ثائرات دمشقيات (2)
جامع البدر
عاصم العبد الله
طوال سنوات , اعتدت أن أصلي صلاة التراويح و التهجد في جامع بدر في منطقة المالكي ...ذكريات خاصة تربطني بهذا المسجد المتميز ..لكم سمعت عن عظمة من أنشأه و من قام على بنائه .
من أشد ما كان يربطني به هو تلاوة الإمام ماهر شخاشير و للقرآن الكريم بصوت شجي و رائع ..فيه الخشوع و الخضوع , فيه الصدق و الإيمان .
في هذا العام لم أشأ أن أصلي فيه لأني علمت بأن القناة "الدينية" الجديدة التي افتتحت بسعي من البوطي تنقل الصلاة منه ! لقد شعرت بأن الصلاة فيه ستكون مسيسة لصالح النظام المجرم ! مما نفرني منه ..كما أني كنت عاتبة جدا على أغلبية مشايخ مساجد دمشق الذين لم ينبسوا ببنت شفة دفاعا عن الحق و نصرة للشهداء و المعتقلين في سجون انتشرت في سورية كما ينتشر البعوض في فصل الصيف الحار قرب مستنقع آسن .
و لكن صدف أن صليت فيه عدة ركعات من صلاة التراويح في إحدى ليالي رمضان عندما كنت في زيارة لجدتي التي تقيم قريبا منه. و لكم حزنت و بكيت في تلك الليلة عندما تذوقت طعم الخشوع و الدموع و لكم اشتقت إلى هذا الشعور الغامر بالسلام الروحي الرائع!
و لكن لم أعد لأصلي فيه مرة أخرى لأني قد أبكي أكثر و أكثر.. ولأني سأتألم من رؤية المصليات اللواتي لم أشعر بأنهن يعشن في نفس الوطن الذي أعيش فيه ...الوطن الذي يعيش معاناته العظيمة قبل ولادة الحرية المنشودة!
هذا الشارع الذي يشمخ فيه المسجد ,هو شارع مشيت فيه و حفظته شبرا شبرا منذ طفولتي ..و كنت أمر من قربه كل يوم عندما أتوجه لمدرسة ساطع الحصري القريبة جدا منه.
كم من المرات ذهبت و أنا طفلة لألعب مع إخواني و أخواتي و أقاربي في حديقة الجاحظ التي تقع مقابله تماما,و هي من أجمل حدائق دمشق و من أحبها إلى نفسي رغم كثرة المتجولين فيها من الشباب و الشابات " الصايعين " في هذه الأيام .في الجهة الخلفية من المسجد يمر شارع ضيق, ثم نهر حفظت اسمه منذ صغري لطرافته ...اسمه نهر " تورو " هذا ما قالته لي عمتي يوما فضحكت بشدة, و هو فرع من فروع نهر بردى.
في ليلة التاسع و العشرين من رمضان , شعرت بأن هذا الشهر العظيم قد ولى , حزنت كثيرا لما فاتني من صلاة الجماعة في المسجد بسبب إعراضي عن الصلاة مع من لا يشعرون بما يجري لإخوانهم من حولهم , أو بمن يعيقهم الخوف فيشل عقولهم و أجسادهم و قلوبهم .قلت في نفسي , سأنسى هؤلاء كلهم و أستمع فقط لتلاوة الإمام المؤثرة و أكسب ثواب صلاة الجماعة في هذه الليلة الفضيلة و أدعو لكل من مات قلبه و ضميره بأن يصحو قبل فوات الأوان.
قررت أن أذهب لذلك المسجد مع صديقتي لحضور ختم القرآن الكريم في صلاة التهجد ..كان من الصعب أن أجد مكانا لأركن السيارة في هذا الوقت من الليل , لكني تمكنت من هذا بعد شيء من البحث .
خرجت من السيارة و توجهت نحو المسجد . في مثل هذه الليالي الفردية تكون الأرصفة عادة مزدحمة بالمصلين. حتى الحديقة الصغيرة التي تقع على يمين المسجد كانت تخصص في الأعوام الفائتة لصلاة النساء من كثرة إقبال الناس على الصلاة فيه في العشر الأواخر من رمضان ..لكني لم ألحظ نفس الازدحام خارج المسجد عدا قرب مدخل الرجال حيث وقف العشرات منهم يصلون على الرصيف بين الحديقة الصغيرة و باب المسجد .
توجهت نحو مدخل النساء فوجدت الباب مغلقا و كنت قد وصلت متأخرة جدا فلم يعد هناك وقت للتوجه نحو الباب الخلفي أو نحو الحديقة و كان الإمام قد بدأ بالدعاء .فقررت أنا و صديقتي أن نقف هناك و نؤمن على الدعاء لنكسب الأجر و لعل بعض الرحمات تصيبنا مع من غفر الله لهم و هداهم و كتب لهم العتق من النار . لكن وقوفنا هناك أربكنا قليلا . لم نكن نحن وحدنا من وقفنا قرب سور المسجد , بل كانت هناك بعض النساء المتأخرات مثلنا !
أمام باب مدخل النساء تماما و على الجهة المقابلة من الرصيف وقف أربعة شبيحة أو عناصر من المخابرات قرب سيارة واقفة هناك . كانت عيونهم على ذلك المدخل و ظهر أنهم يراقبون الباب بتحفز .
واحد منهم كان حليق الرأس بذقن طويلة كثة و سوداء. كان هنالك بعض رفاقهم أيضا يتوزعون حول المسجد ,بعضهم واقف في مكانه متحفزا و البعض الآخر يجوب المنطقة جيئة و ذهابا . لم أشعر بالارتياح أبدا لرؤية هؤلاء بل شعرت بغيظ شديد ..
كان خروج مظاهرة من هذا المسجد متوقعا جدا في كل ليلة و ذلك لموقعه الاستراتيجي و لرواده من التجار و المثقفين و أبناء العائلات الغنية من تلك المنطقة و ما حولها و لمكانته الخاصة بين الناس منذ القدم.
بدأ الإمام الدعاء بصوته المؤثر و الشجي و بدأت الدموع تنهمر دون توقف . كان صوت الرجال واضحا جدا و قويا في التأمين. دعا الشيخ بأدعية كثيرة , بالمغفرة , بالرحمة, بالعتق من النار ثم بدأ يدعو للشام بأن يرفع الله عنها البلاء و أن يحمي أهلها و أن يحقن دمائهم ..كان يدعو بتأثر بالغ ..ثم بدأ بالدعاء لغزة و ألحق هذا بالدعاء على اليهود و من والاهم !
و اشتد الدعاء قوة عليهم ..في تلك اللحظات ازداد صوت المصلين ارتفاعا و هم يقولون " يا الله ..يا الله " ..صوت يهز القلوب و يحرك الأشجان ..في تلك اللحظات كانت دموعي تنهمر بقوة ..و لكني كنت أختلس النظر إلى أولئك الخونة المتربصين بنا و كنت أتسائل ببراءة بالغة : " هل من الممكن أن تتحرك قلوبهم الجامدة فتخضع لله و لا تركع لأحد سواه ؟ هل من أمل في أن تتوب و ترجع عن آثامها ؟ "
كانت أسئلة ساذجة , أعلم هذا , لكني لم أستطع أن أتخيل قلبا لا يهتز لسماع هذه الأدعية وتلك الأًصوات تردد بجلال " يا الله ..يا الله " .. فكرت أنها قد تغيظهم لأنهم يسمعونها بقوة رهيبة من الرجال كما يكرهون أن يسمعوا نداء " الله أكبر " في المظاهرات فيتحولون لوحوش كاسرة تريد الفتك بمن أطلق صوته بذلك النداء ..لا أذكر أني قد رأيت تأثرا على وجوههم و لكن صديقتي أخبرتني لاحقا أنها رأت أحدهم يرفع يديه ليؤمن في آخر الدعاء ثم يمسح وجهه بيديه !
استمر الدعاء و ازداد التأمين قوة و شدة ..حتى تخيلت أن الإمام لن يُسلِّمَ خاتما الصلاة, حتى يهب الناس بالتكبير و ينطلقون في مظاهرة حاشدة تهز قلب مدينة دمشق ..بعد دقائق انتهى الدعاء ..و اقترب نحو باب النساء بشكل وقح جدا أحد أولئك الشبيحة الأنذال ليقف على يمين المدخل ..نظرت إليه فوجدته يحمل بيده شيئا أخفاه داخل كيس بلاستيكي أسود اللون بتحفز شديد و بوجه مكفهر قلق و متوتر ..كانت عيناه تحملقان في النساء و هن يخرجن من البوابة بأعداد كبيرة جدا ..
توقعت بأن يحوي هذا الكيس عصا معدنية أو كهربائية و لكم أزعجني مجرد التفكير بأن هذا المخلوق الحقير قد ينهال على النساء ضربا إن بدأن بالتكبير !! نظرت نحو شجرة مقابل الباب و تخيلت نفسي أكسر غصنا غليظا منها لأنهال ضربا عليه إن فعل ..أخبرت صديقتي بهذا فسخرت مني !
غير أني فكرت بأن أفعل هذا جديا لو حاول ضرب النساء ..وقف آخرون على مقربة من الباب ..و لكن هذا كان الأكثر وقاحة و جرأة على أن يقف هكذا بين سيل من الشابات و النساء الخارجات من المسجد ..بعد قليل ازداد المكان ازدحاما ..فعادة تنتظر النساء الرجال من أقاربهن أو أزواجهن حول هذا المدخل ..فابتعد الرجل مضطرا ! كنت أراقب بعينين متلهفتين خروج الرجال ...لكن الأمور كانت اعتيادية جدا ..
بعد حوالي خمس دقائق قررت أن أقترب أكثر من مدخل الرجال ..كنت أتوق إلى أصواتهم لكي تهتف بالتكبير و تطالب بالحرية و العدالة و تسقط الطاغوت الظالم ..مرت الدقائق و أنا متوجسة و أرى نظرات القلق و الخوف على الوجوه ..ثم فجأة علا صوت رائع " الله أكبر ...الله أكبر " كان هذا بعد أن بدأ الازدحام بالانخفاض نوعا ما ..توجهت بحذر و لكن بسرعة لأقترب من مدخل الرجال حيث خرج أولئك الأبطال من الباب المقابل للحديقة الصغيرة و توجهو نحو الطريق الذي يقع أعلى المسجد بسرعة شديدة ..
هنا تلاحقت الأحداث بسرعة كبيرة ...حيث صرخ الرجل الذي يعمل في الكشك المقابل للمسجد و يدعي " كشك يوبي " قائلا بأعلى صوته " يالله الحقوهم ...لا تخلوهم يهربوا " ..نظرت مقابلي فرأيت الناس تهرب فزعة وكأنه يوم القيامة !!!!
رأيت امرأتين ورجلا خلفهما في حوالي الخمسين من عمره ..فقلت لهم " تعو لنتفرج شو حيصير " فقال لي الرجل " لك شو بدك انتي ...روحي اهربي يالله ..يالله " كم تألمت عندما رأيت الرجال يهربون و النساء كذلك ..لم يكن الأمر مخيفا لهذه الدرجة لو أنهم وقفوا في أماكنهم و لو متفرجين ...شهودا على الإجرام الذي سيحدث ..و لن يكون لأحدهم حجة في إيذائهم أصلا لأن المظاهرة كانت قد انطلقت في الشارع العلوي باتجاه شارع الروضة ..
بدأت و صديقتي صعود هذه الدرجات المؤدية للطريق ..قلت لها " تعالي ...تعالي لنتفرج فقط !" هنا ظهر رجل بلباس أخضر داكن اللون و صرخ " يالله بسرعة ...لك جيبوهم " كان هناك بعض العناصر الذين لا يحملون في أيديهم شيئا ينظرون بذهول حولهم ..و هنا و في لحظات ظهر المتوحشون بلباس موحد أخضر اللون كما أذكر وفي أيديهم عصي غليظة و قصيرة سوداء ...هجموا راكضين وكأنهم جياع يجرون وراء فريستهم ! كان الشباب المتظاهرون في هذه اللحظات يمشون بسرعة كبيرة بل حتى يجرون متوقعين الهجوم الكاسح عليهم و هم يهتفون بشجاعة نادرة " هي و يالله و ما منركع إلا لله ..إرحل ..إرحل ..هو هو ...الشعب يريد إسقاط النظام " " سوريا حرة حرة ..بشار يطلع بره " كان عددهم حوالي المائة ...بينما كان عدد المصلين في المسجد حوالي الألفين من الرجال ربما و الألف من النساء أو أكثر!
لفت انتباهي هنا طفل صغير في حوالي الثامنة من عمره ..بدا لي و كأنه طفل متسول ..كان جميل الوجه و طيبا جدا ..عندما بدأ الشباب بالتكبير قال " الله أكير ..الله أكبر " ثم عندما بدأ الوحوش بالهجوم مكتسحين كل من أمامهم قال باكيا " الله يلعن بشار الأسد...حرام ..حرام ..لا تضربوهم " كنت أربد أن أخذه جانبا و أخفف عنه ..لكني أردت أيضا أن أرى ما سيحدث ..لن أدعي أني لم أشعر بالخوف ..لن أدعي أني لم أتردد قليلا ..و لكني كنت واثقة أني لا يجب أن أهرب ..ربما استطعت أن أفعل شيئا ..مهما كان صغيرا ..
أمسكت صديقتي بيدي فشعرت بيدها ترتجف بشدة ..و لكننا كنا نتقدم بقوة ..لم يكن هناك أحد سوانا و سوى بقية الهاجمين يتقدمون نحو ذلك المكان ...ترددت الكثير من صيحات الاستغاثة من نهاية الشارع ..كان أولئك المتوحشون يملأون الشارع ..طارد بعضهم المتظاهرين و وقف بعضهم الآخر على جانبي الرصيف .. على بعد أمتار قليلة من تلك الدرجات المؤدية من المسجد إلى الشارع..رأينا شابا ملقى على الأرض ...و حوله خمسة من الرجال ..كان منظره مؤلما جدا ...لم أر وجهه و لكن قدميه كانتا ملتويتين على الأرض بطريقة توحي بأنه في وضع خطير و فاقد للوعي ..لم نعلم من هؤلاء الرجال حوله !
طبعا توقعنا أن يكونوا من رجال المخابرات و خشينا عليه من القتل أو المزيد من الضرب !! كادت العبرات تخنقني ..فشجاعتي دعتني لتخليصهم من براثنهم الغادرة ...لكن عقلي منعني من الاقتراب لأن المكان كان خاليا سوى من أولئك المجرمين !!! اقتربنا بخوف و قالت لهم صديقتي : " الله يرضى عليكم يا خاله ..شوفوه شو صايرله " و عقبت قائلة " ماذا جرى له ..حرام الله يخليكم لا تعملوله شي .." فكرت لوهله بأن أقول بأنه قريبي و لكن خوفي من تلك الوجوه و الضجيج حولي يملأ المكان ..صراخهم المتوحش ..عويل الشباب المتظاهرين الذين أمسكوا بهم و انهالوا عليهم ضربا و شتما بالعشرات ..قلت لأختي " ليكون هادا ابن عمتنا ! الله يخليكم اسعفوه ..لاقوا شي سيارة " و قالت صديقتي " الله يخليكم الدنيا ليل حرام لا تضربوه " فقال احدهم " خلص روحوا انتوا " كانت دقات قلبي تتسارع و العرق يتصبب مني بشدة ..و تلاحقت أنفاسي و كتمت دموعي و كنت اردد بصوت خافت " الله أكبر عليكم ..الله أكبر عليكم "و كانت صديقتي تردد معي ..
عبرنا الشارع لنمشي على الجانب الاخر ..مررنا قرب الشبيحة و لم نستبعد أن يضربنا بعضهم أو أن يدفعونا ..أو يعتقلونا ..سمعنا صوتا أشبه بصوت الرصاص ..خشينا أن تصيبنا واحدة منها !
لكن خوفنا كان أقل من شجاعتنا التي أمدنا الله بها ..قلت لصديقتي بطريقة مقصودة : " نحنا ما دخلنا رايحين على بيتنا هون الطريق !! " عجبا عجبا ...والطريق كله فارغ عدانا نحن !!
فجأة ظهر مقابلنا حوالي عشرة من تلك المخلوقات المفترسة و هم يحيطون بشاب قد مزقوا قميصه الخارجي و الداخلي تماما ..و الدم يسيل على صدره العاري و وجهه و رأسه ! عشرة وحوش على رجل واحد !! صرخ واحد منهم " اضربوه على راسه " فضربه ثلاثة منهم على رأسه و هو يحاول أن ينحني ليحمي نفسه ! كم تمنيت أن أخلصه من بين أيديهم النجسة ثم أرميهم كلهم في النهر ليغرقوا بعد أن أوسعهم ضربا ..
ابتعدنا نحو الجهة الأخرى لنتجنب الاصطدام معهم ..هنا سمعنا صوتا لشابة تبكي و تتحدث بغضب و تأثر ..فإذا بها شابة أنيقة في العشرين من عمرها ..تقدمنا نحوها وهنا كانت تقول " ليش عمتضربوهم ..حرام عليكم ...شو عملو؟ !"
كان يقف أمامها حوالي أربعة رجال و رجل النظافة " الزبال " ..كان الزبال يريد أن يعلمنا دروسا في الوطنية !! هذا الزبال الذي يغدر بأهل حارته الذين طالما أكرموه بالنقود و الطعام و الملابس ...فكل الزبالين و بائعي الذرة و الباعة المتجولين أصبحوا شبيحة في مدينتنا !
نظرت باتجاه الشاب الذي كان ملقى على الأرض فإذا بسيارة صغيرة تقف في وسط الشارع و رجلين يحملونه و يضعانه بداخلها ....شعرت بقلق بالغ عليه ..فلم أعلم إن كان هؤلاء قد أنقذوه أم من المخابرات قد اختطفوه ...تمتمت في نفسي بدعوات من أجل سلامته ...كانت الفتاة لا زالت تستنكر ما يحدث فقال لها الزبال " مالك شايفه شو عميعملوا هدول الارزال ؟ " قالت له بقوة و الدموع تنهال من عينيها " أنا ساكنة هون و هدول ما علمو شي " قال لها " هدول عميخوفوكم مالك شايفة " قالت له بقوة " لا هنن ما عميخوفوني " ثم صرخت انا قائلة و قد فقدت صبري: " هدول ما عميخوفونا ..يلي عميخوفونا هنن يلي حاملين العصي و عميضربوا الشباب ! "
هنا نظر أولئك الرجال نحوي بتوتر و قلق شديدين لأن أصواتنا بدأت تجتذب البعض..حتى الناس في الأبنية على الشارع أخرجوا رؤوسهم من النوافذ ليتابعوا ما يحدث خائفين ..قال رجل آخر " هدول هنن يلي عميعملوا مشاكل و يخوفوكم " فأعدت جملتي بإصرار أشد " لا ...يلي عميخوفونا هنن هدول يلي حاملين العصي و هاجمين على الشباب.. " و أشرت نحو بعضهم الواقفين على جوانب الطريق !
هنا و في هذه اللحظات سمعنا أصوات انفجارات ثلاثة ...توقعت أنها قنابل صوتية ..فقال الزبال الخبيث المتفلسف " شوفوا سامعين شو عميعملوا هدول؟ ".
فقالت صديقتي : " موهنن يلي عميعملوا هيك " و قلت له :" مين يلي عميعمل هيك ؟؟ مين ؟ يلي قبل دقايق كانوا عميصلوا و يقولوا " يا الله ..يا الله " ؟! انتوا يلي عمتعملوا هيك ".
هنا رأيت امرأتين في متوسط العمر و معهما رجل تقفان على جانب الرصيف ربما كانوا من سكان البناء أو ربما كانوا مثلنا ... ولكم احترمت وقوفهم هنا بعد أن هرب الجميع !
اقترب ذلك الرجل و قال لنا : " يالله يا اختي روحوا الله يخليكم معلش هيك ما بيصير ...روحو الله يرضى عليكم " و لست أذكر أبدا ما الذي قاله لي و ذكر فيه كلمة "رجال" فغصبت بشدة و قلت له " أصلا وين رجال الشام ..وينهم ؟؟ هربوا ما هيك ؟ أصلا لو كان في رجال ما كان صار هيك و لا كنا نحنا وقفنا هون ! ".
هنا أمسكت بيد الشابة الباكية وطلبت منها أن تهدأ و تمشي معنا حتى لا تبقى بمفردها في ذلك الوقت المتأخر ..سمعنا عندما هممنا بالانصراف أولئك العبيد يهتفون لربهم الذي لن ينفعهم يوم يحاسبهم المظلومون قائلين : " الله سوريا بشار و بس " و هم يحكمون قبضات عشرة مسلحين منهم على رجل أعزل واحد ! قلت بصوت خافت .." الله يلعنكم " و بدأت أتمتم بدعوات كثيرة عليهم و لعنات يستحقونها بجدارة ! كان أولئك الغوغاء يقفون مقابل منزل الشابة فطلبنا منها أن تركب معنا في السيارة لكي لا تمشي وحيدة حيث نبهنا شاب واقف بعيدا عن المسجد بعدم الاقتراب منه ..فقد تجمعت قربه حوالي ثلاثة باصات والعشرات من أولئك المجرمين و هم يصرخون و يجرون كالكلاب المسعورة حائرين ماذا يفعلون ...ركبنا جميعا في السيارة و نحن نردد الدعوات عليهم و الرجاء من الله سبحانه و تعالى بأن ينقذ الشرفاء الأبطال من بين أيديهم القذرة ..أوصلنا الشابة الشجاعة لمنزلها و اطمأننا عنها حيث كان أخوها بانتظارها ..و بينما كنا نمر من قرب المسجد فإذا بقائد الشبيحة يصرخ عليهم ..كانوا يتشاجرون فيما بينهم ..ربما لأنهم فشلوا في قمع المظاهرة من بدايتها فسمع الناس كلهم هتافات اسقاط النظام !
رأينا هنا شابتين تمشيان و الدموع تنهمر من عيني إحداهما..فتحت نافذة السيارة و طلبت منهن أن يركبن معنا لكي نوصلهن ..فقلن لنا بأنهن ذاهبات نحو سيارتهن ..و سألناهن إن كن بخير فأجابت إحداهن " هدول المتوحشين هجموا علينا لأننا كنا عمنصور شو صار من بعيد و مسكونا بعنف و همجية و سبونا كتييير و اخدوا مني الموبايل و حذفوا كل شي صورته ..حتى دعاء الشيخ داخل المسجد " ..انطلقنا بعد ذلك في الطريق نحو المنزل ..فأخبرتني صديقتي بأنها رأت شابا يصور بجواله قرب الجامع عند بداية المظاهرة ..ربما كان هذا فعلا لا شعوريا من قبله ..فهجموا عليه بوحشية و ثبتوه على جدار المسجد و انهالوا عليه ضربا حتى لوث دمه قمصانهم !!!
كما علمت من بعض شهود عيان آخرين مروا قرب المسجد بأنهم رأو عصابات الأسد المتوحشة توسع بعض الشباب ضربا داخل أحد الباصات ! كم آلمني هذا ..لأني لم أستطع أن أفعل الكثير للمساعدة !! و لكن الخبر الذي أسعدني كثيرا هو أن شابتين غاية في البطولة و الإنسانية هن اللواتي أنقذن الشاب الملقى على أرض الشارع حيث طالبوا من حوله بأن يتركوه لكي يأخذوه و يسعفوه بسيارتهن..قال لهم هذا الشاب عندما وضعوه في السيارة و هو في حالة يرثى لها:" وين موبايلي ؟ شو صار ؟ طلعت المظاهرة ؟ ليش أنا هون ؟ شو صار ؟ " أسعفته تلك الشابتان إلى منزل طبيب قريب لهن ..و أعادوه إلى منزله بعد
عدة ساعات ....و علموا من أهله في اليوم التالي أن نوبات من الهلع كانت تصيبه فجأة جراء الضرب على رأسه في أغلب الظن !!
بعد كل ما حدث في تلك الليلة ,عدت إلى منزلي و الدموع تملأ عيني و تغسل وجهي خوفا على أولئك الشباب..دعوت الله بأن ينجيهم ويرحمهم ...و ملأ قلبي حزن عظيم و ألم كبير لأن رجال دمشق قد خذلوا أولئك الشبان الأبطال ..و الله إن الواحد منهم ليساوي ألفا بشجاعته النادرة , بعزيمته و إيمانه و قوته ..
قلت في نفسي " حتى متى ...حتى متى يا شباب دمشق ..يا رجال دمشق ..يا تجار دمشق ..يا أبناء الشام ستتركون هؤلاء يلقون وحدهم ما يلقون من التعذيب و الألم و السجن و القتل ؟! حتى متى ستتركون إخوتكم في المدن الأخرى يذبحون و أنتم جلوس تنظرون ..على الأرائك متكئون ! لو أنكم هببتم جميعا رجالا و نساءا ..أو دعت كل امرأة والدها و زوجها و ابنها و أخاها للخروج لما استطاعوا أن يقتلوكم جميعا ...لكن ذنوبكم و حبكم للدنيا الفانية جعلكم تتثاقلون إلى الأرض ...قوموا قبل أن يكره الله انبعاثكم فيثبطكم ..
قوموا قبل أن يستبدلكم الله بقوم غيركم ..يحبهم و يحبونهم ..أذلة على المؤمنين ." أعزة " على الكافرين ...اغلبوا خوفكم ...فهؤلاء الشباب ضحوا بأرواحهم لكي يحركوا ما مات من عزائمكم فتركتموهم وحدهم يلقون ما يلقون ! قوموا فها هي نساء دمشق قد نفضت عن قلوبها الخوف و لم ترض بالظلم و الكقر و الإذلال ..كيف سكتم بعد أن نال جامع الرفاعي ما ناله من الأذى و التدمير ..
و نال شيخه و إمامه الكبير الشريف الضرب و التنكيل ...و قتل أخ لكم في المسجد قبل يومين و أصيب آخرون و اختطف غيرهم الكثير و عذبوا و أوذوا أذى شديدا !! كيف ذكرتم ربكم وآمنتم به فدعوتموه بأصوات رجت الأرض من تحتكم و هزت السماء من فوقكم ,ثم نسيتم بعد دقائق أنه سينصركم إن نصرتموه ؟ كيف نسيتم أن الله يكثركم في أعينهم و يقللهم في أعينكم ؟؟ كيف نسيتم أن الله يمدكم بجنود لا ترونها ؟ كيف نسيتم أنه لا يرد سائله و لا يترك من أخلص له النوايا ! قوموا قبل أن يطبع على قلوبكم ...ثم تندمون حين لا ينفع الندم ! قوموا فقد شارف وقت أداء الفريضة على الانتهاء !
شاهدة عيان
بقلم نسائم الحرية
كيف تسقط النظام بدون معلم - للمبتدئين فقط الشام وحلب - عاصم العبداللــه
لايمكننا أن ننسى أن الشرارة الأولى كانت حادثاً بين مواطناً والشرطة في الحريقة التي جمعت حوالي 3000 شجاع بأقل من نصف ساعة وهتفوا بهتاف تميزبماركة مسجلة لثورتنا: "الشعب السوري مابينذل".
بعدها أنطلقت عدة مظاهرات في الأموي والأحياء الملاصقة ولكن الأمن حاول أن يتفرغ لقلبي الشام وحلب لخوفه الشديد من المفعول السحري لتلك المحافظتين، هذا أيضاً لايعفيهما من العتاب لتأخرهما بالتماشي مع قطار الثورة...
تلك كانت للتذكرة لأجل العودة على بدء وفعل التالي:
1- استغلال قيام المسيرات المؤيدة في ساحة الأمويين التي يتجمع فيها الموظفين والأمن، هذا يعني أن الأمن قد حصر ذاته لأنه سيكون من الصعب جداً الإنتقال من مكان إلى آخر حتى ينفضوا.
2- في هذه الأثناء يجب أستغلال الأسواق المزدحمة والأحياء الشعبية والبدء بمجموعات صغيرة منسقة بين بعضها ويفضل أن تكون هناك مظاهرة منسق معها ضمن الحي المجاور والتنسيق مع التنسيقيات مع باقي المناطق والأحياء والمحافظات، عنصر التزامن غاية في الأهمية.
3- إن حضر الأمن عليكم بترهيبه لأنه أخوف مماتتوقعون والركوض نحوه والهتاف بالله أكبر فسيهرب من تلقاء ذاته، فالأمن مدرب على أن لايهاجم أحد إلاضمن مجموعات، فالحرص ثم الحرص على التكاتف وعدم ترك أحدنا لقمة سائغة
4- المخاطرة جداً قليلة لأن الأمن سيكون محصور في مكان واحد والسجون ممتلئة وإذا تكاثرت التظاهرات على نحو دراماتيكي أي من تعداد قوامه مئة ألف فمافوق سيكون معجز تماماً للأمن (راقبوا حماه التي أسقطت النظام عملياً قبل إقتحامها).
5- على موظفي الدولة والقطاع الخاص الهروب إلى الأسواق في منتصف المدينة والإزدحام وإشعالها هناك، وعدم الخوف من الطرد من الوظيفة لطالما كنتم متضامنين ضمن دائرة العمل وعدم تسليم الهويات إن طلبت.
6- نصف ساعة أكثر من كافيه لتجميع الأعداد الهائلة والجموع الغفيرة ولكن بالتنسيق مع جميع الأحياء وكل هذا يجب أن يتم بالتزامن مع مظاهرة التأييد (خليهون يفرحوا).