أحكام القضاء لمعاقبة العملاء وحماية المقاومة أم العكس
أحكام القضاء لمعاقبة العملاء
وحماية المقاومة أم العكس...؟؟
حسان القطب
لطالما حدثنا حزب الله ونبيه بري وميشال عون وسائر الحلفاء عن أن القضاء الدولي فاسد يسعى لتحقيق أهداف سياسية ويخدم المصالح الأميركية والأطماع الإسرائيلية، ولا يسعى لتحقيق الحق ولا العدالة ولا الاقتصاص من المرتكبين..وأن رفض هذه القوى للمحكمة الدولية نابع من هذا المنطلق فقط، فكل ما يعنيهم باعتبارهم رموز المقاومة والتغيير والإصلاح، والسلطة التشريعية، والقوى الوطنية والإسلامية، هو حماية سيادة لبنان واستقراره ومنع القوى المتطرفة من العبث بأمنه، إضافةً إلى تثبيت دوره في محور الممانعة كونه طليعة الدول المقاومة..والمحكمة الدولية التي أنشئت كانت فقط بغرض استهداف المقاومة وجمهورها والقضاء عليها لا للاقتصاص من المجرمين..
ولكن طالعتنا منذ فترة جملة قضايا وأحكام قضائية وممارسات في أروقة المحاكم دفعتنا جميعاً في لبنان للتساؤل عن مغزاها، إلا أننا لن ندخل في تفاصيل هذه الأحكام وحيثياتها، ولكن يبقى من حقنا كمواطنين معنيين أن نستعرض بعض هذه الأحكام التي صدرت وتلك التي لم تصدر، ومنها قضية الموقوفين الإسلاميين وغيرهم وعددهم يتجاوز (600) بعضهم ممن لم يحكم عليهم بعد منذ سنوات ومع ذلك ما زالوا قيد التوقيف والتحقيق وضحية المحاكمة البطيئة والتأجيل المتواصل لجلسات المحاكمة لأسباب وأعذار شتى.. لكن الغريب أن مدة توقيف العميد المتقاعد فايز كرم المتهم ثم المحكوم بتهمة العمالة لإسرائيل كانت قصيرة جداً وتم استعجال المحاكمة والتعجيل بإصدار حكمها من محكمة البداية وصولاً حتى التمييز بسرعة قياسية، والعقوبة التي أعلنتها المحكمة العسكرية وقضت بسجنه مدة سنتين فقط رغم سجله الطويل في التعامل مع إسرائيل كان ملفتاً للنظر، إضافةً إلى عدم حرمانه من حقوقه المدنية كما جرى مع سواه، وهذا بالفعل ما يدفعنا لمناقشة ما يجري في كواليس القضاء وطبيعة الأحكام التي تصدر والسؤال عن الجهة التي أطلقت وروجت فكرة المحاكمة السياسية بحق المحكمة الدولية ثم تتجاهل ما يجري في لبنان وقضية كرم مثال صارخ، والتساؤل عن مدى صحة تدخل القوى السياسية في عمل القضاء والتأثير عليه، وعن حقيقة استهداف قوى ومجموعات ومكونات لبنانية بموجب محاضر اتهامات، ومن ثم تأخير المحاكمات، وعن التلويح بسيف المحكمة والقضاء العسكري للترهيب، ولا بد مع ذلك من الإشارة إلى بعض الأحكام التي صدرت بحق من أطلق صواريخ على إسرائيل بدافع المقاومة وتحرير الأرض بعد أن تشجيعهم واستدراجهم بخطابات ومهرجانات وتصريحات تدعوا للمقاومة والتحرير. ومن باب الاستيضاح أليس حزب الله من دعا إلى مسيرة جماهيرية يوم الأرض في 30 آذار /مارس الماضي لتشجيع الجماهير على العمل والدعوة لتحرير فلسطين وعبور الحدود إلى الأراضي المحتلة ومواجهة جيش الاحتلال دون خوف أو وجل..كما جرى في بلدة مارون الرأس العام الماضي وعلى جبهة الجولان المحتل في سوريا أيضاً..بناءً على هذا المنطق كان يجب محاكمة من دعا للتظاهر ومحاكمة الشهداء والجرحى....؟؟؟؟؟؟ ومن الأمثلة التي لا بد من الإشارة إليها:
- في حالة تعامل مماثلة وفي 17/2/2012..(حكمت "المحكمة العسكرية الدائمة" في لبنان برئاسة العميد نزار خليل الجمعة بالإعدام وجاهياً بحق الموقوف هيثم السحمراني وغيابيا في حق ساهرة السحمراني وزوجها محمد أمين خزعل وإنزال عقوبة الأشغال الشاقة مدة سنتين في حق راغدة ضاهر في جرم التعامل مع العدو الإسرائيلي بحسب ما أفادت "الوكالة الوطنية للإعلام" في لبنان. من جهة ثانية أرجأت "المحكمة العسكرية" الدائمة إلى الثاني من آذار/مارس المقبل متابعة محاكمة العميد أديب العلم وزوجته حياة صالومي في جرم التعامل مع العدو الإسرائيلي بسبب تقديم وكيل حياة معذرة طبية.
- مجموعة (13) التي تم اتهام أفرادها وعددهم 13 بإطلاق الصواريخ على فلسطين المحتلة ودعم المقاومة العراقية، فقد تم توقيفها والحكم على بعض أعضائها بأحكام قاسية وصل بعضها إلى 15 سنة مع الأشغال الشاقة، ولكن الأهم أن مدة التوقيف والمحاكمة قد استغرقت ما يقارب من خمس سنوات لذا فقد أفرج عن بعضهم بعد توقيفهم مدة كافية إبان فترة التحقيق تجاوزت فعلياً مدة العقوبة والحكم..ومع ذلك ومنذ مدة قريبة كانت بعض وسائل الإعلام المحسوبة على هذا الفريق لا تزال تكيل الاتهامات المتنوعة لهذه المجموعة وتعتبر أن الأحكام التي صدرت بحقها كانت خفيفة وكان يجب تشديدها..؟؟؟ وكيف يعاقب العميل بسنتين حبس، مع الحفاظ على الحقوق المدنية، ويعاقب من يمارس فعل المقاومة التي يحدثنا عنها نصرالله كل يوم عقوبات شديدة..دون أدنى اعتراض من جانبه أو حتى تسجيل تحفظ..؟؟
- بعد توقيف واعتقال دام حوالي السنتين بهدف التحقيق واستكمال الملف للمحاكمة، وفي عام 2008، (أعلنت المحكمة العسكرية الدائمة براءة اثني عشر متهماً من جريمة التخطيط لمحاولة اغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، للشك ولعدم كفاية الأدلة بحقهم، وجرمت عدداً منهم بتهمة تأليف عصابة مسلحة وتسليح اللبنانيين بهدف الاقتتال والاتجار بالأسلحة).
- في عام 2009، (أطلقت المحكمة العسكرية العنصر في "المقاومة الإسلامية"، الجناح العسكري ل"حزب الله"، مصطفى حسن مقدم (23 عاماً)، بعد أقل من سنة على توقيفه بتهمة "القتل عن غير قصد بسلاح حربي غير مرخص"، الذي أودى بحياة الملازم الأول الطيار سامر حنا في طوافة عسكرية كانت تحلق في أجواء تلة سجد في الجنوب في 28/8/2008.ونقلت صحيفة "النهار" عن مصادر رسمية "أن المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن نزار خليل وافقت على طلب تخلية الموقوف مقدم، بكفالة مالية مقدارها عشرة ملايين ليرة لبنانية. وأضافت "النهار" أن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر عارض التخلية، لكن قرار المحكمة بقي نافذا وأطلق الموقوف. وأثار قرار الإفراج انتقادات، أبرزها من وكيل عائلة حنا النائب بطرس حرب، الذي وصف ما حدث بأنه "يشكل فضيحة، إذ من غير المعقول، ولم تمر سنة على ذكرى قتل الضابط الشهيد أن يحصل ما حصل". )..
هذه نماذج متعددة ومتفاوتة عن أحكام متنوعة تظهر أن هناك تباين في تعاطي السلطة مع الملفات القضائية، إذ لا يعقل أن يحكم متهم بجرم التعامل لمدة سنتين، وآخر بالإعدام بالتهمة عينها، ولا يجب أن نتجاهل أن فايز كرم هو عميد متقاعد في الجيش اللبناني وهذا مما يضاعف جريمته وهل هناك جرم أكثر وأشد خطورة من الخيانة..؟؟ كذلك نرى بوضوح هذا التناقض في طريقة التعاطي مع ملفات متنوعة ومختلفة مما يستدعي إعادة النظر في هذا الأداء لتصحيحهن وإعادة الثقة بالنظام القضائي اللبناني وتحديداً العسكري، إذا كان استمراره لا زال مبرراً حيث أن الكثير من السياسيين يطالب بإلغائه والاستناد فقط إلى القضاء المدني الخاضع للسلطة القضائية وأجهزتها الرسمية.. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه... هو كيف يمكن أن يكون شعور المقاومين والجرحى والمصابين بإعاقات دائمة وجرحى حرب الاحتلال وضحايا سجون الاحتلال والتعذيب وأهالي الشهداء وهم يرون أن متهم بالتعامل ربما قد يكون مسؤولاً عن معاناة واستشهاد أبنائهم إبان فترة الاحتلال هو خارج السجن الآن دون تفسير منطقي ودون رد فعل حقيقي وموقف صريح من حزب الله الذي يعتبر نفسه المقاومة بحد ذاتها ومسؤول عن أبنائها وشهدائها..؟؟ وهذا سؤال نضعه برسم كل من يتحدث عن معاقبة ومحاسبة العملاء.؟؟ وبرسم كل من طرح موضوع تسييس المحكمة الدولية من باب التشكيك في حين يتجاهل هذا الفريق عينه كل ما ورد أعلاه من تناقضات تتطلب الكثير من الدرس والتمحيص...