حوارٌ بين جيلين
حوارٌ بين جيلين
نسرين صالح جرار
اعتدل في جِلسته و أصلح عباءته ، ثم قال بصوتٍ واثق : يا أبنائي حتى وإن ارتقيتم أعلى درجات سلم التعليم فلن تبلغوا معشار حكمتنا ، فنحن توارثنا حكمة آبائنا وتمسكنا بتقاليدنا وتراثنا .. وأحببنا تاريخاً طالما افتخرنا به .
نهض من بين الحضور شابٌ في مقتبل العمر يرتدي ( الجينز وتي شيرت وحذاء رياضة ) وقد وسرح شعره بطريقته الخاصة ووضع عليه شيئاً ما يجعله لامعا .. ، ثم تقدم نحو الشيخ بأدبٍ جمٍ وحيا ثم قال : ما نحن إلا ثمار غرسكم أيها الأجداد ، ولولا صبركم ورعايتكم لما نما الزرع لكن الفصول في تقلب .. والدهر في تغير و إن لم نجارِ عصرنا ذبل الزرع وما نضج .
رد الشيخ باستغراب : وهل مجاراة العصر تكون بتغيير الهندام واستعارة أذواق الغرب في اللباس والثقافة والطرب وحتى طريقة تحضير الطعام وتناوله ؟؟!!!
أجاب الشاب المخبر أهم من المظهر .
تساءل الشيخ : فما قولك في جيلٍ استبدل عالمه الواقعي بآخر افتراضي ، عالم اختفت فيه لغة العيون والجسد ، عالم امتلأ غشا وخداعاً وتدليساً ، وكثرت فيه الضحايا وعربد فيه المحتالون .
ظهرت ابتسامة على وجوه الشباب من الحضور ، وسُمع همسٌ بينهم ... إلى أن قطع حديثهم الخافت صوت الشاب وهو يقول : إن من متطلبات هذا العصر الذي أصبح فيه العالم قرية صغيرة ، أن نكون جزءاً من هذا العالم الافتراضي ، و أن نعلم بما يدور حولنا خلال دقائق من حدوثه حتى وإن كان في أقصى بقاع الدنيا ، و أن نتبادل الأخبار ونتحاور مع كل الجنسيات مهما اختلفت اللغات .. ، وتماما كما هو في العالم الوقعي محتالون وضحايا .. كذلك العالم الافتراضي لا يختلف كثيرا ، والقانون دائما لا يحمي المغفلين .
ساد الصمت بين الحضور إل أن قام رجل في العقد الثالث من االعمر ، وتقدم نحو الشيخ والفتى ثم قال : لا بد أن نضع نهاية للنقاش وأن لا نحوله إلى جدلٍ سفسطائي ، و أود هنا أن أقرب وجهات النظر وأن أخرج بخلاصة للحوار الذي دار بينكما ، الشجرة الباسقة أصلها بذرة ، ومهما تعاظمت وامتدت فلن تنسى يوما أنها كانت بذرة ، و أنها ستظل تنتج بذوراً كي تصير بدورها أشجارا ، ومهما نما الفرع فلن يطاول الجذع ، فلولا الجذع لما كان الفرع ، وعندما تهب ريحٌ عاصفة فإن الجذور هي التي تحمي الشجرة من أن تُقتلع ، ولولا أشعة الشمس والأوراق الغضة الخضراء لما استمرت حياة الشجرة ، فنحن مجتمع متكامل ٌ كالشجرة تماما ، لا يمكن لجيلٍ أن يستغني عن الآخر أو ينكر فضله.