ممنوع التّدخين!!
مادونا عسكر/ لبنان
اليوم الاثنين 3/9/2012 دخل القانون رقم (مائة وأربعة وسبعين) حيّز التّنفيذ، وينصّ على منع التّدخين في الأماكن المغلقة في لبنان. واستنفر المدخّنون وأصحاب المقاهي والمطاعم والملاهي اللّيليّة اعتراضا وشجبا، ووجد اللّبنانيّون أمراً جديداً يختلفون عليه ويجادلون فيه، عدا لون السّماء وعدد أمواج البحر. فبين مؤيّد ومعارض، استحوذ هذا القانون على نبض الشّارع، وخصّص له الإعلام وقتاً لا بأس به في نشرات الأخبار والبرامج الصّباحيّة.
ولكن... ما سبب هذا الضّجيج الشّعبي والإعلامي؟ وممّ يخاف اللّبنانيّون؟ تهيّأ لي للحظات أنّنا في دولة يطبّق فيها القانون ويُتابَع تنفيذه! والغريب في الأمر أنّ الجمعيّات المتخصّصة في الحدّ من التّدخين مصرّة بشدّة على تنفيذ القانون وتدافع عنه بشراسة! ولا شكّ أنّ هذا حقّ، كما تشكر هذه الجمعيّات على مجهوداتها وتعبها وحرصها على الصّحّة العامة. ويساعدها في استشراسها أنّ هذا القانون ليس بحاجة لتغطية سياسيّة لينفّذ، كما لا يحتاج آراء مراجع دينيّة وحزبيّة وفتوات من هنا وهناك، ولا تمسّه النّعرة الطّائفيّة. ولهذا السّبب فالدّولة العليّة أنجزت دراسة هذا القانون وبتّت في أمره بكلّ اجتهاد، مع العلم أنّ الفريق المُوَكّل بمتابعة تنفيذ القانون يتألّف من عشرة أشخاص فقط، مضطرّين لملاحقة كلّ مخالف في كلّ أنحاء لبنان، وكأن لبنان حارة!
دولتنا العتيدة، تركت كلّ الملفات التّراثية المعلّقة منذ عقود، كالماء، والكهرباء، ومكبّات النّفايات الّتي تعطّر أرجاء لبنان، وتبث ألطف السّموم الّتي تسبّب أمراضاً سرطانيّة. ووضعت كلّ جهودها في قانون منع التّدخين.
ما الّذي يثير قلقكم أيّها اللّبنانيّون؟ إذا كانت الدّولة اللّبنانيّة لا تقوى على ردع من يحرقون الدّواليب كلّما أرادوا الاعتراض على أمر ما، فحرق الدّواليب أيضاً دخل في سلوكيّاتنا اليوميّة، فبات كلّ شخص استاء من زوجته، قطع طريقاً وأحرق فيها الدّواليب.
فدولتنا الكريمة لا تقوى على ردع معتصم نصب الخيم في صيدا وأثار النّعرات الطّائفيّة والمذهبيّة، ولم يرتدع إلّا عندما فاوضه وزير الدّاخليّة شخصيّاً! ولم تستطع إيجاد حل لأحداث طرابلس، والتي قد تحتاج ليس لقرار سياسيّ لبناني، لأنها لا تملكه، بل لقرار دوليّ ليحلّ السلام في هذه المنطقة، فلم يعد المتناحرون المسلحون يستجيبون لأيّ رجاء من الدّولة!
ولن نطيل الكلام عن زحمة السّير الخانقة بسبب سوء تخطيط الطّرق والّتي يعاني منها المواطن يوميّاً، بل أصبح لا يحيا إلّا إذا أمضى نصف نهاره متامّلاً عدد السّيّارات على الطّرق واستنشاق أريج الدّخان المتصاعد منها...
قد يقول قائل، ولكنّ أن يسمح بالتّدخين لا يحلّ هذه المشاكل، ونجيبه بأنّ المشكلة ليست في القانون، بل هي في ذكاء الدّولة اللّبنانية؛ فكما أنستنا سابقاً مشكلة ارتفاع أسعار البنزين والمازوت بملف الكهرباء، على سبيل المثال، تحاول اليوم أن تساعدنا على تخطّي مشكلة الكهرباء الّتي نشتاق إليها شوقاً عظيماً، ومشكلة التّفلّت الأمني غير المفهوم، والمظاهر المسلّحة الوقحة المدركة تماماً لغياب الدّولة، ووو... بقانون منع التّدخين.
فيا أحبّائي، لنكمل حياتنا اليوميّة ببساطة، فهذا القانون ليس سوى زوبعة في فنحان، لن تدوم إلّا بضعة أيّام. تذكّروا قانون فرض حزام الأمان، ومنع التّحدّث على الهاتف الخليويّ أثناء القيادة، كلّها باتت في مهبّ الرّيح.
من المبكر جدّاً أن نقلق ونعارض قوانين الدّولة، لأنّها ليست أهلاً لثقتنا ولسنا شعباً يحبّ الالتزام بالقوانين.