نجوم تخلت عن مهمتها فسقطت في حضيض التشوهات
وخزة ضمير (4)
نجوم تخلت عن مهمتها
فسقطت في حضيض التشوهات
فراس حج محمد /فلسطين
كل إنسان بموقعه هو نجم موقعه إذا قام بمهام ذلك الموقع، وأعطاه كل ما يستحق من عناية واهتمام وإتقان وحكم ضميره وعقله، فالنجومية الحقيقية هو أن تؤدي الأمانة على وجهها، وليست النجومية أن تكون في أعلى السلم الوظيفي.
فالعامل والأب والأم والمدرس والطبيب والمسئول والحاكم هم نجوم هذا الواقع إن أحسنوا تأدية ما عليهم من مهام، فلا تظنوا أن العامل المغلوب على أمره، والذي يتشرب صقيع الشتاء، وتلفحه حرارة الصيف اللاهية لا يستحق أن يكون نجما وهجا في عالم الناس، إذا ما أخلص في العمل واتقى الله في نفسه وفي رب العمل، وشعر بمراقبة الله قبل مراقبة المسؤول إنه نجم في موقعه، ولكنه إن تخلى عن دوره فقد نجوميته وتردى في الحضيض، وليس لطبيعة عمله أي دور في هذا الحكم.
أليس الأب نجما في أسرته، إذا ما عمل على تربية أبنائه التربية الحسنة، وأحسن إلى أولاده قبل أن يولدوا بأن اختار لهم أما لا يعابون بها، لتكون هي الأخرى نجمة ساكبة كل أنوار البهاء والمحبة، تضحي وبكل ما أعطيت من ملكات وإمكانيات في سبيل سعادة أسرتها، لتساهم في بناء مجتمع بلبنات صالحة، ليتابعوا مسيرة الحياة، ولتساعد في زرع نجوم مضيئة في محطات كثيرة!!
فمن أين يأتي الطبيب والمدرس، بل من أين يأتي الحاكم؟ أليس هناك أم وأب سهروا عليهم وهم صغار وأرضعوهم حليب القيم ووجهوهم ليكونوا نجوما متلألئة في دروب هذه الحياة المدلهمة، فلولا هؤلاء وكل في موقعه لانعدمت إشارات المرور، ولسلكت البشرية دروبا في المهالك بصعوبات لا تعد ولا تحصى، فتخيلوا أن الطيب فقد إحساسه بأنه مسؤول عن حياة المرضى، وبأن المعلم أهمل واجبه في صقل شخصيات الطلبة، وبأن الحاكم أسرف وتجاوز الحد، فماذا سيكون شكل الحياة لا بد أنها ستغرق في ظلام من الوحشية والعدمية، فنجومها التي ينبغي أن تضيئها سقطت في حضيض التشوهات.
ولنخصص الحديث أكثر عن الحاكم، هذا الحاكم المعتبر نجما ساطعا في سماء بلاده، فلا أحد أشهر منه، فالكل يعرفه، ويتمنى رضاه، فهل تظنون أن هذا الحاكم إذا تخلى عن مهماته وواجباته تجاه شعبه، هل سيستحق نجوميته تلك، فلا أشهر من إبليس، فهل تعدون إبليس نجما؟! ولم يسم النجم نجما إلا لأنه نجَم: أي ارتفع وظهر، وذلك بالمعنى الإيجابي وليس بالمعنى السلبي، فهل حكامنا نجوم، وأين إنجازاتهم؟ وأين حرصهم علينا؟ فهل كانوا مثل الفاروق يوما، يخشون من سؤال الله لهم عن عثراتنا في طرق شتى، فهل سيسألون عن عثرة بغلة في أرض العراق أو الشام؟!!
فلا شيء إذن يصنع النجومية سوى أن تكون نافعا في حياتك مفيدا في وجودك، وقد صدق الرسول الكريم عندما قال: "الخلق كلهم عيال الله أحبهم إليه أنفعهم لعباده"، فقد وصف الحبيب محمد أصحابه بأنهم نجوم، فقال عليه السلام: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم".
فلنكن إذن نجوما ساطعة يزداد ألقها مع كل عمل نافع نقدمه لغيرنا، فلا شك بأن الحياة بعدها ستضيء وتحلو، ولا يتمنى بعدها أحد لنفسه الموت أو أن يرى الحياة بمنظار أسود.