الجهاد والحرية
معاذ عبد الرحمن الدرويش
مقدمة: الإسلام هو دين السلام و الحرية المطلقة، على عكس ما تم إلفاقه به في العصر الحديث على أنه دين الإرهاب و دين حجب الحريات الشخصية و العامة.
يطعن الكثير من المؤرخين المتحاملين على الإسلام بأنه دين أسس على الإرهاب من خلال الفتوحات التي تمت بالسيف .
لم يحمل المسلمون سيوفهم لقص رقاب الناس،كما يروج لذلك الحاقدون على المسلمين،بل على العكس ،حمل المسلمون الفاتحون سيوفهم ليقطعوا بها كل قيود العبودية التي تكبل رقاب الناس و عقولهم و ليطلقوا حريتهم المسلوبة .
الحرية: الحرية ليست حرية القرار (كما في الحريات العامة) و ليست حرية التصرف الشخصي(كما في الحريات الشخصية) كما رسخها الفكر الغربي ،الحرية بالإسلام هي حرية العقل.
الحرية ليست أن تتصرف كما تملي عليك نفسك ، الحرية هي أن تجيد التصرف عندما يتاح لك حرية الاختيار.
فالحرية هي حرية العقل بالمطلق.
كيف يكون العقل محرراً؟:
يتكون الإنسان من روح و جسد و نفس و عقل، ترتبط هذه الأشياء بعلاقات معقدة وشائكة،و كل منها يؤثر تأثيراً مباشراً على البقية.
لا شك أن كل الأوامر و القرارات تأتي من العقل ،لكن لا يمكن أن يكون قرار العقل حراً إلا إذا تحرر من تأثير باقي مكونات الإنسان (النفس و الجسد و الروح) .
و لتوضيح الفكرة دعوني أضرب بعض الأمثلة:
- إذا كان الإنسان مريضاً و يشكو من ألم فإن سطوة الجسد تبدو واضحة على أي قرار من العقل.
- و إذا أطلقنا العنان لأي غريزة من الغرائز التي تنبض داخل الإنسان ، تعطل تفكير العقل خارج إطار تحقيق رغباتها.
- و إذا ارتفع التواتر الروحي في الإنسان إلى درجة كبيرة غاب العقل تحت سطوة الروحانيات كما في كل حالات مغالاة الصوفية الدينية الإسلامية و غيرها.
- و تبدو الفكرة اكثر وضوحا ً في حالة إنسان مخمور
،تجد الإنسان المخمور يتصرف كما يأمر عقله حسب تصوره الداخلي ،أما من يقف بجانبه يرى مدى فداحة ما يقوم به هذا الرجل ذو العقل الواقع تحت سطوة الخمر.
فكثير من الاحيان نسمع أحدهم و هو يقول أنا حر بتصرفي هذا
لا شك أن كل إنسان حر في كل ما يقوم به .
لكن الإنسان ليس وحدة مستقلة منفصلة كما يظن نفسه ، هو مجموعة من المكونات التي تتصارع و تتقاتل في سبيل السيطرة على العقل.فالإنسان أشبه بدولة العقل يمثل حكومتها و النفس و الجسد و الروح تمثل تجمعاتها ،و كل من هذه المجموعات يحاول السيطرة على العقل لجعل كل قراراته تصب في خانة مصالحها أما في حالة تحرر العقل من سطوة أي منها فالعقل يخلق حالة توازن تمثل العدل في الدولة بين كل من مكونات الإنسان .
فالحرية هي تحرير العقل من ديكتاتورية أي من هذه المجموعات و تركه يتخذ قراره بعيداً عن أي تأثير آخر.
و لا يمكن ان يحصل أي شيء من الحرية على الأرض إلا بتحقق أمرين
1- تحرير الإنسان من أي قيود خارجية (سلطة أو مجتمع ...).
2- تحرير عقل الإنسان من أي قيود تكبل حركة تفكيره الفطري السليم.
الجهاد و الحرية:
كلمة جهاد تأتي من الجهد و المجاهدة و بذل الطاقة.هذه الطاقة هي السبب وراء تحطيم القيود الملتفة على العقل.
قال الله في كتابه العزيز"و جاهدوا بأموالكم و أنفسكم في سبيل الله"
واضح من الآية الكريمة أن الجهاد ذو شقين:
جهاد دائم عام
و جهاد مؤقت خاص
و كل جهاد يتحقق بأمرين جهاد بالمال و جهاد بالنفس.
الجهاد الدائم :
1- الجهاد بالمال:
و يتم عن طريق دفع الأموال و بذلها من خلال الزكاة و الصدقة و إطعام المساكين و رعاية الأيتام و بر الوالدين و إكرام الضيف و غيرها من الأمور التي حث الإسلام على ممارستها بشكل يومي .
2- جهاد النفس و يتم من خلال:
- ممانعة أهواءها و ضبط غرائزها و قد حرم الإسلام الزنا و النميمة و البهتان و السرقة و التكبرو غيرها من الأمور التي ترغب بها النفس.
- حرم إيذاء الجسد و أمر بتقويته و الحفاظ على صحته.
- الإسلام دين واقعي و قد حارب ترك مادياتها بالزهد المطلق و الاستسلام لروحانيات يمكن أن تحرف مسار تفكيره .
- إكراه النفس على الالتزام بكثير من العبادات و الطاعات التي تستوجب جهداً و مثابرة و التزاماً دائماً أو وقتي.
الجهاد المؤقت(الخاص) :
هو جهاد القتال الذي أمر به الإسلام للدفاع عن حياة الأمة و حريتها و حمايتها من أي عدو يترصد بها.
لماذا حمل المسلمون سيوفهم في الفتوحات الإسلامية؟:
لم يحمل المسلمون سيوفهم في الفتوحات الإسلامية لقطع رقاب الناس ،بل على العكس حمل المسلمون سيوفهم لقطع و تحطيم كل قيود العبودية التي كانت تطوق رقاب الناس و تكبل حياتهم .
أليس حري بالمسلمين لو حملوا رسالتهم و جابوا بها الأرض بدون سيوف و قتال ؟ ما دامت رسالتهم رسالة سلام...
دعونا ننظر للدول و المجتمعات التي كانت تعيش بتلك الفترة ماذا نجد؟
أقرب الناس لأوائل المسلمين حملوا سيوفهم و حاولوا قطع رقبة كل من حمل رأسه فكرة الإسلام، مما توجب على المسلمين حمل سيوفهم للدفاع عن انفسهم و الحفاظ على حياتهم.
هذا ما حصل في مكة و المدينة و شبه الجزيرة العربية.
أما خارج حدود الجزيرة كانت ترزح ممالك و امبرارطوريات قائمة على استعباد الشعوب المغلوبة على أمرها و المنقادة ما بين الإرهاب و بين التبعية المطلقة للامبراطور الذي كان بمثابة إله عظيم.
و وجود هذه الممالك و الامبراطوريات يتنافى مع وجود الفكر الاسلامي الذي يأمر بالوحدانية و الربوبية لله وحده.
فرسالة التوحيد و وحدانية الله التي يريد الإسلام إيصالها إلى الإنسانية فكرة تتعارض بشكل مباشر مع فكر الممالك و الامبراطوريات و مجتمعات العبودية و الرق التي كانت سائدة في تلك الفترة . و بالتالي فإن هذه الممالك لن تسمح لحملات التبشير بالدين الجديد أن تصل إلى شعوبها المغيبة عن الواقع و الحياة و بالتالي تعرض ملكها المطلق للزوال.
فالإسلام حمل السيف لتحرير الإنسان من استعباد الإنسان اولاً و لتحرير عقل الإنسان من استعباد النفس ثانياً.
إن دفع الاموال في سبيل الله هو أنجع طريق لتحرير عقل الإنسان من سطوة المادة و تحريره من سطوة غريزة التملك .
ناهيك عن الذي يذود بنفسه تاركاً وراء ظهره كل مغريات الحياة و متعها يذهب إلى الجهاد و يترك الدنيا وراء ظهره هو تحرر كامل للعقل أيضاً من سطوة كل ماديات الحياة .
فالإسلام عندما طلب من المسلمون الجهاد أراد ان يحررهم هم أنفسهم قبل أن يحرر الآخرين .
فالجهاد بشقيه العام و الخاص و باسلوبيه بالمال و النفس ليس له هدف إلا تحرير الإنسان من أي عبودية يمكن ان تصيبه سواء من خارجه او من داخل كينونته .
و لا يمكن ان تكون هناك أي حرية يمارسها الإنسان إلا بتحقيق حرية العقل.
و عندما يوجد العقل المتحرر نضمن بذلك تحقيق العدالة بين مكونات الإنسان من جسد و نفس و روح و يمنع طغيان أي منها على البقية.
و من ثم تنتقل هذه العدالة لتشاهد ثمرتها في المجتمع.
أما في حالة طغيان أي جانب من مكونات الإنسان على عقله ، تظهر الدكتاتوريات بشكل واضح في كل تصرفاته و أفعاله و ينتبج جانب على حساب ضمور الآخرين و من ثم تنتقل هذه الديكتاتورية من داخل الفرد لتعم المجتمع.
و لعل حالة الحريات الشخصية التي اطلقتها الحضارة الغربية هي نموذج فج و فاضح عن ديكتاتورية مقيتة تمارسها الغريزة بحق الإنسان نفسه .
و أؤكد على كلمة حرية واحدة و ليست حريات ، لأن الحرية واحدة إن وجدت وجدت كل الحريات المنشودة (الشخصية و السياسية و غيرها...)و إن غابت غاب كل شيء.
فلا يمكن ان تتحقق أي حرية سياسية مهما كان هناك كم من القوانين في البلد ، عندما لا تتحقق حرية العقل،فالعقل أولا و أخيراً هو الذي يحكم ،و يصدر القرار ، لكن القرار سيصدر قراراً غير صائباً و لصالح الجانب الطاغي من جسد او غريزة او نفس أو غيرها.
فالديمقراطية و العدالة لا يمكن ان تضمنها أي قوانين إلا في ظل عقول متحررة.........
خاتمة:
أما في حالة أصبحت حياة الامة في خطر كما يحدث الآن في سوريا فإن الجهاد بالمال و النفس يصبح فرض عين على كل إنسان مسلم للحفاظ على الأرواح و حقن الدماء،و استعادة الحرية للأمة فالحرية للإسلام تعتبر البيئة الصالحة لوجوده ونموه.
فالحياة و الحرية هما شيئان متلازمان و هما الأغلى في حياة الإسلام الذي اعتبر" و من قتل نفساً كأنما قتل الناس جميعاً" و قد رفع الإسلام مكانة الشهيد كثيراً ،لأن حياة الفرد تبدو رخيصة أمام حياة الأمة و حريتها ، خاصة و أن أمة الإسلام أمة ذات رسالة إنسانية و حرية و عدالة و كرامة للبشرية أجمع.
"و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"............