العوالم والغوازي؛ من التمثيل إلى السياسة!
العوالم والغوازي؛ من التمثيل إلى السياسة!
أ.د. حلمي محمد القاعود
في طفولتي البعيدة قبل ستين عاما أو يزيد ، كانت الأسر الغنية تزف العرسان بالمزيكا ، وكانت تُحضر مع المزيكا ما يسمى بالعوالم والغوازي الذين يغنون ويرقصون ويمثلون بعض المواقف القصيرة المضحكة ، وكان الفلاحون في القرية يظلون يستعيدون حكاية ما شاهدوه وسمعوه حتى يأتي حدث جديد ينسي الحدث القديم .
تطور الزمان وأصبح العوالم والغوازي يسمون بالفنانين والفنانات ، وصارت لهم الأسبقية على بقية طبقات المجتمع ، فهم الضيوف المقدمون على غيرهم من العلماء والقادة في قاعة كبار الزوار في المطارات والمواني ، وبرامج التلفزيون والإذاعة وعلى صفحات الصحف والدوريات السيارة ، ويجزل لهم الإعلام العطاء مقابل أعمالهم الفنية أو ثرثرتهم الحوارية ، وهي الثرثرة التي تدور عادة حول الزواج والطلاق والأغاني المفضلة والأفلام المؤثرة والأدوار الشهيرة وأطرف المواقف وأحب الملابس والأكلات ، وماذا تقول في الحب والحسد والغيرة .. ونحو ذلك.
المسألة الآن اختلفت ، وتحولت ثرثرة التسلية إلى كلام في السياسة والتخطيط والإستراتيجية ، هناك من يدافع عن بشار الأسد وجرائمه ، وينكر المذابح البشعة التي يرتكبها على مدار الساعة ، وهناك الآن من يرتدي ثياب الشجاعة، ويهاجم الرئيس المصري المنتخب بعد أن كان يخاف قبل الثورة شبح أمين شرطة ، وبعضهم يحاول أن يكون زعيما سياسيا يفتي في الأصول التي ينبغي اتباعها في قيادة الدولة والتعامل مع الشعب وما يجب أن يكتب في الدستور ،وغير ذلك من قضايا كانت أبعد ما يكون عن حديث القوم واهتماماتهم ، خاصة أنه لم يعرف عنهم اهتمام بالوطن أو المواطنين ولم يشاركوا بمليم واحد من الألوف أو الملايين التي يجمعونها في مشروع خيري أو وطني ، أو مساعدة فقير أو محتاج ، مع أن بعضهم يدعي انتماءه إلى الكادحين ويزعم اهتمامه بقاع المجتمع ، بل إن كثيرا منهم كان يغدر بخادمته أو سائقه ويطرده أو يفضحه بالباطل كي لا يتقاضى حقوقه ! وبالغدر أو الفضيحة يحقق شهرة إن كان مغمورا ، أو مزيدا منها إن كان معروفا.
واحدة منهن تخرج على شاشات التلفزيون لتلعن الثوار وتؤيد النظام الفاسد ، وتطلب حرق الثائرين بجاز ،ثم تأتي بعد خلع الطاغية لتزعم أنها مع الثورة والثوار !
أخرى تدعي أنها ستهاجر وتترك البلاد لو وصل الإسلاميون إلى الحكم ، لأنهم سيحرمون الفن وينقبون النساء ، ويحاربون الفنانين والفنانات ..
ثالثة تأخذها العزة بالإثم فتدافع عن المخلوع وتقول إن الملايين تبكي عليه وتتحسر على يوم من أيامه !
هل هؤلاء يمثلون الفنانين الأصلاء ؟ أشك في ذلك ؛ فالفنان الحقيقي صاحب رسالة ، ويؤمن بحرية الأمة ، ويحارب الطغيان والاستبداد ، وما أبعد العوالم والغوازي عن الفن والفنانين !
أحدهم يكوّن " ألتراس " ويدخل مع الفلول في تحالف للدفاع عن " بابا مبارك " وطلب العفو عنه . وآخر يعلن أنه يتمنى أن يزوره في السجن ليعلن تأييده له والوقوف إلى جانبه فقد استقبله وهو في الحكم لمدة ساعتين أو أكثر واستمع إليه وضحك معه ، بينما لم يستقبل عالما مصريا في الداخل أو الخارج ليسمع منه عن التعليم والبحث العلمي وكيفية النهوض بهما .
استدراكا لما سبق كان النظام السابق يأتي ببعضهم في الانتخابات المزيفة لتشجيع الحزب الحاكم الفاسد ، أو الترويج للمخلوع نفسه ، وكانت الصحف المملوكة للنظام تستفتيهم وتضع على ألسنتهم كلاما مؤيدا للديكتاتور وداعيا له ولحزبه !
قبل أيام ظهرت واحدة على شاشة فضائية فلولية أتخم صاحبها بالقروض وأراضي الدولة ولم يقدم لها شيئا يذكر ، فقالت المذكورة للمذيعة زوجة الإعلامي الفلولي الكبير:
إنها غير مقتنعة بكلمة فلول " فالشعب المصري كله فلول.. " وأكدت أنها كانت مع استمرار الرئيس السابق حتى يكمل مدة ولايته لأنها كانت ستري الأمور أكثر استقرارا مما نعيشه الآن بعد الثورة وحتى لا نصبح أمام العالم كله مهينين لرمز كبير - علي حد قولها، - مضيفة أن الذين يتشدقون بديمقراطية أمريكا أقول لهم إن أوباما عنده أخطاء كثيرة ، وأردفت : إن أكثر الذين ظلموا في عصرنا الحالي هو الرئيس مبارك !
وعندما سئلت المذكورة عن أحد مسلسلاتها المعروضة في رمضان وتدخل الرقابة بالحذف بسبب انتقاده لأعضاء مجلس الشعب وتعرضه للفساد؟ قالت المذكورة :
- المسلسل بدأ تصويره قبل الثورة، والرقابة كانت موافقة عليه، وهذا يؤكد أننا كنا نعيش فى عصر الحريات فى ظل النظام السابق ( ؟؟ )، لكن حاليا لا نستطيع أن نقول أي شيء، ولو قلنا رأينا يظهر لنا ١٠٠ شخص ويتهموننا بأننا أعداؤهم، ولا أعرف كيف تقوم الثورة من أجل الحرية ولم تعطنا الحرية (؟) .
ونسيت المذكورة أنها عارضت الثورة وأعلنت تأييدها لرئيسها الظالم ولم يعترضها أحد بسوء!بل إنها جعلت موقف الثورة منه عارا وظلما ووصفت موقفه بالمحترم فقد قالت للمذيعة زوج الفلولي الكبير:
" عار وعيب علينا أن نظلم رجلا تخطي الخامسة والثمانين . ألا يكفي موقف مبارك المحترم عندما قال له الشعب »مش عايزك« وفي خلال 18 يوما تنازل لإرادة الشعب ولم يعمل مثل الكثير من الرؤساء.. إن ما نراه الآن من قبل جماعات تيار الإسلام السياسي يعود بنا إلي الوراء مائة عام .." وعن خشيتها من ظلم الفن في عهد الرئيس محمد مرسي قالت الفنانة المذكورة :" لن نسمح أو نقبل بأن يظلم الفن لا في عهد الدكتور مرسي ولا في عهد غيره لان الفن هو مقياس التحضر لأي بلد حيث يقاس مدي تحضر الدولة بثقافتها وفنها مؤكدة في الوقت ذاته أنها ستفرض فنها في غير قنوات الدولة التي لا يمكن لأحد أن يفرض عليها قيودا ".
هذه الأقوال التي سمعتها الملايين ولم يعترضها أحد تؤكد تناقض المذكورة ، وهي تدخل منطقة الأفول بعد أن استهلكت مواهبها وشاخت قدراتها وانسحبت عناصر المنافسة في ميدان الابتذال والسطحية والتعري لصالح غيرها ، فإذا بها اليوم تحدثنا عما يصلح لمصر وعن الإسلام السياسي ( أشك أنها تعرف معناه !) ، وتجأر بقولها لن نسمح ! من أنتم بالضبط ؟ ومن الذي يسندك ؟
هل آن الأوان ليتقدم العلماء على العوالم ، والغزاة على الغوازي ، والفلاحون والعمال على الطبالين والزمارين؟