إضاءة على مستجدات الوضع السوري
إضاءة على مستجدات الوضع السوري!
منذ بداية مهمة كوفي أنان في آذار الماضي , وحتى تقديم استقالته في آب , خسرت سوريا أكثر من اثني عشر ألف شهيد , سقطوا خلال الحملات الوحشية التي قادها النظام ضد الشعب السوري وثواره الأبطال .
فخلال الشهرين الماضيين أخذت جرائم النظام تنحو منحىً جديداً , يتميّز بالمجازر والاعدامات الميدانية , واستخدام الطيران الحربي والأسلحة الصاروخية بكثافة. ولم يتورَّع سفاحو النظام عن القاء القنابل الفراغية المحرَّمة دوليّاً على السكان الآمنين في أغلب المحافظات السورية . لكنَّ شهر رمضان كان الأكثر دموية ً, إذ سقط خلاله أكثر من خمسة آلاف شهيد .
مؤخراً شنَّ النظام حملاتٍ هي أقرب إلى الإبادة ضدَّ السكان في إعزاز والحراك والمعضّمية وأريحا والبو كمال وعين ترما وما حوّلَها . لعلَّ أشدَّها هولاً مجزرة داريا التي سقط فيها مئات الشهداء .
أمّا في حلب , حيث تتلقَّى قوات النظام ضربات موجعة جعلته ينتقم من المواطنين الذين يحتشدون أرتالاً أمام المخابز وأسواق الخضار بقصفهم من الطائرات المروحيّة والحربية .كما ألقت قنابلها على المشافي العامَّة والخاصَّة والميدانية .
و يواصل النظام محاولاته لتأجيج نار الفتنة المذهبية والطائفية , وتشويه صورة الثورة وتمزيق صفوف حاضنتها الشعبية ,كما جرى سابقاً في أماكن عدّة , ومؤخراً في جرمانا واشرفية صحنايا , التي راح ضحيتها عشرات الشهداء , عدا عن الأضرار في الممتلكات جراء جرائم التفجير الذي تمارسه السلطة .
لكنَّ تصعيد النظام يخفي وراءه علامات الانهيار المتسارعة التي بدأت تظهر على قواه , حيث بدأ يتآكل من الداخل . كما أخذت الشروخ والتصدعات تتعمَّق في بنيانه , وباتت الانشقاقات العسكرية مؤشراً واضحاً إلى قرب نهايته . لكنَّ هذه الانشقاقات اتسعت لتشمل دبلوماسيين وسياسيين وسواهم , إذ وصلت إلى اعلى المناصب . وأصبح نظام الاجرام عارياً لا يملك سوى سلوك وحيد هو الايغال في الدم السوري .
رغم أنَّ الشعب السوري وثواره يواجهان أعتى الأنظمة دموية , ورغم الدعم الذي يتلقَّاه من روسيا والصين وايران وحزب الله والعراق ,إلَّا أنَّ الثورة اشتدًّ عودها, وقويت شوكتها, وواصلت تقدّمها المستمرُّ, محرزةً الانتصارات في كلِّ يومٍ على عسكر النظام وشبّيحته , ومكبِّدة ً إياه الخسائر تلّوَ الخسائر , ناقلةً المعركة إلى دمشق وحلب , ومخترقةً دوائره الضيّقة . كما جرى في استهداف خلية إدارة الأزمة وتفجير مقرّ قيادة الأركان . ولاشكَّ انَّ اسقاط المروحيات والطائرات الحربية والإغارة على مطارات تفتناز وام الضهور والبوكمال و الترفيسة وسابقاً مرج السلطان تشكل تحولّاً نوعياً يدلُّ على تنامي قدرات الجيش الحرّ . ومازال الحراك الثوري عبر التظاهرات مستمرّاً ومحافظاً على زخمه , حيث سجَّلت جمعة / وحدة الجيش الحرّ سبيل انتصارنا / أكثر من خمسمائة تظاهرة .
* * *
كثرت خلال الفترة الأخيرة التحركات العربية والدولية والاقليمية التي تعالج الوضع السوري , حيث تتصاعد جرائم النظام إلى درجة لا تطاق. ومن المؤسف أنّ هذه الجرائم التي تجري أمام مرأى ومسمع الجميع , تقابل بصمتٍ مريب أو إدانة لا تجّدي نفعاً .
فعلى الصعيد الاقليمي, إنًّ أخطر ما يسعى إليه النظام السوري, هو نقل أزمته إلى دول الجوار. فالهدف منه خلط الأوراق ونقل المعركة إليها , تنفيذاً لتهديداته السابقة بإحراق المنطقة وخاصّة في لبنان , بصفته الحلقة الأضعف , وحرف الأنظار عمّا يقترفه من جرائم في الداخل السوري . فغرضه آتٍ من أكاذيبه التي تتحدث عن مؤامرة كونية , تورط فيها لاعبون دوليون وإقليميون . ولعلَّ قضية ميشيل سماحة تلقي الضوء على محاولاته تفجير فتنة مذهبية وحرب اهلية في لبنان .
والملاحظة الهامَّة :إعلان أنان استقالته بعد أن ألقى مسئولية فشله على : "العسكرة المتزايدة في الأرض وانعدام الإجماع في مجلس الامن " . لكن الحقيقة تكمن في عجز المجتمع الدولي والعربي عن اجبار النظام السوري على ايقاف عنفه وسحب قواته . ورغم قناعاتنا أنَّ هذه المهمّة ولدت ميتة , لم تكن إلّا تعبيراً عن نفاق المجتمع الدولي الذي لا يريد ردع القتلة وانقاذ شعبنا من جرائمه . فتحت ادعاء البحث عن حل سياسي يترك الصراع مفتوحاً , ويعطى النظام مزيداً من الوقت والمهل دون تبرير مقنع , ورغم تصريحات رأس النظام عن اصراره على المضي في الحل الأمني .
لا نريد أن نحكم مسبقاً على الجهود التي يبذلها المبعوث الجديد الاخضر الابراهيمي . لكنَّ تحركه سيقوم على ذات القاعدة والشروط التي عمل سلفه في ظلّها والتي أدَّت إلى فشله . كذلك لم يتغير المناخ الدولي كثيراً والذي يمكنه من التحرك على نحوٍ أفضل . لكن تبقى مسالة ايقاف آلة القتل وسحب الجيش نقطة الانطلاق لتحقيق نجاح ٍما . نعتقد أنّ الاتكاء على تنفيذ خطّة المرحلة الانتقالية التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة يمكن أن تساعده على تجنب المماطلة والتسويف. إنّها تتلخص في تنحّي الرئيس ورموز نظامه , ونقل السلطة إلى الشعب السوري. ومن المعروف أنّه سبق وصرّح أنَّ مصلحة الشعب السوري من أولى اهتماماته.
لقد شهد الشهر المنصرم عدداً من اللقاءات والمشاورات لتنسيق الجهود والمواقف. كذلك انعقدت قمّة التعاون الاسلامي في مكّة التي علِّقت عضوية النظام فيها والتنديد بجرائمه ضد الشعب السوري. وعلى صعيد المبادرات الاقليمية سعت ايران إلى تبني مبادرة قوامها تشكيل مجموعة اتصال من السعودية وتركيا ومصر وايران لإيجاد حلٍّ سياسي ٍ يأخذ بعين الاعتبار مصالح ايران ودول الجوار, إلّا أن كلمة الرئيس المصري في قمة عدم الانحياز احبطت تلك المساعي ووسّعت الفجوة بين ايران والأطراف الأخرى .
كذلك انعقدت جلسة لمجلس الأمن, آخر الشهر الماضي, للتدارس حول إغاثة المجتمع السوري وبحث الوضع الانساني دون التطرق للأبعاد السياسية ودون بحث أسبابها .
عموماً مازال المجتمع الدولي يراوح في مكانه, لا يقدم إلّا معسول الكلام . لكن الانتصارات التي يحققها الثوار في معاركهم أثارت اهتماماً كبيراً, انعكس في كثرة الاجتماعات, حيث أخذ يعيد النظر في حساباته تجاه الثورة والوضع السوري عموماً. كما كثرت الأحاديث الصريحة والجانبية التي تثير المخاوف من تطوّر الاوضاع نحو حرب أهلية , ومخاوف أخرى من وجود القاعدة وثالثة عن تسرب الاسلحة الجرثومية والكيماوية .
* * *
استناداً إلى احتدام الصراع مع سفاحي سوريا وتأثيره الواضح على المواقف العربية والإقليمية والدولية ، نرى ضرورة إعادة النظر في سياسات وسلوك مختلف القوى الثائرة والداعمة لها . إن إسقاط النظام , الذي هو الهدف الرئيسي, أضحى بفضل الضربات الموجعة الأخيرة قريباً. ولا بأس هنا ، انطلاقاً من واجبنا الوطني وحرصنا على وحدة تلك القوى, أن نستعرض جملة من التقديرات والاستنتاجات, لنحدد بالتالي المهام الضرورية للوصول إلى الهدف المشترك المشار اليه .
1ـ بفضل الدعم المتنوع الذي تقدمة روسيا وإيران للنظام ، وبسبب تخاذل المجتمع الدولي وتردده، و رغم الفرص العديدة الممنوحة له , كي يفكر في " حل سياسي " , نجده ممعناً في جرائمه على طول البلاد وعرضها . فالقتل والتدمير والنهب والتهجير الذي يطال السكان بلا تمييز، إنما هي جرائم إبادة لم تشهدها البشرية إلا في حالات نادرة .
2ـ لم يعد مقبولاً أبداً الحديث عن وساطة ما أو حل سياسي بسبب تنامي وحشية النظام، فالموقف الأخلاقي والإنساني يتطلب إزاحته لحقن دماء السوريين وإنقاذ البلاد من الدمار الواسع .
3ـ إن تجاهل معاناة الشعب السوري وترك الصراع مفتوحاً لينهك الجميع، يطرحان تساؤلات كثيرة عن مدى جدية المجتمع الدولي والعربي أيضاً, في مساعدة المجتمع السوري للخلاص من محنته . كما يضعان إشارات استفهام عن حقيقة مواقف الجهات التي تمللك القدرة على الحسم . فلم يعد مقنعاً تعللها بادعاءات غير صحيحة وغير واقعية، كالإشارة إلى غياب وحدة المعارضة، أو ابداء المخاوف من وجود القاعدة، أو تضخيم قدرات الجيش السوري، أو القلق من تسرّب و استخدام السلاح الكيماوي .
4ـ هل دخلت الثورة السورية فصلها الاخير الذي يتوّج انتصارها ؟ وهل شلالات الدم التي يتعمّد بها ثوارنا وشعبنا, من اجل الحرية والكرامة وتقرير المصير, ستجرف أمامها كل قاذورات نظام الاستبداد والفساد ؟ أم أنًّ مثيري المخاوف, على مستقبل سوريا بعد إزاحة النظام , من الدخول في الحرب الاهلية أو في الفوضى , بسبب غياب "العقلاء أو الحكماء" المناط بهم ضبط الأوضاع , سيعطون, / أيّ مثيرو المخاوف / , رخصاً جديدة للقتلة , ريثما يرتبّون أوضاعهم , ويفرضون سياساتهم على البلاد ؟ .
مهما يكن من أمرٍ, فالثوار وفي المقدمة منهم الجيش الحر ماضون في صراعهم ويحققون الانتصار تلو الانتصار, كما تدلل عليه أحداث الشهرين الماضيين. نحن إذ نحييهم على انجازاتهم , نؤكد مرّة أخرى على متابعة بذل الجهود لتوحيد صفوفهم وتشكيل مجالسهم هنا وهناك , وصولاً إلى مجلس واحد يتولّى كل الشئون العسكرية والسياسية والادارية أيضاً . إنًّ تحقيق هذا الهدف شرط رئيسي من شروط الانتصار .
5ـ بتاريخ / 11 / 8 / 2012 /, أصدرنا بياناً تعرضنا في قسمه الأخير إلى جملة من التقديرات والمطالب , نعتقد أنّها مازالت صالحة حتى الآن . لعلًّ أهمّها ما يتعلق بالحكومة المؤقتة وبملاحظات على معارضة المهجر المنحازة للثورة. ومنعاً للتكرار, نرجو من الاخوة القرّاء العودة إليها , إذ نعتبرها جزء من هذه الافتتاحية وسوف ننشر البيان كاملاً مع عدد الرأي القادم .
لقد برهنت الثورة السورية , خلال عامٍ ونصف من انطلاقتها , على قدراتها الذاتية المتنامية بفضل حاضنتها الشعبية التي تتسع يوماً بعد يوم , رغم جرائم النظام ضدها , ورغم التدمير والتهجير , ودون ان تتلقّى أيِّ دعم ٍ أو مساعدةٍ مباشرة وخاصّة ماله علاقة بالتسليح . فالنصر أضّحى قاب قوسين أو أدنى , الأمر الذي يتطلّب من الجميع الصبر والمصابرة .
دمشق في / 5 / 9 / 2012 /
الأمانة المركزية
لحزب الشعب الديمقراطي السوري