لا عصمة لأحد... والحق أحق أن يتبع!!

وخزة ضمير (31)

لا عصمة لأحد... والحق أحق أن يتبع!!

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

قال الحكماء وأهل الرأي: اعرف الحق تعرف رجاله، فليس بأحد من البشر معصوم من الزلل والضلال سوى الأنبياء، والعلماء الكرام هم أعلم وأقدر على الفهم والتحليل من غيرهم، ولكن المسألة ليست علما فقط، بل لا بد أن يكون مع العلم تقوى وصلح نفس وإخلاص خالص لله سبحانه وتعالى، والاستعداد لتحمل شرف المسؤولية وحمل أمانة العلم على وجهها، فقد جاء في الأثر أن إبليس كان يلقب بطاووس الملائكة، ولكنكم هل تظنون أن إبليس عندما امتنع من السجود لآدم ورفض الامتثال لأمر الله، ألم يكن يعلم بأنه يعصي الله سبحانه وتعالى؟ فلا يوجد أحد يتمتع بما تمتع به إبليس من اليقين بقدرة الله، ولم يحز أحد ما حاز عليه من تكريم، ولكنه "أبى واستكبر وكان من الكافرين"، وقد صدق الشاعر عندما قال:

لو كان للعلم من دون التقى شرفٌٌ
 

لكان أشرف خلق الله إبليسُ
  

لذلك ترى أن العلماء يخطئون ويصيبون، ولكن أخطاء العلماء تدحرج العالم إلى مهاوي الضلال. أتدرون لماذا؟ لأنهم هم القدوة والأسوة، فعيون الخلق معلقة بهم، الحسن عند الناس ما استحسنوه، والقبيح ما استقبحوه، وعليه فلا قداسة لبشر إن أخطأ، ولا كرامة لأحد إن أصر على خطأ وهو يعلم بأنه خطأ، لو حاز من الشهادات العلمية أعلاها، وتبوأ من المناصب أرفعها، ومنحته الفضائيات لينعق في أبواقها، مصدعا الرأس ومساعدا في توطيد الجهالة والتخلف والتشرذم، جريا وراء مصلحته الشخصية التي تقتضي أن يظل في قلب الصورة وفي بؤرة الضوء الإعلامي متمددا هنا وهناك.

لقد عاب القرآن على أحبار اليهود ووصف قلوبهم بقوله: "بل قلوبهم غلف"، فلم يعودوا يرون الحق حقا أو الباطل باطلا بل كل همهم مصالحهم لا غير، ألم يكن معهم علم الكتاب ويعرفون ويدركون؟ ولكنهم كتموا الحق، وهذا ليس خاصا بعلماء اليهود، بل إن كل عالم يسلك هذا السلوك فإن على بصره غشاوة، وقلبه مغلف في باطل أسود، لا يزيل أثره ادعاء صلاة وصوم وأذكار لا تتجاوز اللسان!!

ولا يقول أحد أن فلانا أعلم من فلان، وأين أنت من علم هذا أو ذاك؟ فالمسألة ليست بهذه الطريقة، فلو جاء أحد العلماء كما هو حاصل الآن عند بعضهم، وقال لك إن رئيسا من رؤسائنا الأفذاذ محرري فلسطين والقدس هم من أولي الأمر؟ هل ستصدقه؟ أليس العالم من قال هذا؟ فكل الناس يؤخذ من كلامهم ويرد إلى الرسول الكريم، بصفته معصوما نبيا موحى إليه.

فلا تقاس المسألة بهذه البساطة وتلكم السذاجة، فالمعول في هذا الشأن على معرفة الحق أولاً لنعرف رجاله، مهما كان هؤلاء الرجال مشهورين أو مغمورين، عالمين أو طلاب علم  أو مجرد أشخاص يعلمون بعض مسائل العلم، فكل من علم مسألة فهو عالم فيها، وهذا هو الأميل للمنطق والصواب، فلا أحد يعلم كل شيء، كما أنه لا أحد يجهل كل شيء. فليتق العلماء الله في أنفسهم وأمتهم، وليتذكروا قول الرسول الكريم "صنفان من الناس إذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء"، ألا يكفي فساد الأمراء أيها العلماء الأفاضل؟؟