موسم الجوائز الأدبية !
موسم الجوائز الأدبية !
أ.د. حلمي محمد القاعود
في أواخر يونيه من كل عام ، يموج الحقل الأدبي بكثير من الحركة والصراع من أجل الحصول على جوائز الدولة بمستوياتها المختلفة . غالبا يكون المتصارعون من الحظيرة الثقافية أو الموالين لها ، لأن الجوائز لا تخرج غالبا أيضا إلى من يستحقونها ممن يتعفّفون عن مد أيديهم إلى النظام الفاسد البائد الذي لم يسقط بعد ، وإن سقط رأسه وبعض رموزه !
النظام لا يعطي جوائزه إلا لمن يسير في ركبه ، أو لمن يريد أن يطوعهم ويدجّنهم ، ويدخلهم الحظيرة ، ولو بالصمت على جرائمه في حق الشعب وعقيدته ومستقبله ، وهنا يتم تجنيب المستحقين للجوائز بعيدا لأن التصويت عليها يكون عادة في يد من يحكمون الحظيرة بحكم وظائفهم الرسمية أو عضوية اللجان الثقافية التي عينوا فيها من قبل رئيس المجلس الأعلى للثقافة ، وهو رجل السلطة الفاشية المستبدة بامتياز ، ولا يستطيع أن يخرج عن إرادتها .
على مدى خمس وعشرين سنة ، توجهت الجوائز في معظمها إلى الموالين للنظام المستبد الفاشي ، وأغلبهم من اليساريين والشيوعيين والعلمانيين ، الذين يكنون كراهية عميقة للإسلام والمسلمين ، في الوقت الذي لم يحظ فيه أزهري واحد أو إسلامي واحد بجائزة كبيرة أو صغيرة ، مما يعني أن الانتماء للإسلام بمعناه الحقيقي لن يُعطي أبدا فرصة للحصول على الجائزة !
بالطبع فإن الحصول على الجوائز لا يعني بالضرورة أن يكون الحاصلون عليها تتوفر فيهم الأهلية الفنية أو ألأدبية ، فقد فاز بجوائزها الكبرى والصغرى أشخاص لا يملكون موهبة حقيقية ولا الأدوات الأساسية للكتابة . هناك من لا يحسن الإملاء ولا النحو ولا الصرف ولا البلاغة ، ولكن انتماءه إلى الحظيرة أو النظام الفاسد كان مؤهله الذي يفوق كل المؤهلات ! ومراجعة أسماء الحاصلين عليها في ربع القرن الماضي تؤكد صحة ما ذهبنا إليه ، باستثناءات قليلة للغاية .
لقد تضاعفت القيمة المادية لهذه الجوائز مرات ، لذا فإن الحظائريين حريصون على هذه القيمة ويتقاتلون فيما بينهم من أجلها ، ويبذلون في سبيل الحصول عليها كل ماء الوجه للتربيط ، وطلب التصويت ؛ دون أن يجدوا غضاضة في ذلك .
ولا يجد بعضهم حرجا أن يرشح بعضا بالتبادل للحصول على هذه الجوائز ، أو يوعز إلى جهة ما لترشيحه ، ويتولى هو بعدئذ مهمة العمل على ضمان التصويت له والفوز بجائزة .
ثم إنهم حين يفتقدون مرشحا منهم ضمن الأحياء ، فإنهم يبحثون عنه بين الأموات ، ولو كان مستواه الأدبي متدنيا ، وإنتاجه لا يؤهله لجائزة متوسطة ! ولكنها شهوة الاستحواذ والتكويش والخطف ؛ وحرمان غيرهم وإقصائه ولو كان أفضل منهم ومن مرشحيهم !
في هذا العام تم ترشيح وزير الثقافة الحالي للحصول علي جائزة من جوائز الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية ، وهو الشخص ذاته الذي يفترض أنه يرأس اجتماع المجلس الأعلى للثقافة، في جلسة التصويت علي جوائز الدولة . لقد تم ترشيحه من قبل الجمعية التاريخية، وعندما تم ترشيحه لم يكن وقتها وزيرا للثقافة، وإنما بناء علي إنتاجه العلمي وإسهاماته في مجال تخصصه وهو التاريخ. وقد أجاب الوزير أنه لو جاء الاجتماع الخاص بالتصويت وهو وزير للثقافة، فإنه سيتقدم بخطاب الاعتذار عن الترشح للجائزة، وبالتالي سيتم حذف اسمه من قوائم المرشحين، لأنه لا يمكن أن يرأس هذا الاجتماع وفي ذات الوقت يكون مرشحا.؟
أي إنه يمسك العصا من المنتصف ، فعندما تستمر الوزارة سوف يطلب شطب اسمه من الجائزة ، وعندما تستقيل الوزارة بسبب انتخاب الرئيس الجديد قبل انعقاد الجلسة ؛ سيظل مرشحا لينعم بالجائزة وقيمتها المادية !
لقد نفى الوزير وجود تربيطات من أجل التصويت وقال :أحب أن أطمئن الجميع، أن وزارة الثقافة ليس لها أي مرشح، ولا يوجد ما يسمي بتربيطات موظفي الوزارة، وأضاف: أنا حضرت هذا الاجتماع ما يقرب من سبع مرات، لم يعطني أحد أي توجيهات للتصويت، وهو أمر ينطبق علي وعلي زملائي بالوزارة.
ويبدو أن معالي الوزير مضطر لقول هذا الكلام بحكم منصبه السياسي ، وهو ما كان يقوله فاروق حسني ، ويكذبه الواقع ، فقد تم منح الجائزة لمن لا يستحقون وفقا لإرادة السلطة ، والنموذج الساطع الفاضح يتمثل في منحها لمن يدعى " سيد القمني " ، الذي تمثل أعماله صورة للتدليس العلمي ، فضلا عن التشكيك في الإسلام وسيرة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – مما أدى إلى رفع الأمر للقضاء !
لقد طالبت وغيري على مدى السنوات الطوال الماضية بضرورة مراجعة أمر الجوائز الأدبية ، ولكن ذهبت المطالبات سدى ، لأن القائمين على أمر الجوائز والثقافة في بلادنا ، ينفذون سياسة فاشية مستبدة ، لا تعبأ بمصلحة الوطن ولا الثقافة ولا الأدب !
لقد ظننا أن الأحوال ستتغير بعد ثورة يناير ، ولكنها للأسف لم تتغير ، بل ازدادت سوءا ، وازداد تمكين أفراد الحظيرة من الوزارة التي تحولت إلى " تكية " مستباحة يرتع فيها الماركسيون واليساريون والعلمانيون والمرتزقة ، ويتعمق إقصاء غيرهم خاصة من ينتسبون إلى الإسلام وتصوراته ..
نتمنى أن نجد في النظام رجلا رشيدا يوقف نزيف هذه الجوائز ، ويأمر بتجميدها حتى يأذن الله بنظام جديد عادل ورشيد ، يمنح الجوائز لمن يستحقون وفقا لأسس سليمة ، ووسائل شريفة.