انتشار وانتصار الإسلام 3

انتشار وانتصار الإسلام

(بالعلم والسّلم ، وصدق الالتزام)

عمر بلقاضي - الجزائر

[email protected]

الجزء الثالث

القرآن الكريم مصدر إلهامنا في كفاحنا الفكري من أجل الإسلام

يقول عز وجل : فَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا "( 52 الفرقان)

قال ابن باديس رحمه الله في معنى هذه الاية :" .... ولا تطع الكافرين أعداء الله وأعدائك في أي شيء يدعونك إليه  من مقتضيات كفرهم كالرجوع إليهم والسكوت عن بعض كفرهم وابذل كل جهدك في دعوتهم للدين الحق ومقاومة ما هم عليه من الباطل بالقرآن العظيم, وجاهدهم بهذا القرآن جهادا كبيرا, بتحمل كل ما يأتيك من ناحيتهم من بلاء واذاية, والصبر عليه والثبات على الدعوة والمقاومة " (م.ت - ص 265)

(ولكم أن تسقطوا هذا الكلام على دعوة سركوزي الجزائر لحلف البحر الأبيض المتوسط لما تنطوي عليه من خطر على الهوية العربية الإسلامية للجزائريين , وما يقصد به من أهداف صهيونية)

وقال رحمه الله مستدلا بهذه الاية :" هذه الآية نص صريح في أن الجهاد في الدعوة الى الله وإحقاق الحق من الدين , وإبطال الباطل من شبه المشبهين وضلالات الضالين , وإنكار الجاحدين هو بالقرآن العظيم , ففيه بيان العقائد وأدلتها , ورد الشبه عنها , وفيه بيان الأخلاق و محاسنها ومساويها ,

وطرق الوصول الى التحلي بالأولى , والتخلي عن الثانية ومعالجتها , وفيها أصول الأحكام وعللها , وهكذا فيه كل ما يحتاج إليه المجاهد به في دين الله فيستفاد منها كما يستفاد من آيات أخرى غيرها أن على الدعاة والمرشدين أن تكون دعوتهم وإرشادهم بالقرآن العظيم " (م.ت – ص 266)

وقال رحمه الله تحت عنوان –اهتداء-  في تفسيره لقوله تعالى : " وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئنَاكَ بِالحَقِّ وأحسن تفسيرا "

" إذا تتبعت آيات القرآن وجدتها قد أتت بالعدد الوافر من شبه الضالين واعتراضاتهم ونقضتها بالحق الواضح والبيان الكاشف في أوجز لفظ وأقربه وأبلغه , وهذا قسم عظيم جليل من علوم القرآن يتحتم على رجال الدعوة والإرشاد أن يكون لهم به فضل عناية ومزيد دراية وخبرة . ولا نحسب شبهة ترد على الإسلام إلا وفي القرآن العظيم ردها بهذا الوعد الصادق من هذه الآية الكريمة  فعلينا عند ورود كل شبهة من كل ذي ضلالة أن نفزع الى آي القرآن , ولا أخالنا إذا أخلصنا القصد وأحسنا النظر إلا واجديها فيها وكيف لا نجدها في كتاب ربنا التي هي الحق وأحسن تفسيرا " (م ت- ص 260)

وقال رحمه الله ناصحا الدعاة والمربين بالاعتماد على القرآن في تعليم العقائد

...... فحق على أهل العلم أن يقوموا بتعليم العامة لعقائدها الدينية وأدلة تلك العقائد من القرآن العظيم إذ يجب على كل مكلف أن يكون في كل عقيدة من عقائده الدينية على علم , ولن يجد العامي الأدلة لعقائده سهلة قريبة إلا في كتاب الله , فهو الذي يجب على أهل العلم أن يرجعوا في تعليم العقائد للمسلمين إليه , أما الإعراض عن أدلة القرآن والذهاب مع أدلة المتكلمين الصعبة ذات العبارات الاصطلاحية فانه من الهجر لكتاب الله  وتصعيب طريق العلم الى عباده وهم في أشد الحاجة إليه, وقد كان من نتيجة هذا ما نراه اليوم في عامة المسلمين من الجهل بعقائد الإسلام وحقائقه "

ويقول ايضا ومما ينبغي لأهل العلم أيضا – إذا أفتوا أو أرشدوا – أن يذكروا أدلة القرآن والسنة لفتاويهم ومواعظهم ليقربوا المسلمين الى أصل دينهم ويذيقوهم حلاوته , ويعرفوهم منزلته ويجعلوه منهم دائما على ذكر, وينيلوهم العلم والحكمة من قريب ويكون لفتواهم ومواعظهم رسوخ في القلوب وأثر في النفوس . فإلى القرآن والسنة – أيها العلماء – ان كنتم للخير تريدون " (م ت – ص 142)

ويقول رحمه الله تحت عنوان فرعي- بشارة : " وقد وعد الله تعالى نبيه بعدما أمره بالتأسي والصبر بالهداية والنصر – وفي هذا بشارة للدعاة من أمته من بعده السائرين في الدعوة بالقرآن والى القرآن على نهجه أنه يهديهم وينصرهم كما قال تعالى : وَالذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ " معهم بالفضل والنصر والتأييد وهذا عام للمجاهدين المحسنين والحمد لله رب العالمين "(م ت – ص 253)

لقد تعمدت الإكثار من الشواهد من كلام الإمام رحمه الله, ليعلم القائمون على الدعوة, المتصدرون لمجالسها ومنابرها ,المسئولون على هيئاتها ووسائلها السر في نجاح بعض الدعاة دون بعض , السر في نجاح ابن باديس واصحابه رحمهم الله في التأثير وإحداث التغيير رغم مضايقات الاستدمار وقلة الوسائل,  وفشل دعاة اليوم على كثرة عددهم  ووفرة وسائلهم  وحرية نشاطاتهم  الدعوية في إنقاذ الأمة من مهاوي الزيغ والضلال , السر هو أن الدعاة الناجحين حصروا دورهم الدعوي في ترجمة معاني القرآن الكريم وتنزيلها على الواقع مستلهمين منها الحلول للمشاكل , والأدوية للعلل , والوسيلة في الإصلاح , والذخيرة في الكفاح , والمعارف للرؤوس,  والعلاج للنفوس , فأفادوا وسادوا , أما الدعاة الفاشلون فقد فشلوا لأن دعوتهم صارت عبارة عن لي للألسنة وعبث بالأقلام ,  واستعراض لقدراتهم في التحليل والكلام , ليقال عنهم أنهم فطاحله وأعلام , تجد الواحد منهم يلغط الساعات خاطبا , ويسود الصفحات كاتبا , فما تكاد تعثر على آية أو حديث فيما خطب أو كتب , فهل هذه دعوة الى الإسلام أم استعراض للكلام ؟ انه التقديم بين يدي الله ورسوله والهجران للقرآن .

قال تعالى : " يَأيُّها الذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَينَ يَدَي اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيم ٌ" ( الحجرات 1)

وقال سبحانه: " وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذاَ القُرْآنَ مَهْجُورًا " ( 30 الفرقان)

 ألا فلننهض الى جهاد فكري جاد ,  بكتاب رب العباد ,  ينفعنا يوم المعاد ,  ولندع الترف الفكري فالظرف غير مناسب , لنجعل القرآن  منطلقنا وغايتنا ووسيلتنا في دعوتنا الى الله ودفاعنا عن الإسلام .

ان المطلوب منا في دعوتنا الى الله  هو أن نظهر للناس الأفكار والحجج والإحكام والحكم والأخلاق التي احتوى عليها القرآن بالعبارة القرآنية, مع تفسيرها ان كان المدعو منا, أو ترجمتها ان كان من أمة أخرى, ومحاجة الكفار بحججه,  والرد على شبهاتهم وطعونهم بردوده , ووزن كتبهم وعقائدهم بميزانه ,  ومجابهتهم بما فيه من توجيهات تكرس حقوق الإنسان , وتطور العلوم والاقتصاد و العمران , وتقيم السلم العالمي والحوار الحضاري , وتمنع الفساد الاجتماعي والخلقي , و تحارب الاستعلاء العنصري والطبقي .

 وأن ندلهم على ما فيه من حلول لمشاكل ومآسي البشرية في عصرنا  كالحروب , الفقر , البطالة , العنوسة , الانتحار , الشقاء النفسي  من قلق وخوف من المجهول , التوحش الرأسمالي , الاستبداد في الحكم , الجريمة والظلم , وحتى التلوث البيئي والاحتباس الحراري والسيدا .

وأن نبرز بالدليل القاطع من آياته, ومن حقائق التاريخ , وكتب العلماء من أمتنا ومن الغربيين المنصفين, دوره الأساسي في بعث الحضارة العلمية الحديثة , فالمنهج التجريبي في البحث العلمي الذي هو أساس النهضة العلمية منذ عهد الحضارة الإسلامية مصدره توجيهات القرآن الكريم الداعية الى التفكر في سنن الكون وظواهره ومخلوقاته أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وإلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفعت وَإلَى الجِبالِ كيفَ نُصِبَتْ وَإلَى الأَرْضِ كَيفَ سُطِحَتْ )والتحري والتثبت في ميدان المعرفة(وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِه ِعِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ والفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كاَنَ عَنهُ مَسْئُولاَ ) وعدم الأخذ بالظن فبل التمحيص (إنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيئاً) والبرهنة على الادعاءات (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ )

وأن نركز شديد التركيز – أقول شديد التركيز – على إبراز الجوانب الاعجازية فيه : الإعجاز البلاغي واللغوي , الإعجاز العلمي , الإعجاز التشريعي و الإعجاز النفسي ... حتى يكون العلم بحقيقة الإعجاز القرآني ثقافة سائدة في المجتمع المسلم , ووسيلة رائدة في الدعوة الى الإسلام والدفاع عنه , إنها معجزاته الدامغة الخالدة ,  فلم التغاضي عنها والتقليل من شأنها في الدعوة والمجاهدة ؟؟؟

لننظر الآن في جانبين من جوانب هذا الإعجاز: الإعجاز اللغوي والإعجاز العلمي

أولا : الإعجاز اللغوي : من غير أن أخوض في فنون الفصاحة والبلاغة والبيان وموقع كل ذلك من القرآن, آخذ الأمر ببساطة مقتصرا على مسالة التحدي القرآني فأقول :

ان القرآن الكريم يتحدى البشر بالعبارة الصريحة المكررة المفيدة للتأكيد والتأبيد أن يقدروا على الإتيان بسورة من مثله , ولو تعاونوا كلهم على ذلك , بل حتى لو تعاونوا مع الجن

يقول تعالى : "  قل لئن اجتمعت الإنس والجنُّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " (الاسراء 88)

ويقول ايضا أم يقولون تقوَّله بل لا يؤمنون , فليأتوا بحديث مثله ان كانوا صادقين "(الطور 23 -23)

ويقول سبحانه: " أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين " ( هود 13 )

وها هو التحدي الصارخ القارع المبكت للكفار الكتابيين والمشركين والملحدين والمرتدين والشاكين

يقول عز وجل : " وان كنتم في ريب مما نزَّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتَّقوا النَّار التي وقودها النَّاس والحجارة أُعدَّت للكافرين " ( البقرة 23- 24  )

فهل استثمرنا هذا التحدي في الدفاع عن العقيدة الإسلامية والدعوة إليها ؟ هل صدعنا به في كل محفل  وعلى كل منبر في الخطابة أو الكتابة وفي كل فرصة أو مناسبة ؟ أم بكمتنا قلة الثقة في وعد الله( أم ارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون ) فلنتحقق من إيماننا إذن ولنتجنب منابر الدعوة قبل أن نتأكد من أننا موقنون, ففاقد الشيء لا يعطيه .

ثانيا:الاعجاز العلمي : من غير أن أخوض أيضا في شرح المصطلحات أقول : ان الأمر الشائع الذي يعتد به الناس في عصرنا ويعد سمة هذا العصر هو ( تطور العلم والاكتشافات العلمية ) فالعلم لغة التفاهم المشتركة بين كل شعوب العالم اليوم , وبه تفهم حجج القرآن وبراهينه , فالياباني أو الصيني أو الأمريكي مثلا يستطيع أن يتملص من  الإعجاز اللغوي بحجة أنه لا يفهم العربية ولا يحسنها , لكن إذا أعلم أن الكثير من أدق الحقائق العلمية المكتشفة حديثا , والتي ما توصل إليها الإنسان المعاصر إلا بعد جهود مضنية وباستعمال أجهزة حديثة معقدة, ذكرت في القرآن بوصف أدق وأوجز من الوصف العلمي الحديث فانه لا يجد مناصا من الاعتراف بالحق , ومن أمثلة الحقائق العلمية التي جاءت في القرآن ثم توصل العلم الحديث الى اكتشافها مايلي : مراحل تطور الجنين في بطن الأم , السبب في جنس المولود , تخلق العظام قبل العضلات أثناء تكون الجنين , نشأة الكون وتوسعه ومصيره , جذور الجبال ودورها في توازن الأرض , كروية الأرض , دور الرياح في تلقيح النبات والسحب , تفصيل ظاهرة نزول المطر والبرد , دور اليخضور في صناعة الغذاء في النبات , تكون اللبن في الثديات من بين فرث ودم , الجلد مركز الإحساس, البرزخ والحجر المحجور والأمواج الداخلية والظلمات في البحار والمحيطات , الأصل السماوي للحديد , الشمس مصدر الضوء والقمر عاكس له فقط . .... والأمثلة كثيرة جدا وفي كل المجالات والتخصصات العلمية , هذا فضلا عما في القرآن الكريم من تنبيه بالإشارة والتلميح والتصريح لافتا الأنظار والعقول الى ما في الكون من دقة وإحكام وحكمة في الخلق تدل على الخالق العظيم الحكيم .

لا شك أن أي عالم نزيه يحترم الدليل العلمي يطلع على هذه الحقائق سيصرخ بانفعال وتأثر قائلا : انه كلام رب العالمين ,لأنه يستحيل علميا وتاريخيا أن يكون كلام بشر ومن عصر كعصر الرسول صلى الله عليه وسلم , خاصة إذا علم أن من ينسب إليه هذا الكتاب أمي لم يدخل مدرسة قط ,  و أن القرآن نفسه يتضمن آيات تتنبأ بأن الإنسان سيتوصل الى معرفة حقائق في الكون تثبت له أن هذا القرآن هو كلام خالق الكون وليس كلام محمد صلى الله عليه وسلم مثل قوله تعالى : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتَّى يتبيَّن لهم أنَّه الحقُّ أوَ لم يكف بربِّك أنَّه على كلِّ شيء شهيد " ( 53 فصلت )

وقوله سبحانه : " ويرى الذين أوتوا العلم الذي أُنزل إليك من ربِّك هو الحقُّ " ( سبا 6)

 ان العلماء العاملين والدعاة المخلصين كانوا حريصين على تتبع الاكتشافات العلمية واستغلالها في الدعوة الى الله والاستدلال بما كان منها موافقا لما جاء في القرآن على أن هذا القرآن كلام الله عز وجل رغم قلة تلك المكتشفات في زمانهم , منهم الإمام عبد الحميد ابن باديس رحمه الله , و إليك فقرة من تفسيره( مجالس التذكير )

يقول رحمه الله : " القرآن كلام الله ووحيه , ودليله أنه حكيم , فما فيه من العلم وأصول العمل لا يمكن أن يكون إلا من عند الله في عقائده ودلائلها وأحكامه وحكمها وآدابه وفوائدها , الى ما فيه من حقائق كونية كانت مجهولة عند جميع البشر , وما عرفت لهم إلا في هذا العصر الأخير , ومن أشهرها مسألة الزوجية الموجودة في جميع هذا الكون حتى أصغر جزء منه وهو الجوهر الفرد

المركب من قوتين موجبة وسالبة , جاءت هذه المسألة في آيات كثيرة منها ( ومن كلِّ شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكَّرون ) ومنها مسألة حياة النبات التي جاءت في مثل قوله تعالى وجعلنا من الماء كلَّ شيء حي ) ومنها مسألة تلاقح النباتات بواسطة الرياح التي تنقل مادة التكوين من الذكر الى الأنثى , جاءت في آيات كثيرة منها قوله تعالى : ( وأرسلنا الرياح لواقح ) فهذه حقائق علمية كونية أجمع علماء العصر أنها من المكتشفات الحديثة ولم تكن معلومة عند أحد من الخلق قبل اكتشافها ولا كانت عندهم الآلات الموصلة الى معرفتها . وكفى بهذا القليل من الكثير دليلا على أن هذا القرآن ما كان إلا من عند الله الذي خلق الأشياء ويعلم حقائقها . "

الغرب محاصر فكريا وعلميا بالحجج والبينات القرآنية, فلنحسن استخدامها

يا شباب الصحوة الإسلامية , يا من تحملون هم التمكين للإسلام , أعملوا العقول تظهر لكم الحقائق وتزول من طريقكم العوائق , ان هذه الحجج القرآنية أشد على الكفر من القنابل الذرية والصواريخ العابرة للقارات , فاحرصوا عليها وانشروها بقوة  , ان الأموال التي تنفق على قنابل حسية , تميت وتدمر وتنفر , تكفي لإعداد ونسخ ملايين الأقراص المضغوطة والكتب المشحونة بمثل هذه الحجج القرآنية التي تدمر الكفران ,  لكنها تحي الإنسان,  وتطور العمران,  وتحدوا الناس برفق الى شريعة الرحمن . قال عز وجل : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا مُتصدِّعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للنَّاس لعلَّهم يتفكَّرون " ( الحشر 21 )

 يا شباب الصحوة الإسلامية  الشاعرين بالمسؤولية على تبليغ هذا الدين احرصوا على السلم والعلم , فهما المجالان الأساسيان لانتشار الإسلام وانتصاره , واحذروا أن يستعملكم الأعداء في هدمهما, فتكونوا ضحايا لمكرهم,  لكن مجرمين معتدين في نظرهم ونظر غيرهم من شعوب العالم , وتكونوا حطاما معرقلا في طريق الدعوة الى الله , منفرا منها.

يا شباب الصحوة الإسلامية المتحمسين لنصرة الإسلام هنا ( في الحجة العلمية والفكرية ) تكمن نقطة الضعف في الكيان الغربي , هنا الثغرة القاتلة لكبريائه وغروره , فلا تسمحوا له بأن يسدها بكم وأنتم لا تشعرون , فيتقوى بكم عليكم , بأن يجعل منكم بأساليبه المخابراتية الماكرة ,  مناوئين للعلم , مهدمين للسلم . فمما يحزن ويؤسف أن نجد في المدعين للسلفية من شباب المسلمين من استدرج لتولي هدم العلم باسم ما يسمى السلفية العلمية فراح يزهد أبناء المسلمين في دراسة العلوم الكونية ,  ويدعو الى الاقتصار على علوم الشرع , وكأن العلوم الكونية ليست علوما إسلامية  , مخالفا بذلك هدي القرآن والسنة وعلماء الأمة ,  وهو لا يدري أنه بذلك يجرد الإسلام من أقوى أسلحته الفكرية وحججه العقائدية . ومنهم من دفع الي تولي هدم السلم, وإسقاط الأمة في بؤرة الفوضى وانعدام الأمن باسم السلفية الجهادية , فراح يضع الجهاد في غير محله , ويمارسه بأساليب منافية لتعاليم الإسلام وقيمه , وهو لا يدري أن ذلك لا يخدم إلا أعداء الإسلام في الصد عنه, بالتخويف منه  وإبادة إتباعه بذريعة الدفاع الشرعي عن النفس .

 يا شباب الإسلام ان الحجج الفكرية والعلمية لعقيدة الإسلام قوية جدا,  ودامغة وناصعة , تكسبنا التوازن والرزانة والثقة في النفس في معركتنا الفكرية العقائدية مع الغرب ,  من غير تهور ولا استعجال , فالنصر للإسلام على أية حال , ان الذي يدعو الى الله بتجرد وصدق , فيصبر ويتحمل الأذى ولايستعجل التمكين , يكون كالديمة (المطر الخفيف المستمر ) التي تحي الأرض, وتنفع الزرع والكائنات, ولا تحدث الكوارث و الفيضانات ,  فحسبنا أن  نوجد الظروف المناسبة للدعوة, كالثقة

والسلم, والمناخ العلمي والفكري , ثم نتقدم الى عقلاء وعلماء العالم  والغرب خاصة , بأدب ورفق , ونقول لهم : إننا نعترف لكم بالتفوق العلمي , والدقة في مناهج البحوث العلمية , والنزاهة في طلب

الحقيقة,  والاعتراف بها إذا ثبتت بالدليل والبرهان , فنطلب منكم أن تجدوا لنا  تفسيرا علميا مقنعا نزيها للظاهرة القرآنية والظاهرة المحمدية .

إذ كيف تفسرون أن رجلا عربيا أميا عاش في بادية الجزيرة العربية قبل أربعة عشر قرنا يتحدى كل الناس في كل عصر حتى في عصرنا هذا أن يأتوا بسورة من مثل كتابه,  فيفحمهم ويهزمهم , رغم أن فيهم دكاترة مستشرقون حاقدون , وكبار أدباء من الملحدين والمسيحيين العرب , ورغم أن أقوى وأغني الدول في العالم تعادي دينه, وهي قادرة على شراء ذمم الأدباء والعلماء العرب للرد على التحدي ؟؟؟, لكن ويا للأسف - لما تأكدت تلك الشخصيات والهيآت والدول من عجزها عن مواجهة التحدي ,  راحت  بكل جبن ووقاحة وخسة - تشتمه وهو(صلى الله عليه وسلم) عند الله  عز وجل, وراحت تقتل أتباعه في هذا القرن ,  وتفتنهم عن دينهم , وتصد الناس عن القرآن بكل الأساليب الشيطانية التي يسرتها تكنولوجيا الإعلام والاتصال العصرية

كما نطلب منكم أن تفسروا لنا علميا  كيف استطاع أن يسبقكم الى اكتشاف حقائق وأسرار علمية كونية غاية في الدقة , وفي كل الاختصاصات ,  لم يتوصل إليها الإنسان إلا في القرن الأخير بعد التطور المذهل في وسائل البحث والاكتشاف ؟؟؟ ويا للأسف مرة أخرى - لما تبين لساسة الاستكبار الغربي وسدنة الكنائس والبيع أن حججه دامغة ,  وبيناته ناصعة ,  راحوا يثيرون الشغب والفوضى والأكاذيب ,  ويفتعلون الصراع والصدام ,  كي يصدوا شعوبهم وشعوب العالم عن قرآنه, ويشغلوها عن معرفة تلك الحجج والبينات والتفكير فيها. متبعين الإستراتيجية التي طبقها المشركون في مكة وهي  ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلَّكم تغلبون )

.فضلا عن ذلك فنحن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم في القرن الخامس عشر من بعثته ,  نتحداكم يا معشر الغربيين والمتغربين أن تجدوا مأخذا موضوعيا واحدا على الأحكام والتشريعات والتوجيهات  التي جاء بها الإسلام وشرعها . نعرف مسبقا أنكم ستقولون ( الجهاد , الطلاق , تعدد الزوجات , نصيب المرأة في الميراث , الحدود والقصاص )

وهذه بالنظر الموضوعي النزيه نجدها كلها حكمة وعدالة ورحمة للفرد والمجتمع

فالجهاد دفاع شرعي أخلاقي من أجل النفس والعرض والأرض والدين و حماية حقوق المستضعفين وتكريس الحريات,  خاصة حرية الاعتقاد , أي هو دفع لعدوانكم وظلمكم , فهل تريدون منا أن نبيح لكم العرض والأرض والدين لترضوا عنا وعن ديننا ؟

والطلاق حل اضطراري لحماية الأسرة ومعالجة عدم استقرارها بعد أن استحال إصلاحها, والحيلولة دون وصولها الى حالة التعفن  , فهو هدم اضطراري من أجل تصحيح البناء وحماية الزوجين والأبناء والمجتمع من مضاعفات لا تحمد عقباها . أم تريدونا أن نفعل مثلكم ,  نبقي على علاقة زوجية وهمية على الورق في حين يهوي الزوجان في الرذيلة والمخادنة  ؟ ان الإسلام أطهر وأرقى من ذلك .

أما تعدد الزوجات فهو أنسب حل اجتماعي لازمات متوقعة في كل عصر ومجتمع ,  كزيادة عدد العوانس, وقلة النسل , وحماية للزوجة المريضة والعاقر من أن تطلق بسبب ذلك , وحما ية للزوج الذي عجزت زوجته عن تلبية رغباته الفطرية الشرعية من الانزلاق الى الرذيلة  .  فالإسلام دين طهارة وعدل يضع الاحتياطات لحماية أتباعه من  الضياع والظلم و لا يريد لهم أن يكونوا قطعانا سارحة في الرذائل والفواحش .

ونصيب المرأة في الميراث قمة العدالة والإنصاف للمرأة والرجل معا , لأن القوامة واجبة على الرجل , فهو الذي ينفق على العيال حتى الأخوات ان غاب الأب,  والمرأة تحتفظ بنصيبها خالصا لنفسها .  وهل كنتم تعترفون  بحق المرأة   في الميراث قبل مجيء الإسلام ؟ فلم المكابرة إذن ؟

أما الحدود فهي أبدع وأسلم وأبلغ تشريع لردع المجرمين وحماية المجتمع من شرورهم , لأن اعتمادها في التشريع الجنائي, والجد في تطبيقها, يجعل المجرمين يرتدعون خوفا من أن تنفذ فيهم , ويكفون عن ارتكاب الجرائم , وبذلك يسلم المجتمع من الجرائم ,  وتنتفي أسباب إقامة الحدود , فهل هناك تشريع يداني هذا التشريع  في حكمته وعدالته ورحمته ؟( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب )

إن كل تعاليم الإسلام  وتشريعاته حكيمة وسليمة وعظيمة, إذا نظرتم إليها بعين النزاهة والإنصاف , لا بعين الغمط والعناد والإجحاف , فهي تمثل جانبا اعجازيا آخر للإسلام . هذا وفي أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم العظيمة وانجازاته الجليلة وأحواله الخارقة, معجزات أخرى وما أعظمها من معجزات لمن ألقى السمع وهو شهيد قال تعالى : بل نقذف بالحقِّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مَا تصفون " ( الأنبياء 18 )

لا أبالغ إذا قلت ان الغرب محاصر فكريا وعقائديا بحجج الإسلام وبيناته في ظل التطور العلمي الذي يميز هذا العصر , فأمامه خياران لا ثالث لهما هما :

إما أن يستمر في اعتماد المنهج العلمي النزيه في إثبات الظواهر والحقائق أو نفيها , وذلك يعني أنه سينتهي الى إثبات أن الإسلام هو الحق, وأن القرآن كلام الله عز وجل,  وأن محمدا رسول الله . وهذا ما أثار الرعب والهلع في أوساط الصليبيين المتصهينين الحاقدين على الإسلام, فهبوا للتحذير والتخويف من الخطر الداهم في نظرهم , فمنهم النائب البرلماني الذي  يقدر أن الإسلام سيعم ايطاليا في الثلاثين سنة القادمة , ومنهم الإعلامي الذي يحذر من أن بريطانيا ستكون دولة إسلامية بعد عشرين سنة , ومنهم المحللون الذين يزعمون أنه في ظرف خمسين سنة سينتشر الإسلام في كل أوربا , ومنهم رجال الدين الذين راعهم وأدهشهم أن  يتقدم الإسلام وينتشر ذاتيا,  بلا كافل ولا وسائل,  فيستميل إليه حتى القساوسة والرهبان , في حين تتقهقر المسيحية  في عقر دارها , رغم المكائد المدبرة ,  والوسائل المسخرة , فإذا الكنائس في أوربا تباع للمسلمين لتحويلها الى مساجد . فقاموا يشتمون النبي صلى الله عليه وسلم ويؤلبون الساسة والأتباع على الإسلام وأهله  قد بَدَت البغضاء ُمن أفواههم وما تخفي صدورهم اكبر )

وإما أن يركب عناده وعصبيته العمياء وينقلب على عقبيه الى جهالات الكنيسة وظلامها في القرون الوسطى , عاملا بتعليمتها الدينية التي تقول : أغمض عينيك واتبعني , وذلك بمثابة انتحار حضاري  , ويبدو للأسف أن ساسة الاستعلاء فيه  قد فكروا وقدروا ثم اختاروا الخيار الانتحاري, أي العودة الى الجهالة والظلامية الكنسية هروبا من أن  يضطرهم النهج العلمي النزيه الى الاعتراف بالإسلام , فهاهو رئيس أكبر وأقوى دولة في الغرب يهذي بخرافات الكنيسة فيزعم أن الرب اختاره وكلفه بتطهير الأرض من المسلمين وبناء الهيكل في القدس على أشلائهم من أجل أن ينزل الى الأرض فيحكمها من ذلك الهيكل . وهاهي محاكم التفتيش وسجونها الوحشية التي كانت في القرون الوسطى تظهر من جديد في صورة إعدامات جماعية وفردية , ومعتقلات تمارس أبشع أنواع التعذيب والاهانة للإنسان,  كمعتقل غوانتنامو وما يحدث في العراق وبعيدا عن الأضواء أبشع وأشنع ,   والتهمة الموجبة لكل تلك القسوة والوحشية هي العقيدة الإسلامية فقط .

انه اعتمادا على هذه المعطيات, وعلى تحذيرات القرآن الكريم, ووقائع التاريخ, لا نصدق أبدا وإطلاقا أن أهل الكتاب المتحالفين ضد الإسلام  جادون في إرادتهم للحوار مع المسلمين , فالقرآن كان وما يزال ينادي بالحوار منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم , ولم يستجيبوا له ,يقول عز وجل : قل يا أهل

الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتَّخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولَّوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون " ( آل عمران 64)

ويقول سبحانه : " قل يأهل الكتاب لم تصدُّون عن سبيل الله من ءامن تبغونها عِوَجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عمَّا تعملون " ( آل عمران 99 )

 إنهم يتخذون من الدعوة الى الحوار وسيلة لإلهاء المسلمين وتنويمهم حتى تكتمل فصول مآمرتهم وتنجح , أو يميلونهم عن دينهم سلميا إن استطاعوا  قال عز وجل " فلا تطع المكذِّبين ودُّوا لو تدهن فيدهنون " ( القلم 8 – 9 ) إنهم قد طغوا واستكبروا وعتوا عتوا كبيرا , وهم لا يشعرون أن الله عز وجل قد استدرجهم , حيث أقام عليهم الحجة القاطعة , ثم يدمرهم تدميرا  , وذلك بأمر من عنده, او بأيدي المسلمين ,  مثلما فعل بالأمم العاتية السابقة

قال تعالى " أفلا يرون أنَّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون " ( الأنبياء 44) تدبروا: لمن يوجه هذا التحذير القرآني ؟ وقال سبحانه : " أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشدُّ منهم قوة وءاثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق "( غافر 21 ) وقال سبحانه : " فذرني ومن يكذِّب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إنَّ كيدي متين " ( 44 – 45  القلم )

إن الإنسان الغربي تأثر بالقليل من هدى الإسلام عند احتكاكه بالحضارة الإسلامية  في الأندلس فتألق وتصدر البشرية بالتقدم العلمي وبعض القيم الإنسانية كالديمقراطية وحقوق الإنسان, ولو ظاهريا فقط ,

فكيف لو أخذ بالإسلام كله ؟ إننا نحن المسلمين لا نحسده على تفوقه وتألقه, فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء , ولا نريد بدعوته ودعوة غيره الى الإسلام أن ننافسه على مكانته  أو نسقطه عنها, كما قد يفهم بعض الجهلة المتعصبين , إننا بالعكس من ذلك تماما , فنحن نريد له أن يحافظ على تفوقه, ويستمر فيه بتبني الإسلام الذي يعطيه دفعا جديدا في التقدم العلمي والقيم الإنسانية , ويؤسفنا شديد الأسف أن يدفعه العناد والتعصب العنصري , والكراهية غير المبررة للإسلام الى الانتحار الحضاري بالعودة الى ظلام الكنيسة وثقافة التخلف والانحطاط , وكم نتمنى أن يتولى العقلاء والعلماء النزهاء قيادة التوجيه في الغرب كما تولاها علماء ومثقفو النهضة الأوربية من قبل, ولا يتركوا زمامه للسفهاء والمتعجرفين البله , المسيرين من طرف اللوبي الصهيوني , فيقع السقوط الحتمي , بل البوار والاندثار .

.... يتبع