الشيخ النابلسي والشيخ البوطي
الشيخ النابلسي والشيخ البوطي
ياسر الزعاترة
بعد تردد طويل، حسم الشيخ الداعية الشهير محمد راتب النابلسي موقفه لجهة الدعم الحاسم لثورة شعبه في سوريا. ولا نعني بالحسم هنا أن الرجل لم يكن مع الثورة، إذ أنه معها منذ البداية، لكننا نعني إعلان الحسم في وسائل الإعلام.
انتظر الناس كثيرا هذا الموقف، وهو في كلمته التي بثتها فضائية اليرموك وشاهدها الناس على مواقع كثيرة، أوضح حقيقة موقفه وسبب عدم إعلانه منذ البداية. انتظر الناس ذلك لأن الشيخ من الدعاة الذين يتميزون بأسلوب محبب جعله قريبا من أرواح الناس، ليس في سوريا فحسب، وإنما في طول العالم العربي وعرضه. ويمكن القول بكل ببساطة أنه الداعية السوري الأكثر شهرة على الإطلاق.
بخروج الشيخ عن صمته، لا يبقى في سوريا من الدعاة المعروفين إلى جانب النظام غير الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي الذي لا يزال في المربع المناهض للثورة كما يتبدى من خلال خطبته الأسبوعية في الجامع الأموي.
في مقابلته مع قناة الدنيا، أشاد بشار الأسد بموقف علماء الدين الذين وقفوا إلى جانبه، من دون أن يذكر أي أحد، لكن الجميع يعرفون أن البوطي هو الوحيد الذي يمكن الحديث عنه في هذا السياق.
في الحالة السورية لم يتردد علماء المسلمين بشكل عام في حسم موقفهم من الثورة، ذلك أن الشعب السوري لا يختلف عن الشعوب الأخرى التي ثارت من أجل الحرية، فيما يعلم الجميع أنه يواجه نظاما دكتاتوريا فاسدا بصرف النظر عن تقدير سياسته الخارجية.
يوما إثر آخر، كان الصراع في سوريا يمعن في الطائفية، ليس بسبب النظرة التقليدية في سوريا لآل الأسد بوصفهم جزءا من طائفة تشكل أقلية في البلد (في حدود عشرة في المئة)، بل أيضا بسبب دعم إيران وحلفائها الحاسم له في المعركة.
وحين كان المعسكران يزدادان وضوحا بانحياز العلويين وبعض الأقليات الأخرى للنظام مقابل انحياز غالبية (الغالبية السنية) للثورة، صار موقف العلماء أكثر حسما لجهة الوقوف ضد النظام، بل إن حشدا طائفيا غير مسبوق قد أخذ يتجلى في الخطاب العام للمؤيدين للثورة، من العلماء، ومن الجماهير في آن معا.
وفي حين يمكن القول إن الشيخ البوطي لا يعتبر آل الأسد (الأب والابن) علويين وإنما سنّة كما يعكس خطابه منذ سنوات بعيدة، الأمر الذي جاء كما يبدو نتاج قربه اللافت من العائلة والتكريم الذي حصل عليه منها، فإن الأمر لا يحتاج إلى حسم طائفي لكي يأخذ العالِم الحر قرار الانحياز للثورة.
في مصر وتونس واليمن وليبيا لم يكن ثمة زعيم ينتمي لأقلية طائفية، ومع هذا لم يتردد أكثر العلماء في دعم الثورات، بل إن قطاعا عريضا من المنتمين للتيار السلفي (التقليدي) ممن طالما نظّروا لطاعة ولي الأمر ما لبثوا أن تركوا هذا الخطاب لصالح الانحياز للثورات، بينما بقي قلة منهم ممن يعرفون بالتيار الجامي أو المدخلي مصرِّين عليه. لكن حتى هؤلاء لم يلبثوا أن انحازوا لثورة الشعب السوري تبعا للموقف السعودي، والأهم خشية الوقوف في المربع المناهض للغالبية الساحقة من الأمة، فضلا عن إمكانية تبرير موقفهم المخالف لتنظيرهم المعتمد بانتماء رأس النظام للطائفة العلوية، مع أنهم لم يكونوا يربطون الطاعة إلا بإذن إقامة الصلاة (يأذن بها نتنياهو بالطبع)!!
من هنا يمكن القول إن إصرار البوطي على موقفه يبدو بالغ الغرابة في ظل موقف غالبية الأمة ومسلسل المذابح التي ارتكبها النظام، ويبدو أن الأخير يضعه في دائرة تأثير لا تمنحه فرصة إعادة التفكير في الموقف، ولو باختيار السكوت في أقل تقدير.
اليوم يفرح محبو الشيخ النابلسي بموقفه المعلن الحاسم الذي سيكون له تأثيره دون شك على قطاع من المترددين تبعا لتأثيره الكبير على الناس، لاسيما أن النظام يفقد يوما إثر آخر ما تبقى له من تأييد خارج طائفته وبعض الأقليات، حتى أن كل مسؤول سني عسكري أو أمني سياسي بات في دائرة الشك.
ربيع العرب ربيع حرية وتعددية ومواطنة متساوية، لكن بشار الأسد فرض على بعض الناس مسارا آخر بإصراره على القتل، والسوريون ليسوا ملائكة في نهاية المطاف، ومن الطبيعي أن يذهبوا نحو خطاب طائفي ضد عدو يستنجد بطائفته، بينما يأتيه دعم كبير من إيران وحلفائها على أساس طائفي لا تخطئه العين رغم محاولة تزيينه بحكاية المقاومة والممانعة والمواجهة مع الاستكبار والصهيونية.