كلمات لا توجد في قواميس الثورة
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
عندما تصبح عوامل الثورة جاهزة لدى أي شعب أو حزب أو فصيل أو حتى فرد , تخرج الثورة عندها كالبركان , فعندما نتتبع مسيرة البراكين الأرضية , وعوامل انفجارها والسبب المؤدي لذلك , فهي من ناحية مدمرة لما حولها ولكن من ناحية أخرى هو التقليل من الضغط الهائل في عمق الكرة الأرضية وحتى لايحصل لهذا الكوكب انفجار تتناثر أجزاؤه في الكون , والبركان هو خير على العموم وشر على الخصوص
فالثورة تخرج نتيجة ضغط كبير متعدد الطبقات والجدران والأسس , والعوائق الصخرية والفولاذية , والنفسية والإجتماعية والإقتصادية , وعندما تنفجر الثورة فهي لاتبالي ولا تحسب أي حساب للخسائر , ففيها يكون ضرر قليل مقارنة بالفائدة العامة والتي ستكتسب نتيجة انفجار الثورة
لنبدأ من الفرد الثوري , لايوجد في قاموس الفرد الثوري كلمة رجاء من العدو , ولا استغاثة , وبناءاً على ذلك توجد قاعدتين رئيسيتين عندما يتم اعتقال أي شخص ثوري
الأولى تعتمدها عصابات المافيا أثناء التحقيق والتعذيب وهو الصمت المطلق وعدم الاجابة عن أي سؤال وعدم الصراخ
والقاعدة الثانية تعتمدها العصابات الثورية , فالثوري المعتقل أثناء التعذيب والتحقيق , لاينطق بأي كلمة رجاء وطلب رحمة وطلب استغاثة من الجلاد , فالجلاد والمحقق , كلما سمع من المعتقل الاستغاثة والرجاء كلما شعر في داخله بالسادية والفخر , فيزيد من تعذيب المعتقل , ولكن ان وجد المعتقل صامت لايستغيث ولا يترجى ولا يتوسل , ينقلب الجلاد لأصله المازوخي أو المنحط والذليل , ويزداد ذل الجلاد في هذه الحالة خصوصاً إن قوبل بالشتم والتهديد من الذي يقع عليه العذاب , وينتقل بذلك الخوف من نفسية الثوري إلى نفسية جلاديه .
غالبية الثوار هم مسلمون والمسلم يتساوى عنده الموت والحياة في حالة الحرب , وموعود بالجنة ونعيمها , وبالتالي عليه أن يكون قوياً متحدياً لامستغيثاً , وعندما يخاطب الآخرين أو يكتب وينشر أفكاره عليه أن ينطق بالتحدي ويكتب عن النصر ويكتب عن القوة والعزيمة والصبر والثبات وأن النصر بأيدينا نحن نصنعه وليس غيرنا
يكتب الكثير من الأخوة في تعليقاتهم حديث ودعاء وهو بالحقيقة هذا الحديث غير صحيح وهو الدعاء الوارد (اللهم إليك نشكوا ضعف قوتنا وهوان أمرناعلى الناس ........الخ) , فلو طبقنا هذا النص على حال الرجل الثوري أو الثوار , فلو كان الضعف موجود عندهم وهوانهم وانحطاطهم لدرجة متدنية جداً من الهوان , فليس من المعقول أن ينطلق من هذا الضعف ثورة , والحقيقة تكون أن هؤلاء أقوياء ولولا القوة والعزيمة والايمان التي بداخلهم مانفجرت الثورة كما أن البركان لو لم يكن قوياً ماكان لينفجر أبداً
نلاحظ كثيرا هذه العبارات , حمص أبيدت ودرعا ذبحت , وجبل الزاوية نسفت , ودير الزور انمسحت واللاذقية دمرت , وريف دمشق ودمشق وحماة انتهت , فالمتتبع لهذه الكتابات إن كانت عزيمته بلغت القمة فقد تهبط عنده إلى الصفر , وهذه الأمور من أخطر المهالك والمسالك والتي تتعقب الثورة , وهو السلاح النفسي الفتاك , فالحرب يتم حسمها بقوتين لاثالث لهما , هي الوسيلة والعزيمة , وعندما تضعف العزيمة فالوسيلة عندها لاتعني شيئاً ولو كانت قنبلة نووية , وهذه الكلمات لاتوجد في قاموس الثوار , وإنما فقط في قاموسهم , مهما كانت التضحيات فالثورة مستمرة ولا يلتفتون للوراء فقط للخبرة وليس للتقهقر
إن ماأفهمه من الآية الكريمة (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتٌ بل أحياءٌ ولكن لاتشعرون ) , فالشهيد هنا يمنح الحياة لمن بقي على الأرض من إخوانه وحياته باقية في الأرض كما هي في السماء , وبالتالي فكلما كان الهدف أسمى كلما اكتسب تحقيقه جهداً وبزلا وتضحيات أكثر , والمنطق الايماني والمنطق الثوري هنا يتحتم علي كلمة التحدي للعدو وليس التصغير من قوتي وبالتالي عندما يكون صوت أحدهم مسموعا لامانع من ذكر اجرام العدو وفي نفس الوقت عليه أن ينهي كلامه بالآتي مستمرون حتى النصر فهي كلمة من قاموس الثورة وإننا نتحدى عدونا والنصر لنا , وليس القول إننا نعيش في رعب وقلق وخوف
عدونا يملك القوة والمال والعدد والثوار ضعفاء ولا يملكون القوة التي يملكها العدو , فهذه العبارة لاتعترف فيها أي ثورة , وإنما الثوار ينظرون لعدوهم أنه ضعيف ومهزوز ولا يملك القوة تلك وأي قوة عنده سيحطمها الثوار والنصر لهم , فالثقة بالنفس وإظهار هذه الثقة أمام العدو وأمام الآخرين يكون دافعا نفسياً قوياً للنجاح
وهنا الرجاء ولجميع الناشطين على الصفحات الثورية وعلى المواقع الاعلامية المسموعة والمرئية , التقيد بهذه الأمور الهامة .ويروج لها العدو وأعوانه للنيل من نفسية الثوار على الأرض , فهذا الوقت والتركيز على ذلك ووصول الثورة للذروة وبدأت قوات العدو في التمزق والتشقق و ينجح التحدي والعزيمة والتهديد والتركيز على الحرب النفسية
فكل سوري يعلم جرائم هذا النظام والممتد منذ خمس عقود ويزيد ولا يوجد جديد أبداً , وقد سبق ذلك جرائم أبشع مما يحصل الآن بأضعاف أضعاف المرات , وانفجرت الثورة للخلاص منه , فطالما قبل أبناؤنا وإخواننا وأخواتنا التحدي , فعليهم اظهار التحدي , فهم يقفون شامخين عمالقة جبارين على الأرض في تحديهم , وعليهم أن ينزعوا من قاموس ثورتهم الكلمات والتي لاتوجد في قواميس الثوار على مختلف مشاربهم وعبر التاريخ البشري كله.