أحسن العدل نصرة المظلوم
أم عبد الرحمن
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن ، فقال : " اتق دعوة المظلوم ، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب "
عندما بدأت الثورة السورية اتخذتُ موقفاً مضاداً منها, ليس حباً بالنظام الفاسد, وليس تصديقاً لكذبه, وليس رضى بحال البلد, ولكني لم أكن أؤمن بأن هذه التحركات (الصبيانية) كما كنت أراها ستوصلنا لغايتنا المنشودة في نهضة البلد وإصلاحها, بل كنت أرى, وأنا أعرف مدى فساد النظام وأعوانه, ومدى انهيار المجتمع وغليانه, أن طريق الإصلاح يجب أن يكون بالعمل الجاد المخلص الذي هو مسؤولية الشعب, وليس فقط مسؤولية الدولة, وكنت أردد دائماً "كيفما تكونوا يولى عليكم".....
كنت أتألم لتلك الأخبار التي وصلت من درعا, ولم أتوقع من نظام أعرف مدى إجرامه إلا ما كان يصلنا عبر الأشخاص والمحطات الفضائية من عنف وتنكيل, ومع ذلك كنت آمل بأن تقف الأمور عند هذا الحد, ولا تغرق البلد في فوضى عارمة كالتي حصلت, لذلك فلم أكن أشجع مزيداً من التحركات الثورية, وكنت آمل أن يستغل العقلاء ما جرى للبدء بعمل جاد نحو إصلاح حقيقي يطلق الإمكانات الكامنة, ويجنبنا فتنة عمياء لا توفر الأخضر واليابس.. وكان يشاركني في رؤيتي هذه معظم من أعرفهم ومن أتصل بهم, وأزعم أن الشعب السوري لو جرى فيه استفتاء حقيقي وقتها لمعرفة رأيه وموقفه لما جاوز هذا الذي أصفه, إلا أن سير الأحداث كان مخالفاً لكل هذه الأماني, وكان بطش النظام كفيلاً بتصعيد الأمور وإثارة غضب الناس, ورغبتهم في الإنتقام لكل سنوات القهر والذل والكذب...
وفي رمضان الماضي عندما حوصرت حماة الذبيحة لم يعد هناك مجال للصمت أو للوقوف على الحياد, فهاهي حماة تذبح مرتين خلال عشرين سنة أمام عيوننا, وهاهو العالم يتفرج, وهاهو الكذب يتوالى بوقاحة منقطعة النظير من قبل إعلام النظام, وهاهي الآلة القمعية تبطش بصورة أرادت أن توصل رسالة للجميع مفادها: الأسد أو نحرق البلد! وهي تعني ببساطة ليس لشيء قيمة على هذه الأرض, وكلكم تحت المقصلة!
هو الظلم بعينه, وهو الجبروت الذي لن يقف عند حد, وهو الإجرام الذي لا يعرف محرمات, وهي الفتنة التي ستصيب الجميع وليس الذين ظلموا خاصة....لذلك فإن العمل على إنهاء هذا الظلم ومقاومته واجب لا يجوز التقاعس عنه.
إن من واجبي العمل على حماية البلد, ومن واجبي نصرة المظلوم, ولا يمكن البقاء على الحياد أو التزام جانب الصمت لأن في هذا عون للظالم, وإعانة على الظلم, وشراكة بالإجرام, وتدمير للبلد التي صارت مستباحة أمام آلة البطش ببشرها وشجرها وحجرها.
لقد كان التحول الصريح الجلي, من موقف التفرج والتألم الصامت, إلى موقف العمل لنصرة الثورة وفق الإمكانات المتاحة مهما صغرت موقفاً اضطرارياً لكثير من الناس الذين رؤوا النظام يقصف المدن, ويقتل الناس, ويعتقل الشباب وينكل بهم, ويهجّر السكان ويسرق بيوتهم ويعتدي على حرماتهم, ولم يعد من النافع الركون إلى الصمت, لأن آلة البطش لم تفرق بين مؤيد ومعارض, والقذائف التي تنزل على البيوت لا تميز بين بيت ثائر وبيت صامت.
ومع ذلك مازلنا نسمع من يلوم الثوار على كل ما حدث, رغم أن زمن اللوم ولى, ولم يعد يشفع لهؤلاء أمام نظام مجرم وفوضى عارمة إظهار تأييد أو تعاضد, لأن جبروته وبطشه أفقده الرؤية المنطقية, وبدل الغوص في لوم الثوار أو الجيش الحر على دخوله المدن يجب العمل على لجم آلة النظام المجرمة التي صارت تقصف لمجرد الشبهة وليس رداً على هجوم أو استفزاز.
إن مساعدة الثورة بكل وسيلة ممكنة واجب سيسألنا الله عنه يوم القيامة, وسيسألنا التاريخ عنه, وبعدما وصلنا اليوم مرحلة اللاعودة صار لزاماً على كل إنسان شريف أن يعمل على القضاء على هذا النظام المجرم الظالم الذي مازال يتاجر بشعبه وأرضه ووطنه في سبيل مصالح شخصية دنيئة.
لم يعد هناك مجال للسكوت أو الوقوف على الحياد, فكيف بمن مازال يؤيد هذا النظام ويبرر أفعاله ويسانده في كذبه؟
أيها الأحرار المخلصون في كل المدن السورية, أيها الصامتون العاجزون, أيها اللائمون للثورة والثوار, أيها المؤيدون السابقون, أيها المترددون الخائفون, بلادنا تُدمّر أمام عيوننا, وآلة القتل لن توفر شيئاً ما لم نوقفها بتعاوننا جميعاً, لابد مما ليس منه بد, لابد من الوقوف في وجه الظالم الذي لن يوقفه إلا تماسكنا وتعاضدنا, فحالنا كما وصف طارق بن زياد: بحر من الخراب أمامنا, وعدو جبار ظالم وراءنا, وليس أمامنا إلا الثبات والعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه, وما النصر إلا صبر ساعة, فلنترك كل خوفنا وعجزنا ولومنا وراءنا ولنقدم على لجم الظلم والإجرام بكل طاقاتنا وإمكاناتنا, قبل أن نهلك وتهلك بلادنا.