قراءة في إستراتيجية النظام في المرحلة القادمة
محمد عبد الرازق
في ظل تغيرات واضحة باتت تشهدها الساحة السورية، و لا سيَّما ما كان منها الميدان العملياتي؛ حيث باتت ضربات الجيش ( الحر )، و المجالس العسكرية في عدد من المحافظات تفقده كثيرًا من المساحات التي كان يتحرك فيها من قبل، و هناك مخطط يتمُّ السعي إلى فرضه من خلالها، يتمثَّل بحسب ما ذكر العقيد رياض الأسعد ( قائد الجيش الحر ) في مقابلة له مع ( العربية )، ( الخميس: 28حزيران) بتحرير مناطق الشريط الحدودي مع تركيا في ريف ( حلب، و إدلب )، و هو أمر قد أُنجز أكثره.
و تمَّ عرض مشاهد تظهر السيطرة على قواعد للصواريخ في جبل ( الشيخ بركات ) من قبل كتائب الجيش الحر، و هو مؤشر على المدى الذي وصلت إليه المواجهة مع النظام؛ فهذه المنطقة ذات بعد استراتيجي لمن يسيطر عليها.
ناهيك عن السيطرة على جلّ حواجز النظام المنتشرة في المناطق الداخلية المحاذية لهذا الشريط في مناطق الريف الشمالي، و الغربي لحلب، و مناطق إدلب كافة، و هو أمر جعل من هذه المناطق محررة، و خاضعة بالمطلق لسيطرة الثوار.
و لا يبعد أن يكون هذا التفكير لدى قادة الجيش ( الحر )، و المجالس العسكرية جزءًا من التفكير لدى الحكومة التركية في الرد على تجاوزات ( الأسد ) نحو ( تركيا ).
و هو الأمر نفسه الذي شهدته المنطقة المتاخمة للحدود اللبنانية من جهة ( القصير ) حيث باتت محررة بشكل كامل؛ فأقام الجيش الحر قواعده في الخنادق و المتاريس التي كان جيش النظام قد أعدها للتحصّن فيها، و تشير التقارير إلى أن ( 60 ) بالمائة من مناطق حمص باتت خارج سيطرة النظام.
و كذلك الحال في المنطقة الشرقية حيث تمت السيطرة مؤخرًا على جلِّ المنطقة، من دير الزور، وصولاً إلى البوكمال، و مثل ذلك كثير من مناطق درعا، و تحديدًا ( منطقة اللجاة ).
لقد باتت كتائب ( النظام ) في وضع صعب تعبويًّا، و نفسيًّا؛ فما من مواجهة تدور معها إلاَّ و تترك كلَّ ما لديها غنائم للكتائب المهاجمة، و عناصرها بين قتيل، و أسير؛ ممَّا جعل النظام يسحبها تحت غطاء من القصف الكثيف، محتميًا بدروع بشرية من أهالي تلك المناطق حسبما أظهرت مقاطع الفيديو من جبل الزاوية، و هناك استهداف شبه يومي لحواجز الجيش في مناطق ريف دمشق، و مناطق درعا، حماة.
هذه المستجدات الميدانية جعلت نظام الأسد ينكفئ نحو الداخل للاحتماء بالكثافة السكانية، و تحديدًا في مدن ( حماة، و دمشق، و حلب، و إدلب) حيث يصعب على الجيش الحر مهاجمته؛ خشية أن تقع إصابات لا يحبذها في صفوف المدنيين؛ و بالتالي أخذ يعتمد على القصف العشوائي البعيد، عن طريق المدافع، و راجمات الصواريخ كما هي عليه الحال في حلب حيث تنطلق القذائف من مدرسة المدفعية، و ثكنة هنانو باتجاه ريف حلب الشمالي. و أحيانًا يحاول أن يبتعد عن التجمعات السكانية باتجاه الخلاء كما يفعل في مناطق ريف ( إدلب، و حماة، و حمص، و درعا )؛ فيكون بذلك قد تحاشى هجمات الجيش الحر، و هو ما فعله في ريف إدلب الشرقي في ( سراقب )، التي نصب مدفعيته، و راجمات صواريخه في أراضيها الزراعية، و أخذ يستهدف معظم الريف الشمالي، و المعرَّاوي منها، و منطقة أورم الكبرى على طريق حلب ـ الأتارب، حيث يتمركز الفوج ( 46 ) الذي يقصف منه مناطق ( الأتارب، و كفر كرمين، و باتبو، و الإبزمو، و أبين، و الجينة، و كفر ناصح ).
بعد هذا الانكفاء إلى الداخل، نتيجة للأسباب التي ذكرناها بدأ يميل النظام إلى اعتماد سياسة التفجيرات ثانية، من أجل إلحاق أكبر خسائر يستطيعها في المناطق المناهضة له في دمشق (الميدان، و القدم ، و القزاز )، أو في المناطق المسيحية ( القصاع )، أو أنه يستهدف المباني الحكومية على غرار تفجيرات دمشق، اليوم ( الخميس:28حزيران)؛ ليعطي بذلك انطباعًا بأنه لا أمن لأحد في ظل ضعف سلطته، و ليدمر كل شيء في سورية انطلاقًا من الشعار الذي ملأ به شبيحته جدران سورية ( الأسد، أو نحرق البلد)، و هناك تفجيرات مماثلة للغاية ذاتها قام بها في حلب.
و هذا ما كانت قواته قد فعلته في عدد من المناطق التي اجتاحتها في ريف ( حلب، و إدلب، و حماة ) التي اجتاحتها قبل أشهر؛ حيث عمدت إلى ضرب مراكز الهاتف ، و أبراج الكهرباء، و مراكز البلدية، و مخافر الشرطة، لا بل حتى المدارس )، وذلك بحسب ما أظهرت مقاطع الفيديو التي بُثَّتْ عقب خروجها منها.
هذا بعضٌ من الاستراتيجية التي يمكن أن يلجأ إليها نظام الأسد عندما سيشعر بضيق الخناق على رقبته مستقبلاً، و هي استراتيجية قد أعلن عنها أكثر من مسؤول لديه؛ بأنهم سيعيدون سورية إلى ما كانت عليه قبل أن يستولوا على الحكم، و هي سياسة الأرض المحروقة التي كتبها شبيحته على جدران سورية كافة.
فهل هناك من أركان نظامه لديه مُسْكةٌ من عقل؛ فيُبصِّره بعواقب هذه السياسة التي إن دلَّتْ على شيء، فإنَّما تدلَّ على أنه قد أُصيبَ بعمى البصيرة التي تغشى عيون الظَلَمة حين هلاكهم.