بين علماء الأمس وعلماء اليوم
محمد فريد الرياحي
أين هذا الزمن من زمن كان قائما بالحق، مقيما عليه بفضل رجاله الذين لم تلههم تجارة المناصب،ومناصب التجارة عن الحقيقة التي تعرف بعلاماتها الدالة عليها، فهي عالية في شموخها، شامخة في علوها، لا ترتد عما سطرته من المعالم، ودعت إليه من المكارم، في رأي من الشرع أصله، وحكم في الوحي فصله، أين نحن من زمن كان فيه العلماء يزنون الأمور بالموازين القسط، وكانوا يصدرون في أقوالهم وأفعالهم، عن المحجة التي عرفوها، فعلموها، فاستيقنوها فيما أظلم من الأحداث،وادلهم من العقبات، فكانوا من الأربحين أعمالا ، وكانوا من الذين أوتوا العلم درجات عليا، سخروها لخدمة العالمين،ولم يشتروا بها ثمنا قليلا. كان هؤلاء العلماء في مأمن من العقيدة يعصمهم من أن يفتنوا بالألقاب التي تخادع الناس وتخدعهم، وما تخادع وما تخدع إلا نفسها في البريق الذي أحاط بها من كل جانب، فألهاها عن ذكر الله فيما أصابها من الشقشقة والفخفخة، فهي تسعى إلى نيل الدنيا، بالطريقة التي تمليها عليها شياطينها من الإنس والجن، وهي في هذا السعي لا تجد من هؤلاء الشياطين إلا ما يسهل عليها الوقوع في الخطيئة، والدخول في النار التي حفت بما يستهوي الأنفس من المال والجاه والعياذ بالله.كان هؤلاء العلماء، وأدركتهم،يحبون الآجلة، ويذرون العاجلة، وكانوا يقولون للمحسن أحسنت، وللمسيء أسأت، وكانو يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وكان الله ورسوله أحب إليهم من أنفسهم، وأبنائهم، وأموال اقترفوها، ومراتب نالوها، وكان العالم منهم إذا دعي إلى سوء من القول أو الفعل، قال إني أخاف الله رب العالمين،ذلك بما عرف من الحق، وأدرك من الحقيقة، ووعى من العلم، ورعى من الأمانة، فأين علماء اليوم وقد غرتهم الدنيا بمباهجها، وبهارجها، فحرصوا عليها، فأذل الحرص أعناقهم، وأعمى أبصارهم وبصائرهم، وبلبل أحاسيسهم،فهم يعمهون في الران الذي غشي قلوبهم، فهم الصم العمي البكم الذين لا يرجعون، أين هؤلاء العلماء، وقد مُلـّئوا غرورا، من علماء جمعوا إلى الرسوخ في العلم رسوخا في الحكمة فكانوا يقنعون بالقليل، ويهبون الكثير من أنفسهم في سبيل مرضاة الله.لم يكن هؤلاء، وأدركتهم، ليرهبوا بشرا، أويعبدوا حجرا،أويفرون إلى بيوتهم حين البأس حذرا، بل كانوا إذا دعوا لم يثاقلوا إلى الأرض، ولم تنسهم الحياة الدنيا ذكر الله. وفي تاريخنا الإسلامي ذكر لهؤلاء العلماء الذين كانوا لا يخشون في الله لومة لائم. فأين علماء اليوم، وقد ملكهم العجب، واستحوذ عليهم الشيطان بما زين لهم من حب اللذائذ، وكره الشدائد،أين هم من هؤلاء الرجال الثقات الذين قالوا ربنا الله، ثم استقامواعلى الطريقة، فأراهم الله من الحقيقة ما قرت به أعينهم، واطمأنت له قلوبهم،والله يؤتي الحكمة من يشاء من عباده، ويهدي إلى الجنة برحمته.