شيء عن حزب الله وواقع الحال
عقاب يحيى
قبل سنوات كان حزب الله الراية الأكبر المرفوعة في معظم بيوت وقلوب العرب.. والمسلمين.. ورغم بنيته الطائفية المعلنة، وتبعيته لولاية الفقيه الكلية، وما يمثله المشروع الإيراني من مخاطر على العرب... رغم ذلك.. اغمض الجميع، بمن فيهم أهل اليسار والعلمانية، عيونهم على تلك التركيبة، وعلى قوانين طالما تمسّكوا بها عن التناقض المريع بين الوطنية والطائفية. بين حزب، او مليشيا دينية ـ مذهبية وبين حالة سياسية مفتوحة للجميع.. واندفعوا عاطفياً، لأننا وقبل أن نمعن النظر، وقبل التفكير بأي خلفيات ومآلات، نندفع عاطفياً، وترانا مصفوفين "مثل أسنان المشط"، أو فرق الزار خلف من يطلق رصاصة، أو شعاراً عنيفاً ضد الكيان الصهيوني.. فتغازلنا الرايات، والوعود، وحين تقترن بفعل نطير إلى السماوات السبع أحلاماً، وزغردات، وإشادات تذهب معها كل استنادات التحليل، والادعاءات المقولبة، والمعلّقة على أغصان الأراجيح.
ـ لكن.. حزب الله ومن تاريخ دخوله إلى بيروت في السابع من نيسان 2008 كشف عن وجه آخر غيره ذاك... وبدأ خط تراجعه في الوسط الشعبي، خاصة لدى الأغلبية من العرب الذين وجدوا فيه ذراعاً خارجياً.. ودولة ضمن الدولة، وجسراً لتمرير مشاريع إيران.
ـ وحين قامت الثورة السورية وقد التهبت ـ قبلها ـ حناجر حزب الله، وامينه العام إشادة وتحيّزاً، خاصة لحراك البحرين الذي غلب عليه الجانب الشيعي.... توقّع البعض.. الذي كان ما يزال يسوق التبريرات، ويغطّس المنطق في أمواج التسويق والتحريف والالتفاف.. ان يصطفّ مع الشعب السوري دون لبس، أو غموض... لكن الذي حدث عكس ذلك..
ـ في بدايات الثورة.. قيل الكثير عن دور توافقي يقوم به حسن نصر الله مع بشار الأسد بالذات، لوقف نهج العنف والقتل، والقيام بإصلاحات تستجيب لأهم مطالب الشعب السوري، وأنه يتعاون في ذلك مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ـ خالد مشعل ـ وأن الجهود لم تثمر ، وحدّثنا قبل عام مسؤول كبير في حركة حماس عن الجهود التي قام بها السيد خالد مشعل مع رأس النظام وكبار أركانه، وأنه كان يشاور في ذلك حسن نصر الله.. ثم خيبة أمله، وإعلان فشله حين تأكد دجل رأس النظام وإصراره على استخدام أقصى وسائل العنف، وأنه يرفض واقعياً أي إصلاحات ومصالحات.. وقد أعلم حسن نصر بذلك,,, الذي أبلغه بتغليب الحلّ الأمني على سواه، وأن لا فائدة من المحاولة ..
ـ كان يُفترض، ونصر الله مطلع على قرارات النظام بإبادة أي تسوية، أو إصلاحات، أن يقف مع الشعب، وأن يساند حقوقه في الحرية.. لكن الحبل الطائفي، والتبعية المطلقة لإيران كانا اقوى من كل الشعارات والخطابات.. وسرعان ما أسفرت مواقف حزب الله عن تدخل مباشر، ومتصاعد في الشأن السوري، ولصالح إنجاد النظام، والدخول بقوة في مقتلة السوريين وانكشاف بهتان وتفاهة تلك الأغطية : حماية المراقد... ثم بقية اليافطات المنخورة..
ـ لقد أكّدت الوقائع أن حزب الله الذي أنشأته ودعمته إيران ليس سوى ذراعها، ورأس حربتها، وأن علاقته تلك هي الأساس والبقية تفاصيل، والبقية وسائل للتمرير والتغرير.. وعلى هذه القاعدة خبا ذلك الوهج، وتكاثفت الشكوك بتاريخه وما قام به، ناهيك عن حاضره ودوره، وما أنتج تدخله في تصعيد الانشقاقات الطائفية، وقيامه بدور واعِ في محاولات حرف الثورة وتشويهها، ونقل الصراع من صراع ضد نظام فاجر، وفي سبيل الحرية والكرامة غلى صراع تناحري طائفي يمتدّ من العراق إلى اليمن، وتمثل سورية فيه قاعدة ارتكاز رئيسة .
ـ وعلى هذا الأساس ينظر معظم السوريين حاليا بعين الريبة لكل ما يقوم به حزب الله، حتى لو كان ذلك بمستوى إطلاق صواريخ على الجيش الإسرائيلي، وإنزال خسائر فيه..بل إن اسئلة قوية تطرح نفسها عن مبرر ومعنى وجود قائد إيراني كبير، مع قادة مهمين من حزب الله في الأراضي السورية الذين استهدفتهم إسرائيل قبل أيام.. وأين يمكن تصنيف وجودهم وما يخططون له ..
ـ نعم من مصلحة حزب الله، وتحقيقاً لمجموعة أهداف، ان يناوش الكيان الصهيوني، وأن يثبت لأنصاره وخصومه أنه ردّ بالتي هي أقسى، وانه مستعد لمزيد إطلاق الصورايخ.. ولمَ لا خلط الأوراق وتوجيه الأنظار نحو العدو الصهيوني.. علّ ذلك يغسل بعض آثامه المرتكبة بحث الشعب السوري، ويعيد له شيئاً من ثقة مفقودة.. او يسهم في إنقاذ حليفه: النظام السوري من وهاد الانهيار.. ومن ملاحقة لعنات التاريخ.
ـ لكن، ومن يتابع طبيعة العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية، ومحادثات الملف النووي، أو التناغم الثابت في العراق، وفيما يدعى بمحاربة الإرهاب.. يعرف أن ما يجري لن يتجاوز بعض الخربشات في جدار المساومات، وتحصيل مواقع أفضل، وأن إيران تبحث عن ثمن غال جداً مقابل تخليها عن إنتاج القنبلة النووية، وأن هذا الثمن المعلن وفق حسابات وعقول بازاراتها ورجالها المعروفين بالمقايضات.. ستكون على حساب البلدان العربية.. وباتجاه تكريس نوع من النفوذ الإيراني فيها، وهو النفوذ الذي سيجري التفاهم عليه، والتشارك فيه مع الولايات المتحدة الأمريكية، وستكون إسرائيل، ايضاً، الضلع الآخر وفق لعبة المصالح المشتركة، والتنافس داخلها..