قبل فوات الأوان
أم عبد الرحمن
بسم الله الرحمن الرحيم
كثيراً ما أسأل نفسي عن الأسباب التي تجعل كثيراً من إخواننا في الوطن الذين ذاقوا مثلنا ومثل غيرهم مرّ التسلط والجور من نظام فاسد متكبر عن الأسباب التي تجعلهم حتى الآن لا يقفون مع الحق البيّن الذي يحتم عليهم المساعدة في إسقاط هذا النظام الفاسد والقضاء عليه, وكثيراً ما تخطر على بالي الآية الكريمة: "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق" ؟
أفهم تماماً أن هناك موانع كانت موجودة عند معظمنا في بداية الثورة للانخراط الحقيقي الفاعل فيها, منها الخوف على الأمن والاستقرار, والخوف من الفوضى, والخوف على البلاد وخرابها وتقسيمها, والخوف من المجهول الذي لا نعلمه, والخوف من البطش والترهيب....إلخ. ولكن اليوم وبعد كل هذا القصف والخراب والإجرام الذي لحق البلد وأهله أظن أن السكوت, وعدم دعم الثورة مما يطيل بعمر هذا النظام المجرم هو مشاركة في التدمير والتخريب والإجرام.
أفهم تماماً أن التراجع عن موقف معلن هو أمر صعب, ولكني أحب أن أقول لإخواني الذين رؤوا بأعينهم كم الإجرام الذي يمارسه النظام, أنهم ونحن إخوان مهما كانت الظروف, ومهما حدث, وهذا النظام زائل لا محالة, فهي سنة الله في الأرض "سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدراً مقدوراً" " أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم" .
النظام زائل, حاله كحال كل الطغاة, ولكن الوطن باق, وهو وطننا وبلدنا, ونحن مسؤولون عن حمايته وبنائه.
إخواني: يا من تؤثرون الصمت أو الوقوف في وجه الثورة خوفاً على مصالح خاصة, أو لحسابات أخرى كالخوف على البلد ومستقبلها, الحق واضح وضوح الشمس, وهذا النظام الفاجر أثبت لنا بكل الوسائل أنه مجرد عصابة مجرمة لا يهمها إلا مصالحها الشخصية حتى لو كانت على حساب البلد والشعب, وهاهو يقصف المدن ويدمر البيوت ويقتل الناس بلا تفريق بين مؤيد ومعارض, وهاهم السوريون يهاجرون من بيوتهم, ويخسرون أموالهم وتدمر بيوتهم ويقتل أهلهم, دون حساب لآرائهم وموقفهم من الثورة, حيث ساوى الجلاد بين الجميع, ونال الكل من آذاه وإجرامه ما نراه بأعيننا ونسمعه بآذاننا, وأنتم إخواتنا ونصيحتكم واجبة علينا, والاصطفاف حول الجماعة ضد الباطل واجب عليكم, ألم تسمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستكون بعدي هنات وهنات [ أي شرور ومفاسد]، فمن رأيتموه فارق الجماعة، فكأنما فارق بين أمتي". وأنتم تعلمون علم اليقين أن الجماعة الآن هي ضد هذا النظام المجرم, فسارعوا إخواني إلى تعديل موقفكم, فربما كان النصر على يديكم, وتنالون بذلك الفضل والكرامة, وتثبتون أنكم منتمون لهذا الوطن, حريصون على بقائه, فالحالة التي نحن فيها اليوم هي حالة اللاتراجع, وإن كان للباطل جولة فإن للحق جولات, ولا أظن أن أحداً منا لا يعرف أن هذا النظام هو نظام مجرم فاسد, وأن الحق هو في إسقاطه ومحاكمة رموزه وأعوانه.
إخواني: يقول علي كرم الله وجهه: " إنما أخاف عليكم اثنتين: طول الأمل, واتباع الهوى, فإن طول الأمل ينسي الآخرة, وإن اتباع الهوى يصد عن الحق, وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة, وإن الآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة, فإن اليوم عمل ولا حساب, وغداً حساب ولا عمل"
إننا اليوم على مفترق طرق, فإما أن نقف مع الحق وننصره بكل الوسائل, فنكون مع المنصورين في الدنيا والمعذورين في الآخرة, وإما أن ندعم الباطل ونصمت عن نصرة الحق فنخسر الدنيا والآخرة.
فلابد للحق أن ينتصر, ولابد للقيد أن ينكسر, وسيأتي يوم لا ينفع فيه الندم, ولا يمكن فيه التراجع, فاغتنموا الفرصة الآن, وبادروا لنصرة الحق, وكونوا مع الجماعة, نعمل معاً لدحر الظلم, والقضاء على الظالم, وبناء وطن العزة والكرامة, والله سينصرنا ووعده الحق: " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير". ليس لنا إلا الله الذي سيبارك جهودنا لبلوغ النصر, فكونوا معنا لا علينا.