من ضريح (القائد الخالد).. إلى متحف الاستبداد
من ضريح (القائد الخالد)..
إلى متحف الاستبداد
د
. حمزة رستناويانتقلت القداسة التي عمل حافظ الاسد على تصنيعها لنفسه , عقب وفاته عام 2000 م وفق مسارين :
الأوّل : مسار توريث الابن , كاستطالة عضوية للمُقدّس (بشار الاسد).
الثاني : مسار تقديس المكان , بحيث يتحوّل المكان التي يحتوي جثمان الأسد الأب إلى مكان مُقدّس أيضا , و هو ما تطلق عليه أدبيات حزب البعث و الاعلام الرسمي السوري ب (ضريح القائد الخالد).
*
عقب وفاة الاسد الاب لم يبق مسئول سوري واحد ابتداء من عضو قيادة فرقة حزبيّة في قرية نائية في البادية إلى عضو قيادة قطرية للحزب لم يزر (ضريح القائد الخالد) مرة واحدة على الأقل , و عادة ما تأتي هذه الزيارات ضمن سياسة حكومية , تُبرمج و تُحدّد مَنْ و كيف و متى تكون الزيارة , و أيّ تخلّف عن الزيارة كان يستدعي المسائلة المباشرة من قبل السلطة و أجهزتها الامنية , خاصة في السنه الاولى و الثانية عقب وفاة الاسد الأب , إضافة لهذا النمط من الزيارات الإلزامية , وُجِدَ نوع آخر من الزيارات يقوم بها متطوّعون سيراً على الأقدام أو على الدراجات الهوائية قادمين من المحافظات السورية المختلفة , و كانت هذه الزيارات تحظى باهتمام اعلامي واسع و يُكلّف المسئولين الرسميين برعاية هذه الزيارات و استقبال الزائرين , و غالبية هؤلاء المتطوّعون من الانتهازيين الباحثين عن مكاسب مباشرة من السلطة و لزيادة رصيد الولاء في حوزتهم.
*
مع اندلاع الثورة السورية و انهيار حاجز الخوف تصدّعتْ جدران القداسة الزائفة التى سعى اليها الاسد الاب و الاسد الابن , حيث جرى تمزيق صورهم و تحطيم أصنامهم و لعنهم جهارا نهارا في المظاهرات و الساحات. و لكنّ هذه القداسة استمرّت لدى فئة الموالين لسلطة الاسد – و غالبيتهم حاليا لأسباب طائفية - و أخذتْ صوراً فجّة , من قبيل اجبار الناس على الهتاف له ,و السجود لصورته, و اجبارهم على قول ( لا إله إلا بشار)..الخ.
*
يتداول الثوار و الصفحات الالكترونية الداعمة للثورة أفكارا حول مصير (ضريح القائد الخالد) القابع في مدينة القرداحة مسقط رأس الأسد الأب , و قد قرأتُ عن عمليات استهدافه بقذائف صاروخية مثلا في الشهور الأخيرة ,و بغض النظر عن مصداقية هكذا أخبار فإنّ الأفكار المطروحة تتراوح بين الهدم أو تفجير الضريح أو حتى تحويله لدورة مياه عمومية WC..الخ و رغم كون هذا الحديث قد يكون سابقا لأوانه , و لكنه يعبّر عن رمزية الثورة السورية و القيم البديلة التي تطرحها.
*
أمنية:
في حال انتصار الثورة السورية و اسقاط النظام , أقترح تحويل (ضريح القائد الخالد ) إلى ( متحف الاستبداد) على غرار النُصب التذكارية لمجازر الابادة الجماعية و ضحايا (الهالوكوست ) أو مشهد كربلاء..الخ فالتجربة الاسدية لدى الشعب السوري شبيهة من حيث كارثيّتها بالتجربة النازية بالنسبة للشعب الالماني , و التجربة الاسدية يجب تحليلها و دراستها , و يجب الاستفادة من عبرها كي لا تتكرر , و إنّ تجسيدها ماديّا و رمزيا في معلم معماري و ثقافي , قد يحفظها بشكل أكبر من النسيان
*
ربّما عندما يزور السياح سوريا المستقبل و التي نحلم بها , سيكون متحف الاستبداد في القرداحة إحدى محطّاتهم , فهناك يرقد جسد الطاغية و ملحقاته , ثمّة نصب تذكارية لمجازر الطاغية , نصب مرتّبة وفقا للتسلسل الزمني لحدوثها : ابتداء من مجزرة سجن تدمر - مجزرة جسر الشغور – مجزرة حماة - مجزرة سجن صيدنايا – مجزرة الحولة – مجزرة القبير- مجزرة التريمسة – مجزرة داريا ..الخ.
و سنجد في بهو المتحف نماذج من أدوات التعذيب التي استخدمها الطاغية و زبانيته في قمع أحرار سوريّا من الدولاب إلى الكرسي الألماني إلى التابوت و كل ما تفتّق عنه العقل الجهنّمي لزبانية الاستبداد , و على جداران المتحف سنجد صور بوتريه لشهداء الثورة السورية : الطفل حمزة الخطيب , الطفل تامر الشرعي , قاشوش حماة , و المناضل مشعل تمو , غياث مطر , الطبيب عيسى عجاج , و السينمائي باسل الخطيب و غيرهم من أحرار سوريا.
و سيوزّع على الزوار نسخ مجّانية من كتاب طبائع الاستبداد للكواكبي , و نسخاً رواية القوقعة (سيرة ذاتية في سجن تدمر) لمصطفى خليفة على سبيل المثال لا الحصر...و ستعرض في صالة مجاورة أفلام السينمائي الشهيد : تامر العوام و أسامة محمد و هالة محمد و عمر أميرالاي أيضا على سبيل المثال لا الحصر.