نظامُ الأسد، وإسرائيلُ، وإيران: متلازمةٌ أمنيّةٌ ثلاثية
نظامُ الأسد، وإسرائيلُ، وإيران:
متلازمةٌ أمنيّةٌ ثلاثية
محمد عبد الرازق
في وقت مبكر من الثورة السورية تحدث رجل مال العائلة ( رامي مخلوف ) إلى إحدى الصحف الأمريكية، و أوصل رسالة سريعة إلى الجارة الجنوبية، راجيًا منها أن تفي بتعهداتها بحماية نظام العائلة من أية أخطار تتهدده؛ فـ ( أمنُها من أمنه ). و هي تدرك هذا الأمر جيدًا، فهذه حدودها الشمالية قد شهدت أفضل حالة استقرار على مدى أربعين عامًا؛ الأمر الذي يناقض تمامًا حالة العداء الكلامي التي عُرِف بها هذا النظام.
و قد وصلت الرسالة سريعة، و كان الردّ في غاية الوضوح: ليست إسرائيل مستعدة للتفريط بهذا الجار الوديع حاليًّا، و أنها إذا ما اضطرت على ذلك؛ بسبب تغير الوقائع الميدانية، فلا أقلَّ من تدمير سورية: شعبًا، و مُقَدَّرات. الأمر الذي يجعلها في شغل عنها لعَقد من الزمن؛ تكون خلاله إسرائيل قد قطعت شوطًا كبيرًا، حصنت فيه نفسها من الأخطار المتوقعة من النظام القادم.
و قد طار بهذا الرسالة ( بنيامين نتنياهو ) إلى أمريكا، و من بعدها أخذت التصريحات الأمريكية طريقها إلى الانكفاء، و أصبحت لا تتمايز عن الموقف الروسي كثيرًا. و اصبح الموقفان يتبادلان الأدوار في إعطاء الضوء الأخضر للنظام في زيادة جرعة البطش اليومية تجاه الشعب السوري.
و من بعدها حطَّ الرئيس الروسي ضيفًا على إسرائيل لينقل لها رسائل التطمين من أنها ستكون بمنجاة من تداعيات تردي الأوضاع في سورية؛ فالأسلحة الاستراتيجية ستكون تحت السيطرة، ولاسيما البايولوجي و الكيماوي منها. و هو الأمر نفسه الذي جعل الرئيس الأمريكي يضع دونه الخطوط الحمراء الغليظة.
هذا فيما يتعلق بالجانب الإسرائيلي، و أمَّا فيما يتعلق بالمواقف الإيرانية تجاه ما يجري في سورية؛ فإنها هي الأخرى قد تعدت الأطر الدبلوماسية منذ وقت مبكر أيضًا، و أصبحت مكشوفة بشكل لافت للنظر، و تعددت أوجه الدعم الإيراني للنظام: عسكريًّا، و اقتصاديًّا، و ماليًّا، و أمنيًّا. لا بل وصلت بها الحال أن زجت بخبرائها، و رجالها في مناطق البؤر الملتهبة في عموم سورية. و حديث الخبراء الثمانية و الأربعين، الذين أُلقي القبض عليهم مازال حديث العهد.
و قد طالعتنا صحف اليوم بتصريح عن إحدى قيادات الحرس الثوري؛ يقرَّ فيه بأن إيران قد أرسلت القناصة، و المسلحين إلى سورية. و هو أمر لا يضيف جديدًا إلى ذاكرة السوريين المشحونة بالكثير من الأدلة الملموسة حول ذلك.
الأمر الذي جعل المواطن السوري يشعر أنه ينازل ( الاستعمار الإيراني ) في هذه الأيام، في معركة التحرير التي سيبني من خلالها ( جمهوريته الثانية ).
و اللافت للنظر في هذا أمر التدخل الإيراني السافر في الشأن السوري ما صرح به مؤخرًا علاء الدين بروجردي ( رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني ): إنَّ أمن سورية من أمن إيران. و هذا يعيد إلى الأذهان تصريح رامي مخلوف ( رجل مال العائلة ) من أن أمن إسرائيل من أمن سورية
و عليه فإنَّ مسألة الأمن في هذه الكيانات الثلاث قد باتت متلازمة تلازمًا عضويًّا، لا انفصام فيه؛ فكلٌّ منها يضمن للكيان الآخر أن يدفع عنه مصيره المشؤوم وفق هذه المتلازمة الثلاثية التي يكون فيها نظام الأسد واسطة العقد؛ في إشارة واضحة إلى أهمية المكانة التي يشغلها هذا النظام ( المقاوم، و الممانع): ( أمن سورية من أمن إيران، و أمن إسرائيل من أمن سورية ).
و هذا يفسر سياسة التغاضي عن جرائمه، التي يحظى في شتى المحافل، و من الدول كافة؛ بغض النظر عن حجم التصريحات الكلامية التي تصدر بحقه من هنا، و هناك، و هي في مجمله لا تتعدى الإشارات التطمينية له، و هو يتعامل معها باحترافية مذهلة.
غير أن الذي فات هؤلاء جميعهم أن السوريين أصبحوا يتعاملون مع الأمور باعتبار أن نظام الأسد قد أصبح من الماضي، و هو في حكم الزائل، و هم يسعون إلى إسقاطه سياسيًّا، بعد أن أسقطوه من نفوسهم، و من حقهم على من يدَّعي صداقتهم أن يمكنوا من وسائل إسقاطه ميدانيًّا فيما تبقى له من المناطق التي يحتمي فيها. و هو أمر تقرّه الشرائع و النظم الدولية، و هم ليسوا بدعًا من الأمم حتى يحرموا من هذا الحق؛ فمن حقهم أن يدفعوا عن رقابهم حدّ السكين، و يقرروا ماهية النظام السياسي الذي يرضونه في سورية الشعب، لا سورية الأسد.