الدجل العربي في سوريا إلى متى
حسام مقلد *
لا شك أن عجز الجامعة العربية وفشلها الذريع في وقف إراقة دماء السوريين طوال كل هذه الأشهر يثير حيرة وشكوك الكثيرين، بل يفجر غضبهم الشديد إذا ما قورن موقفها المتباطئ من الثورة السورية بموقفها الناجز السريع من الثورة الليبية، خاصة وأننا نرى التخاذل والتباطؤ الرسمي العربي يتخذ أشكالا عدة ربما تصل إلى درجة التواطؤ، وإلا فليفسر لنا جهابذة الجامعة العربية سر منح بشار ونظامه القمعي المستبد المهلة تلو الأخرى رغم أن العالم أجمع يشاهد إصراره وإصرار نظامه الفاسد على التعامل بوحشية مفرطة مع المتظاهرين السلميين، وقتله لعشرات المحتجين العزل يوميًّا!!
وقد أقرت الجامعة العربية مؤخرًا بوجود قصور كبير في إمكانيات بعثة المراقبين العرب في سوريا، واعترفت بحاجة هؤلاء المراقبين إلى مزيد من التدريب على القيام بمهام عملهم، لكن الغريب أنها أكدت أن سحب المراقبين من سوريا ليس مطروحًا الآن!! بل شددت على أنهم سيواصلون عملهم وفقًا للبروتوكولات المتفق عليها مع الحكومة السورية، وذلك على الرغم من أن الشعب السوري على الأرض قد أكد مرارًا أن نظام الأسد لا ينفذ هذه الاتفاقات، وأنه يواصل قمع المظاهرات السلمية بكل شراسة، مما يؤكد أن مهمة المراقبين غير فعالة، وأنها لن تسفر إلا عن منح بشار ونظامه المزيد من الوقت لمواصلة قمع السوريين وقتل الثوار، وهذا هو ما تؤكده كذلك الأنباء الواردة من الصعيد الميداني حيث ما تزال قوات أمن نظام البعث وشبيحته يقتلون يوميا وبكل وحشية عشرات الشهداء في مختلف المدن السورية كحمص وإدلب وحماة ودير الزور ودرعا وغيرها! الأمر الذي دفع قائد "الجيش السوري الحر" العقيد (رياض الأسعد) لدعوة الجامعة العربية إلى إعلان فشلها في سوريا، وإحالة الملف السوري إلى الأمم المتحدة.
ومظاهر التشكيك في قدرة بعثة المراقبين العرب على إنجاز مهمتها لا تقتصر على المعارضة السورية أو النشطاء السوريين وحسب، وإنما تمتد عربيًّا ودوليًّا لتشمل الكثيرين من النخب السياسية فقد أعرب (البرلمان العربي) عن قلقه البالغ تجاه ما يجري من مذابح يومية في سوريا، ودعا إلى سحب المراقبين العرب منها فورًا، وأكد وزير الخارجية الفرنسي (آلان جوبيه) أن بعثة مراقبي الجامعة العربية ليست قادرة على أداء عملها بشكل صحيح، وطالبت واشنطن المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد بشار الأسد ونظامه.
وعلى المستوى الإنساني وبعيدًا عن التصريحات السياسية فلا شك أن أجواء قاتمة من الإحباط والتشاؤم تخيم على السوريين، وتنتابهم جميعًا مشاعر الألم ومرارة الإحساس بخيبة الأمل نتيجةً لخذلان الأشقاء العرب لهم، وتجاهل العالم كله لمحنتهم ومأساتهم المروعة ودمائهم التي تسفك وأرواحهم التي تزهق يوميًّا على مدى عشرة أشهر كاملة!!
وأكثر ما يثير غيظ السوريين، ويبعث دهشة واستغراب كل من يتابع أخبار الثورة السورية عبر جميع وسائل الإعلام العالمية أن التقرير الأوَّلي الذي قدمه المراقبون العرب يساوي بين الجلاد والضحية، حيث يساوي بين الجرائم البشعة والمجازر الوحشية التي يرتكبها زبانية النظام السوري بحق المدنيين العزل الأبرياء وبين محاولات بعض الشباب السوري الدفاع عن أنفسهم ونسائهم وأطفالهم، وإنقاذ أرواحهم من الموت!! (علمًا بأن أغلب أو كل هؤلاء الشباب هم من الجنود المنشقين عن الجيش الذين رفضوا قتل أبناء شعبهم، وامتنعوا عن إطلاق النار على المتظاهرين العزل الأبرياء، وهربوا من وحداتهم العسكرية نجاة بأرواحهم من القتل).
والأغرب أن وزراء الخارجية العرب رغم اعترافهم بقصور بعثة مراقبيهم في سوريا، وقلة خبرتها، ونقص إمكانياتها التقنية، ورغم اعترافهم بتعويق النظام السوري لها وإعاقتها عن ممارسة عملها ـ رغم كل ذلك إلا أنهم أصروا على كرمهم الحاتمي في التعامل مع سفاحي حزب البعث السوري، ومنحوا بشار ونظامه أربعين يومًا إضافية أخرى ليقتل المزيد والمزيد من السوريين حتى موعد اجتماعهم القادم يوم الأحد 19فبراير (شباط) لمناقشة التقرير المفصل لبعثة المراقبين، وإذا استمر معدل القتل في سوريا على الوتيرة الحالية بمتوسط خمسين شهيدًا يوميا، فبحسبة بسيطة يكون أمام بشار فرصة كبيرة لإنجاز مهمته وقتل ألفي سوري آخر؛ وبذا ترتفع رسميا حصيلة الشهداء الموثقين إلى نحو عشرة آلاف شهيد!! ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم!!
إن أكثر ما يثير الأسى والحزن في قلب كل عربي أن الأنظمة العربية بقادتها وسياسييها لا يريدون الاعتراف بأن العالم قد تغير، وأن العصر قد تغير بالفعل، وما زالوا يعاملون شعوبهم ومواطنيهم على أنهم قطيع من الحمقى والمغفلين، ولا زالت حياة الإنسان العربي بلا قيمة، فما تزال الدماء تراق، والأنفس تزهق، والأعراض والحرمات تنتهك، والنساء تغتصب بلا وازع من خلقٍ أو ضمير، وبلا خوف من أية محاسبة على هذه الجرائم، فالسفاحون مرتكبو هذه الجرائم في غاية الاطمئنان على مصيرهم ومستقبلهم ما دام هناك من يحميهم ويدافع عنهم ويتستر على إجرامهم، ويتذرع لهم بكافة الذرائع والحيل: باسم المقاومة والممانعة حينًا، وباسم القومية العربية حينًا آخر!!
وإن كانت كل هذه المناورات وكل هذا الدجل محبطًا للكثيرين على المستوى السياسي، إلا أننا على المستوى الإيماني نلمس ارتفاع الروح المعنوية بشكل ملفت لدى الشباب والثوار السوريين، ونلحظ بوضوح تام صدق عزيمتهم وقوة إرادتهم، وإصرارهم الحازم على نيل حريتهم وكرامتهم، وثباتهم الراسخ على مواقفهم، وتمسكهم القوي بجميع أهدافهم، ولعل ما يشد أزر أبناء الشعب السوري ويقوي عزيمتهم أن الله تعالى معهم لأنهم على الحق، فهم يدافعون عن أنفسهم وكرامتهم وحقهم في حياة حرة كريمة!!
وخير ما نقوله لهم ونذكرهم به قول الله تعالى: "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ*" [آل عمران: 139،140] وقوله عز وجل: "إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" [محمد:7] وقوله جل شأنه: "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" [الصف:8] وقوله سبحانه وتعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ*" [المجادلة:20،21] وقوله عز وجل: "إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" [آل عمران:160].


* كاتب إسلامي مصري