شمس نحو دهاليز معتمة

شمس نحو دهاليز معتمة

في يوم الطفل الفلسطيني،

قلوبنا معكم أيها الصغار

يسري الغول*

[email protected]

تهب رياح الحرية مع شذرات الطفولة المترنحة، لتتغنى بها أبواق الكثيرين، فيتراقص الجميع يهللون ويكبرون في يوم الطفولة الفلسطيني، وكل طفل يحمل في قلبه شمعة من الخوف والجوع والأرق.

يأتي هذا اليوم على أنغام البنادق والقنابل، يأتينا على أصوات السموم واليحموم، ففي الضفة أب يقتل طفله ذا الخمسة أعوام، يخنقه حتى الموت في بئر من جنون لأنه مختلف مع زوجه والأطفال هم متنزه إفراغ الكبت، وفي غزة طفل لم يبلغ ربيعه الـ13 يموت بهدوء في بيت لاهيا متمترساً بزيه المدرسي، بعد أن قام خاطفه/خاطفوه بممارسة الرذيلة فيما يبدو، وأطفال قضوا تحت شموع الخوف في عتمة دير البلح والنار تحرقهم واحداً واحداً بلا مغيث أو رحيم، والطفولة تبكي الدم، تترنح على بوابة الحياة.

أهذه الحياة التي نريدها لأبنائنا؟ أهذا هو المستقبل المشرق الذي ينتظرهم؟ حقاً، إننا نعيش مرحلة من أخطر مراحل التاريخ الفلسطيني، حيث يتم تدمير الطفولة بشكل منهجي مدروس ومخطط من ساسة (فرِّق تسُد) بألوانهم وهيئاتهم المتعددة. حتى تفنى روح القوة والجرأة والعظمة المتمثلة في شخص هؤلاء الأطفال. ونحن (الآباء) نعمل بكل صلافة على تدعيم هذه الجرائم بقسوتنا على أطفالنا، بحرمانهم حق السؤال واللعب، لا لشيء سوى أننا نريد النوم/ الموت، لنرتاح من همّ الانقسام/ البطالة/ الفقر/ الكهرباء.

فقبل يومين، وبينما أسير في طريق عام متجهاً نحو غاية أريدها، تفاجئني امرأة تجر بين يديها أربعة من أبنائها الصغار عائدة بهم من الحضانة إلى منزلها، فتضرب هذا وتجر تلك، وترفع الطفلة ذات الثلاثة أعوام من شعرها وكأنها مُخدّرة تحت تأثير غزة، وأنا لا حول لي ولا قوة سوى التوقف لمشاهدة بقية المشهد، محاولاً أن أجد حلاً لا يؤذيني في وجود مجتمع لا يسمح لي حتى بالطلب من تلك المرأة أن تتوقف عن إيذاء أبنائها، واحترام مشاعر الآخرين. فأي لعنة هذه التي تحاصرنا. أي جنون هذا الذي يقتلنا ألف ألف مرة، إنها غزة بكل قسوتها تفجرنا، تدمينا، تقتلنا، تفجرنا وتُفنينا.

لقد كنا نتغنى بما يعانيه أبناؤنا من بطش المحتل الغاشم، من الرعب المخيم على قلوبهم، والخوف الجاثم في صدورهم، نرقص على تهاويم عمالة الأطفال التي انتشرت بكثرة هذه الأيام، على أغنية التسول في الطرقات، على جنون مخلفات الاحتلال وبتر الأضلاع وغزة تئن على طفولة غابت عنها الشمس.

أي لعنة تعيشها غزة، والانقسام أودى بحياتها، التفكك الأسري كحبات المسبحة المقطوعة صار يتهاوى شيئاً فشيئاً والطفولة بينهما تنحني للريح، وتهوي في قيعان سحيقة. حتى أضحى حالنا كتلمود ملعون، والكل يهتف بالحق في الحياة، وبيوم الطفولة الفلسطيني ويوم اليتيم، نُحيي الليالي في تضاريس العتمة على القراءة والتربية التي لم يعد منها سوى الأسماء. والأطفال يستيقظون وينامون ويأكلون بلا انتظام، كحال ساعة توقفت بطارياتها، لأن أطفالنا أسرى للكهرباء، ينتظرون مشاهدة هذا المسلسل الكرتوني أو ذاك إلا أن الكهرباء تحول دون رغبتهم، فيستيقظون مع أول فلاش ينير دهاليز المنزل. ونحن لا حول لنا ولا قوة سوى الموافقة، رغم أن ذلك يخالف كل تعاليم الكون. وما زلت أذكر ذلك الفلسطيني الذي تم طرده لأنه قام بملاعبة طفل تركه أبواه في المنزل الذي يقطنه معهم حتى وقت متأخر عن ميعاد نومه، فما كان من الدولة المضيفة إلا أن طردت ذلك الفلسطيني لأنه أخل بالأمن القومي لديهم، فتغيير نظام النوم لدى ذلك الطفل يعتبر جريمة لا تغفرها القوانين والأنظمة، وأتساءل الآن: ألا يجب طرد كل مسئول عن أزمة الكهرباء في بلادنا؟ ألا يجب لعن كل مجرم تلاعب بالشعب من أجل مكاسب سياسية لصالحه؟ ألا يجب محاكمة كل من يعنّف أبناءه بصورة قاسية وقاتلة؟ ألا يجب اعتقال من يدفعون بأبنائهم وبناتهم نحو التسول والسرقة؟ ألا يجب أن نقولها بكل صراحة، إننا لم نعد نثق بأيٍ كان؟ وبأننا نحتاج الطفولة كأطفالنا العجائز، ثم من الذي سيغيثنا، إن كان أربابنا في نوم الموات؟ والطفولة تتهاوى بقيمها وروحها وآدميتها. فلا رحمة في قلوب هؤلاء، ولا رحمة في قلوبنا.

إنها دعوة لكم جميعاً في يوم الطفل الفلسطيني، أيها الحكام، أيها الآباء، أيها المربون، أيها المعلمون، أيها الساسة، أغيثوا أبناءنا بالله عليكم، ارحموهم حتى لا نندثر كعاد وثمود... والله المستعان.

               

* عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين