن إسحاق القاضي الذي يذكر صاحبه أبو هفان أنه ما دخل عليه في حياته إلا رآه ينظر في كتاب.
ومن البديهي أن الإقبال على القراءة عادة تنشأ منذ الصغر، ولن يقبل الجيل على القراءة إلا إذا نشئ على ذلك في البيت والمدرسة. فأما البيت فعلى الآباء الواعين لمسؤوليتهم أن يجعلوا في بيوتهم مكتبة صغيرة؛ فالمثل الألماني يقول: "بيت بلا مكتبة جسد بلا روح". وحبذا لو كانت هدايا الآباء إلى أولادهم في بعض الأحيان كتباً وقصصاً مختارة، وحبذا لو أتيح للآباء أن يعقدوا جلسات منزلية للقراءة الجهرية، حيث يتحلق أفراد الأسرة ليسمعوا إلى واحد منهم يقرأ عليه كتاباً ملائماً أو قصة شائقة.
أما واجب المدرسة فإنه يتمثل في الاهتمام بمادة المطالعة وإعطائها حقها من الوقت والعناية الكافيين، مع توفير الكتب الشائقة الملائمة لأعمار الطلاب. ومن المفيد إقامة مباريات بين الطلاب في القراءة الجهرية.
ويأتي من بعد المدرسة واجب الدولة في الإكثار من المكتبات حتى يكون لكل حي مكتبة عامة، تباح فيها الإعارة الخارجية ليدخل نور المعرفة إلى البيوت فيجلو العقول كما يدخل نور الشمس إليها فيجلو الأبصار.