الصفوية والصوفية 8

الصفوية والصوفية

خصائص وأهداف مشتركة/8

علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي

[email protected]

من البديهي إن العقيدة التي تشكك بالذات المقدسة والرسالة النبوية وتفرغ الفرائض الإسلامية من جوهرها، وتأخذ قشور وتترك اللب. وتشيع الخمول والكسل والتقاعس عن إداء فريضة الجهاد، وتبتدع شعائر ما أنزل الله بها من سلطان، وتجعل من الأوراد بديلا عن القرآن، ومن كلام الشيوخ بديلا عن الأحاديث النبوية، هكذا عقيدة لا يمكن أن تَمت للإسلام بصلة، بل إنها تناصبه العداء، حتى لو لم تسفر عن وجهها البشع. وهي تتشكل عن سابق قصد وإصرار أحد أذرع الأخطبوط المعادي للعرب والإسلام. نستمر في مناقشة بعض الصفات المشتركة بين العقيدتين الصفوية والصوفية.

معرفتهم إسم الله الأعظم

يدعي الصفويون إن الإمام علي(رض) والأئمة يعرفون إسم الله الأعظم! ونسبوا حديثا كاذبا للرسول يقول فيه" سألت جبرائيل عن الإسم الأعظم؟ فأجابني: عليك بآخر سورة الحشر فأكثر قرائتها". (كتاب ألف حرزوحرز لمحمد إبراهيم البرجوردي1/45). ونسبوا لإبن عباس رواية عن النبي(ص)" الإسم الأعظم في آخر آيات سورة الحشر". المصدر السابق. أي إنهم ينفون عن النبي (ص) معرفة الإسم بصورة دقيقة في حين يدعون معرفته من قبل الأئمة! ونسبوا للإمام الباقر القول" إسم الله الأعظم اثنان وسبعون حرفاً وبحرف واحد استطاع صاحب سليمان أن يجلب بلقيس وليس معه غير هذا الحرف، أما الأئمة فعندهم كل الاثنين والسبعين حرفا ولم يبق عند الله إلا حرف واحد فقط". (بحار الأنوار27/37). في حين الكليني حتى وجود هذا الحرف عند الله! فقد ذكر بأن الأئمة " أوتوا اسم الله الأعظم". ونسبوا للإمام الصادق القول" إن عيسى إبن مريم أعطي حرفين، وأعطي موسى أربعة حروف، وأعطي إبراهيم ثمانية حروف، وأعطي نوح خمسة عشر حرفا وأعطي آدم خمسة وعشرين حرفا، وأعطي محمد إثنين وسبعون حرفا". ولم نعرف في لغات العالم كلها وليس العربية فحسب إسما يتألف من إثنين وسبعين حرفا! كما ذكر محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي حديثا للباقر" عند أمير المؤمنين إسم الله الأعظم، لو تكلم به لأخذتهم الأرض". ولا نفهم لماذا تأخذهم الأرض وإلى أين تأخذهم وكيف؟ ويذكر الخميني" إن الإنسان مظهر إسم الله الأعظم الجامع لجميع مراتب الأسماء والصفات على نحو أحدية الجمع والعقل". كتاب(مصباح الهداية/121). ويضيف السيد(علي خان الشيرازي) في كتابه(الكلمة الطيبة) بأن" إسم الله الأعظم يبدأ بكلمة( الله) و ينتهي بكلمة(هو)".

تذكر المستشرقة الالمانية آنا ماري شيمل" لقد أصبح الأمل في إكتشاف إسم الله الأعظم مطمع المتصوفة لنيل أعلى درجات السعادة في الدنيا والآخرة".(الأبعاد الصوفية في الإسلام/ 33). وهذا صحيح كما سيتبين من النصوص التالية:

فقد أورد أبو نعيم بأن كبير شيوخهم ويدعى إبراهيم بن أدهم يعرف إسم الله الأعظم وقد كشفه له شيخه داود البلخي. وقد سأله أحد الشيوخ عنه فأجابه" إنه لكبير على قلبي أن أنطق به".( حلية الأولياء لأبي نعيم 10/44). لكن في رواية أخرى يذكرها الهجويري عن إبراهيم بن أدهم نفسه يقول" إتفق ليٌ صحبة الخضر(ع) وعلمني إسم الله الأعظم".(كشف المحجوب/316) فحرنا في أيهما من علمه إسم الله الأعظم؟ وذكر أبو نعيم كذلك عن الشيخ يوسف بن الحسين قوله" بلغني أن ذا النون يعلم إسم الله الأعظم، فخرجت قاصدا له". (حلية الأولياء 9/386). وأضاف ابو نعيم بأن أبو يزيد البسطامي يعرف أيضا إسم الله الأعظم(10/39). كما أن القطب الأعظم ابن عربي يحدثنا عن المفعول السحري لهذا الإسم بقوله" بالإسم الأعظم أحيا أبو يزيد البسطامي نملة. وأحيا ذو النون إبن المرأة الذي إبتلعه التمساح". (الفتوحات المكية3/329). إحياء نملة! أهذا ما سعى اليه البسطامي؟ ولماذا احياها؟ هل النملة متصوفة أيضا؟

ويذكر لنا الشعراني طريقة الحصول على هذا الإسم" منٌ الله تعالي عليٌ معرفتي بإسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب. ولا يطلع أحد عليه إلا عن طريق الكشف".(لطائف المنن والأخلاق في بيان وجوب التحدث بنعمة الله على الإطلاق2/166). إذن عن طريق الكشف فقط. أما الشيخ احمد البوني فقد أدخلنا في متاهات غريبة منها أن تتلو الحروف( ب، أ، ج، و) في الثلث الأخير من الليل(6666) مرة بعدها تصلي ركعتين. ومن ثم تقرأ الآية الكريمة(70) مرة وهي(( الله نور السماوات والأرض)). ثم تستغفر الله(70)مرة، وتقرأ البسملة(786) مرة، ثم تصلي على النبي (ص) وآله وسلم (132)مرة. ثم تقول الله الجليل القديم الأولي(488) مرة. وبعد صلاة الصبح تستغفر الله(70) مرة، وتذكر البسملة(70) مرة، وتصلي على النبي(70) مرة. وأخيرا تذكر هذه الطلاسم التالية(70) مرة وهي" اللهم أهلل بكمد جينج وكيل الله يامور شطيئا يا طهوج يا مبططروش أجب يا زهزيائيل وأنت يا أهدكيل بحق الهاء الدائرة اللهم يا من هو أحون قاف آدم حم هاء آمين" . كلام سخيف غير مفهوم، صادر عن مجذوب وليس عن شيخ يعرف الله حقا. وذكر عن ثوبن بن إبراهيم الملقب(ذون النون) بأنه كان يعرف إسم الله الأعظم. وقد سأله أحد مريديه أن يعلمه أياه. فقال له: أرني أولا إسمه الأصغر؟ (لواقح الأنوار للشعراني/144). هل هي حزورة أم ماذا؟ ويذكر أبو الحسن الشاذلي بأنه كان يوما جالسا عند شيخه(أبو مشيش) وفكر أن يسأله عن إسم الله الأعظم. وكان في حجر الشيخ طفله. فقام الطفلفجأة  وطوق بيديه رقبة الشاذلي وقال له: يا أبا الحسن! لقد أردت أن تسأل الشيخ عن إسم الله الأعظم! ليس الشأن أن تسأل عن إسم الله الأعظم، إنما الشأن أن تكون أنت إسم الله الأعظم. (أبو الحسن الشاذلي لعبد الحليم محمود/25). ومن الطرائف إن الشيخ محمد بهاء الدين العطار سأل شيخه عن إسم الله الأعظم فجاوبه الشيخ بضربه حصاة! وهو يعني: إنك أنت إسم الله الأعظم. (النفحات الأقدسية/6). يتلاعب السفهاء بإسم الله كيفما شاءوا. دون أن نفهم هل الإنسان بحاجة الى معرفة(اسم الله الأعظم)؟ الا يكفينا إسم الله فقط؟ ألا تكيفنا ألأسماء الحسنى؟ فعلام هذا اللغو الفارغ؟

زيارة الاضرحة والمراقد المبالغة في تعظيمها

تعظيم الأضرحة ظاهرة بعيدة عن الإسلام، إستعارها الصفويين والمتصوفة من اليهود، ويذكر المستشرق لين" فعل المسلمون فعل اليهود بتعمير وتجديد بناء قبورالأولياء وزخرفتها وعمل أغطية خاصة بالقبور، يفعلونها رياءا تشبها باليهود".( راجع المصريون المحدثون). ويذكر رونلدسن" بالرغم من عقيدة التوحيد المنصوص عليها بالقرآن، ما تزال الأمم الإسلامية تحتفظ بعدد كبير من العادات والتقاليد الوثنية، ومنها تقديس القبور والأضرحة".(عقيدة الشيعة).

في العقيدتين الصفوية والصوفية تعتبر زيارة اضرحة الأئمة والشيوخ مُستحبة بل واجبة لغرض التبرك بها. وأنصارهما يتمسحون بالاضرحة وشد الخرق وايقاد الشموع والبخور ويتوسلون بالأموات ممن لا يرجى منهم خيرا وحلا لقضاء حوائجهم، كالزواج، وتوسيع الرزاق، والحصول على الأولاد، والشفاء من الأمراض، والشفاعة والبركة. وأتباع العقيدتين يبالغون في بناء وتعظيم المراقد والعتبات والتكايا والأضرحة والخانقاوات(مفردها خانقاه- صومعات للمتصوفين يتعبدوا بها).

وموقف الإسلام من تعظيم القبور واضح في الحديث النبوي الشريف" لعن الله اليهود والنصارى، إتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد". أخرجه مسلم(1/375) والبخاري(1/532). ودعاء الرسول ربه " اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعبد. إشتد غضب الله على قوم إتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". (موطأ الإمام مالك1/172). وحديث نبوي آخر عن عبد الله ابن مسعود" إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، ومن يتخذوا القبور مساجد".( مسند أحمد/3548). وذكر ابن عباس: لعن الرسول(ص) زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج". (اخرجه النسائي/2016). على إعتبار أن السرج( أي الشموع) من عادات اليهود والنصارى و المجوس. وحديث نبوي عن جندب بن عبد الله " لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع. فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك".( صحيح البخاري/6774 وابن ماجة والترمذي). وحديث نبوي عن أبي سعيد الخدري" لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجد الرسول والمسجد الأقصى" (صحيح مسلم /1368 والبخاري/1115). وعندما زكت امرأة عثمان بن مضعون( فارس النبي وصاحبه بعد وفاته) بوجود الرسول(ص) بقولها: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله. قال لها الرسول(ص) وما يدريك ان الله أكرمه؟ ثم أردف:" والله ما أدري وأنا رسول الله ما يُفعل بيٌ". فقالت: فوالله لا أزكي أحدا بعده. (صحيح البخاري/1166).

ومن خلال النصوص القادمة نجد إن الأئمة يستخفون بأحاديث النبي(ص) ولايبالون بتوجيهاته! بل هم يخالفون أيضا أحاديث جدهم الإمام علي(رض) نفسه. الذي أوصى عامله( أبو الهياج الأسدي) على اليمن" أبعثك على ما بعثني به النبي(ص)، أن لا تدع قبرا مشرفا إلا سويته ولا تمثالا إلا طمسته". (صحيح مسلم/1609 وكذلك النسائي/2004 وأبو داود/2801 والترمذي/970). ومن يحاجج في وجود قير النبي داخل المسجد النبوي. نعلمه بأن الأمر لم يكن كذلك حتى عام 88 هـ حيث كان القبر في بيت السيدة عائشة(رض)، وبسبب توسع الحرم المكي إصبح القبر داخل المسجد( للمزيد راجع موسوعة المدينة المنورة للدكتور محمد الوكيل).

كما نجد في أحاديث الأئمة ما يحيرنا بهذا الصدد. مثلا قول الإمام الصادق" نِعم المسجد مسجد الكوفة، صلى فيه ألف نبي وألف وصي، الصلاة فيه تعدل بألف صلاة". (شجرة طوبى/13). ومن" زار قبر الحسين كتب له ألف حجة وألف عمرة وألف أجر شهيد وثواب ألف نسمة وأجر ألف صائم وثواب ألف صدقه ووكل به ملك كريم وإن مات سنته حضرته الملائكة ويحضرون معهم أكفانه ويشيعونه إلى قبره ويفسح له في قبره من بصره ويؤمن من ضغطة القبر ومن منكر ونكير ويعطى كتابه بيمينه ويعطى يوم القيامة نور يضيء ما بين المشرق والمغرب وينادى هذا من زار الحسين شوقاً إليه فلا يبقى أحد يوم القيامة إلا تمنى يومئذٍ أنه كان من زوار الحسين". (كامل الزيارات ص143). و من زار" قبر الرضا غفر الله ما تقدم من ذنبه وتأخر".(الكافي4/585). ونسبوا لموسى الكاظم " من زار ولدي الرضا وبات عنده ليلة، كان كمن زار الله في عرشه"! ولم يوضح لنا كيف تتم زيارة الله في عرشه؟ وما هي مراسيم الزيارة؟ كما إن زيارة قبور اربعة أئمة من شأنه أن يدخل عشيرتك كلها في الجنة بلا حساب.

كذلك القول" ومن زار الحسين يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكياً لقي الله يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجة وألفي ألف عمرة وألفي ألف غزوة". (بحار الأنوار). وأن الحج إلى قبور الأئمة أفضل من الحج إلى بيت الله الحرام. واختلفت رواياتهم في تفضيل زيارة قبر الحسين على الحج فمنهم من يقول زيارة القبر أفضل من (عشرين حجة/ ثلاثين حجة مع النبي/ سبعين حجة مع النبي/ ثمانين حجة/ مائة حجة/ ألف حجة مع ألف عمرة/ ألف الف حجة مع ألف ألف عمرة ألف ألف غزوة)! كأنك تشهد مزايدة على سلعة في مزاد علني. ونُسب للإمام الرضا القول" من زار قبور الأئمة رغبة وتصديقا، كانوا شفعاء له يوم القيامة". (وسائل الشيعة5/253). والصادق يريدنا أن نزور قبر الحسين بوجه منافق بقوله" زره وأنت حزين، مكروب، أشعث، مغبر، جائع، عطشان. سله الحوائج وإنصرف". (الكافي4/585). عجبا أليس من الأفضل أن تزوره وأنت نظيف وطاهر معطر وتقرأ على روحه سورة الفاتحة ثم تدعو له بالمغفرة والرحمة عند الله وتنصرف؟ ومن أقوال المحدثين جاء في كتاب (منهاج الصالحين للخوئي1/147 ) بأن" الصلاة عند ضريح الإمام علي كرم الله وجهه أفضل بمائتي الف صلاة". ويذكر الخميني"  إن البناء على القبور من تعظيم شعائر الله لأنها أماكن عبادة، وهي من البيوت التي أذن الله أن ترفع فيها إسمه".(كشف الأسرار/79).

كذلك شأن المتصوفة. يقول البرعي في(رياض الجنة/127) بأن" من قال عند قبره: هذا قبر الشيخ أحمد الطيب فلن يُعذب". ويتحدث محمد عثمان البرهاني من مناقب السيد البدوي في كتابه( تبرئة الذمة في نصح الأمة) بأن القطب دعا الله ثلاثة دعوات فإستجاب لإثنين فقط! أولهما: الشفاعة لكل من زاره. ثانيا: الحجة والعمرة لمن زار ضريحه. اما الثالثة التي رفضت فإنه سئل الله أن يدخله جهنم! ويعلل لنا أسباب رفض الله لدعوته: لأن بدخوله النار ستتحول الى مروج خضراء فينتفي العذاب فيها! ويذكر الشعراني عن ابن الفارض" زرت مرة سيدي عمر بن الفارض(رض) فلم أجده في قبره، ثم جاء بعد ذلك وقال لي: أعذرني فإني كنت في حاجة". (لطائف المنن والأخلاق1/149). وفي ترجمته سيرة أحمد البدوي ذكر بأن شيخه(محمد الشناوي) صحبه إلى ضريح البدوي وسلمه إليه قائلا: يكون خاطرك عليه وإجعله تحت نظرك. وزعم الشعراني إن يد البدوي خرجت من الضريح وقبضت على يده، وسمع صوته من القبر يقول: نعم! (لطائف المنن والأخلاق1/149). ويزعم أيضا بأن العبد إذا زار وليا وذكر الله عند قبره" فلا بد إن ذلك الولي أن يجلس في قبره، ويذكر الله معه. كما شهدنا ذلك مرارا".(الأنوار القدسية1/161) ولا نعرف كيف شهد الشيخ جلوس الولي في قبره مرارا  إذا تسامحنا معه على سماع صوته! والرد على هذا الأفك يتمثل بإحدى الفتاوى البزازية القائلة: من قال إن أرواح المشايخ حاضرة، تعلم أن يكفر.

يذكر الرواسي الرفاعي عن سلفه من مشايخ الطريقة بأنهم" نوهوا بذكر بقعة أم عبيدة( قرية في جنوب العراق فيها قبر احمد الرفاعي) وأعظموا شأنها، وذكروا فضل زيارتها، وما يحصل من البركة والخير لزائرها".(بوارق الحقائق/224). حتى ان تاج العارفين أبو الوفا مرٌ بها قبل ولادة الرفاعي وقال عنها: بقعة مباركة، سيقتتل عليها العارفون بالسلاح. وقال عنها شيخ السهروردي( محمد بن عبد البصري)" الزائر لأم عبيدة يمشي على أجنحة الملائكة، وله بكل نفس ألف ألف حسنة". (بوارق الحقائق/224).

وقال عنها الشيخ احمد الرفاعي" وعدني العزيز سبحانه أن النار لا تحرق من دخل هذه البقعة، أو من لمسته يده". فهي كما ذكر" مقصد الأحباب، ومحل الأبدال واأقطاب، وكل خطوة لها يمن ودرجة الى العزيز سبحانه"".(بوارق الحقائق/226). فهنيئا لأم عبيدة على منافستها كربلاء. وزعم محمد التيجاني نقلا عن إبي عبد الله بن النعمان القول" إن زيارة قبور الصالحين والتشفع بهم معمول به عند العلماء المحققين من أئمة الدين، فهم الواسطة بين الله وخلقه". (الفوز والنجاة في الهجرة إلى الله/199). لكن هل يحتاج المؤمن إلى واسطة مع الله وهو أقرب إليه من حبل الوريد؟ من جهة ثانية، ألم يدعِ عبدة الأصنام إنها أيضا واسطة بينهم وبين والله! إذن ما الفرق؟

 

إقامة الشعائر والمراسم

وهذه المراسيم بدع دخيلة على الإسلام أخذت من اليهودية والنصرانية والبوذية وأديان الهند، ويذكر ماسينيون" دخول حلقات الذكر في طرق الصوفية تؤكد تسرب بعض طرائق الهنود إلى التصوف الإسلامي". (التصوف/49). فقد عظم المتصوفة الذكر حيث شبهه القشيري في رسالته بـ" سيف المريدين يقاتلون به أعدائهم". وقد (خصص الشاه وليٌ الله) بابا طويلا عنه في كتابه(سطعات). كما إن إستخدام الانشايد والترانيم مع إيقاع الدفوف والطبول وهي مستمدة من اليهودية" ليبتهج بنو صهيون بملكهم. ليسبحوا بإسمه برقص، بدف وعود ليرنموا".(المزمور/149). وكذلك" سبحوه بدف ورقص، سبحوه بأوتار وزمار، سبحوه بصنوج التصويت".(المزمور/150). وكذلك أخذت من الأغريقية حيث كانت حركات الدوران والإلتفاف مقدسة، وتعني حركة الآلهة وقباب السماء، وكان ابولو وديونيسوس يؤديانها ببراعة. ومن اللطيف إدعاء المتصوفه بأن بعضهم عند السماع  إختفى في السماء لأن حركاته الدائرية تحولت إلى طيران. (نفحات الأنس/146) بمعنى أصبح كالإعصار! وسنتحدث عن السماع فيما بعد بالتفصيل.

كما إن تعذيب الجسد بالسلاسل مأخوذ من النصرانية للتشبه بعذاب السيد المسيح. ذكر التنيسي بأنه كان مع جماعة عند مالك بن أنس، فذكر أحدهم بأنه يوجد في دياره قوم يسمون الصوفية،يأكلون كثيرا، ثم يأخذون في القصائد ويرقصون، فسأله مالك: أصبيان هم؟ قال الرجل:لا! فسأل مالك: أمجانين هم؟ قال: بل مشايخ وعقلاء! فقال مالك: ما سمعت إن أحدا من المسلمين يفعل ذلك.(ترتيب المدارك للقاضي عياض4/54).

في العقيدتين تقام شعائر ومراسم خاصة(حلقات الذكر) و(مراسيم عاشوراء) ويستخدمون الأسلحة السيوف والدرباشات والنبابيت والقامات والزناجيل. وهي تشبه ما كان يستخدمه الكهان والسحرة في تعويذاتهم المصحوبة بأصوات الطبول والزمامير والدفوف. وكذلك الألبسة الملونة المطرزة، واستخدام البخور والشموع. ويلاحظ إن بعض علماء الرافضة يشجعون على إحياء مراسيم النحيب واللطم والتطبير وهي كما معروف صنيعة الشاه الصفوي التي إستمدها من النصارى. يذكر الخوانساري(روضات الجنات1/70) هذا الشعر:

ألا نوحــــوا ضـــجوا بالبكاء       على السبط الشهيد بكربلاء

ألا نوحوا بسكب الدمع حزنا        عليه وإمزجــوه بالدمـــــاء

والمصيبة إن الخميني يعتبر" البكاء على الحسين وإقامة المجالس الحسينية هي التي حفظت الإسلام من(14) قرنا".(صحيفة اطلاعات العدد/10901). إذا ماذا كان يفعل الصحابة والخلفاء؟ وعندما تسأل علمائهم هل كانت تلك الشعائر تمارس في حياة الأئمة أو بعد موتهم؟ سيجيبون: كلا! وعندما تسألهم متى أستخدمت؟ ومن اخترعها؟ وممن أخذت أفكارها؟ وهل هي من الدين وتنسجم مع القرآن والسنة النبوية؟ سيراوغون في أجوبتهم، بعضهم يستحسنها والبعض الآخر يرفضها بصمت مدعين بأنه لا قوى لهم على العوام من الجهلة والحمقى!

أما المتصوفة فإنهم  يستخدمون السيوف والنبابيل وغرزها في إجسادهم ويَعدونها مرحلة عالية يصلها الواجد، حيث يصفها السهروردي بقوله: يبلغ العبد حدا لو ضرب وجهه بالسيف ولا يشعر. ونسأل لماذا يضرب نفسه؟ ومالفائدة من إيذاء جسده؟ وهل إيذاء النفس أم اللطف بها قد أوصى الربٌ عباده؟

كذلك يحصر المتصوفة إهتمامهم بالإعتكاف وتلاوة الأذكار والأوراد والرقص في حلقات الذكر والموالد مصحوبا بأصوات الدفوف وزعيق الرجال، ويطلقون على فنونهم مصطلح(ألسماع) الذي اعتبروه(معراج الأولياء). وقد تأسست خانات السماع في منتصف القرن التاسع. وكانت مقتصرة على الرجال لكن بعد ذلك إنضم إليها النساء والغلمان. وكان أول نشيد للرقص ألفه المتصوف الفارسي( يحي بن معاذ) يقول فيه" دققنا الأرض بالرقص على غيب معانيك. لا عيب على الرقص لعبد هاشم فيك. وهذا دقنا الأرض إذ  طفنا بواديك". (حلية الأولياء/10/61). وكان لمواطنه الفارسي جلال الدين دورا في تنظيم اناشيد الرقص" يعزف على العود لحنا. أغنية عذبة بدقات طبل كالشرر ويغني سكران من خمر الليل". (الديوان الكبير/2395). ويلاحظ إن إصحاب الطريقة الرفاعية يستخدمومن الطبول والدفوف عند السماع، في حين يستخدم أصحاب الطريقة المولوية الصنوج والدفوف والنايات والمزاهر. ويعتبرنا الشيخ الغزالي ناقصين بنظره إذا لم نحب السماع! حيث يذكر" من لم يحركه السماع فو ناقص مائل عن الإعتدال، بعيد عن الروحانية، زائد في غلظه الطبع" ونحمد الله ان الشيخ لم يجعلنا مشركين.

ويعرف الكلاباذي السماع بأنه" إستجمام من تعب الوقت، وتنفس لأرباب الأحوال، وإستحضار الأسرار لذوي الأشغال" وهو تعريف يخدم المطرببين والراقصات وليس رجال الدين! نعم قد يكون تنفيس وإستجمام للمتصوفة لكنه ليس إستحضارا لأسرار! الأطرف منه هو إستخدامهم الخضر(ع) وهو شهيد تخريفاتهم بأن نسبوا إليه القول في السماع" هو الصفو الزلال الذي لا يثبت عليه إلا أقدام الفقهاء". (التعرف لأهل التصوف للكلاباذي/190). مستحدثين بذلك فقها جديدا(فقه السماع). في حين يرى القشيري الذي أفرد للسماع رسالة خاصة نشرت من قبل(المعهد المركزي للأبحاث الإسلامية في إسلام آباد) يعتبره " مكاشفة الأسرار إلى مشاهدة المحبوب(الله)". تعالى الرحمن عن سخافاتهم. أما الشعراني فقد إستصغر هذه التعريف المتواضع للسماع فأنجبت قريحته تعريفا آخر" هو علم إستأثر الله تعالى به، لا يعلمه إلا هو".(الأنوار القدسية2/182). قد قبلنا تعريفه يا شيخ فنا أما علما! فلا نقول أكثر من كان الله في عون العلماء. وأورد المتصوفة حكايات عن السماع مستمدة من قصص ألف ليلة وليلة. منها مرٌ الفوطي والدراجي بقصر كانت فيه جارية تغني لمولاها شعرا:

كل يوم تتلون غير هذا بك أجــمل

في سبيل الله ود كان مني لك يبذل

فسمع شاب تحت سياج القصر غناها فإستأذنها بأن تعيد على مسمعه ماغنته فأجابت رغبته. فشهق شهقة ومات. وستجد العشرات ممن شهق ومات بنفس الطريقة في ألف ليلة وليلة. ومن المليح إن الرواية نفسها كررها أبو علي الرودباري عندما مرٌ بقصر فرأى جماعة من الناس متجمهرة أمام شاب مليح حسن الوجه مسجى على الأرض(ميتا). فسأل عنه؟ أجابوه: إنه سمع جارية في القصر تغني:

كبرت همـة عبد طمعت في أن تراكا

أوما حسب لعين أن ترى من قد رآك

فشهق شهقة ومات. ويبدو إن الموت عند السماع حالة مألوفة عند المتصوفة كما يذكر اليافعي. بل يستشهد ببيت شعر مات عند سماعه الكثير من الفقراء وهو:

تقول نساء الحي تطمع أن ترى   محاسن ليلى مت بداء المطامع

أسأل الله عزٌ وجلٌ أن يحمي قراء هذه المقالة من هذا البيت القاتل وأن يجتازوه بأمان وسلام.

ربما يحاجج البعض بأننا تحدثنا عن السماع ولم نأتِ شيئا عن الرقص! وهذا حق. لذا سنستشهد بقول الشيخ عماد الدين الأموي في كتابه(حياة القلوب)" لا بأس بالرقص في السماع". وكذلك الشيخ عبد السلام الفيتوري في كتابه( الوصية الكبرى) فقد ذكر" يجوز الرقص في السماع". أما السهروردي فيقول" ربما صار الرقص عبادة بحسن النية". ومن الطريف ما يحكى عن أحد شيوخهم (اوحد الدين كرماني) بأنه" كان يشق قمصان الغلمان، ويرقص معهم بملامسة الصدر بالصدر".(نفحات الأنس/590). ويذكر إبن الخفيف طرفة خفيفة" تتم المتعة الروحية بالطيب ومشاهدة الوجه الحسن والصوت العذب"(سيرة إبن الخفيف/214) وهو يذكرنا بالقول الشائع حول المستحبات الثلاث( الماء والخضراء والوجه الحسن).

ونختتم كلامنا بهذا الكفر الصريح الذي جاء على لسان الشيخ النفزي الرندي عندما شاهد في طريقه إلى مكة المكرمة شيخا بيده مصحف يتلو منه ويرقص مع التلاوة! فسأله الرندي متعجبا من فعله ما هذا الرقص؟ فأجابه الشيخ الراقص: دعني عنك! ويبدو إن الرندي أصابته عدوى الشيخ الفنية حيث يقول" فإستفزني الوجد فرقصت".

ويذكر الشعراني في ترجمة السيد البدوي بأن احد الناس أنكر الموالد التي تقام لذكره، وما فيها من الفواحش والمحرمات، فإذا به يغص بشوكة سمكة بقيت في رقبته تسعة أشهر. (الطبقات الكبرى للشعراني 1/188). وجاء عن ابن الفارض بأن كان" له مغنيات بالقرب من(البهنسا) يذهب اليهن فيغنين له بالدف والشبابة وهو يرقص ويتواجد"(جلاء العينين للآلوسي/79). أحلوا علم السماع بديلا من تلاوة القرآن الكريم، وأحلوا الرقص بديلا عن الخشوع. أية مفسدة أكثر من هذه؟ وهذا قطبهم  الجنيد ينصح أحد مريديه بقوله: إذا أردت سلامة الدين ورعاية التوبة، لا تنكر السماع الذي يقيمه الصوفية.( كشف المحجوب للهجويري2/660). ويصف حالة السكرة عند الميريدين بقوله" صفة الواجد أما حركة غليان الشوق في حال الحجاب، وأما سكون في حالة المشاهدة في حال الكشف. أما زفير أو نفير. وإما أنين أو حنين. إما عيش أو طيش، وإما كرب أو طرب".( كشف المحجوب للهجويري2/661). وأعتبر الشيخ الغزالي حالة الوجد التي تلي السماع وهي اما تقرن بالغم والحزن أو بتحقيق المراد بأنه" جزء واحد من(46) جزء من النبوة".(إحياء علوم الدين2/268).

ولنا عودة بعون الله.