اذكروا هذا الشهيد
يا "مسعد".. كنت أقوى من قاتليك
أ.د/
جابر قميحةتوفي الأستاذ المحاسب "مسعد سيد محمد قطب" (43 سنة) عقب تعذيبه بمقر مباحث أمن الدولة بشارع(جابر ابن حيان) يوم الاثنين 3/11/2003 بعد اعتقاله بثلاثة أيام، ونُقل جثمانه إلى مستشفى (أم المصريين) بالجيزة وسط حراسة مشددة وإجراءات أمنية غير مسبوقة.
كانت مباحث أمن الدولة قد اعتقلته يوم الجمعة 31/10/2003م وقامت باستجوابه عدة مرات، ومارست ضده أشكالاً متنوعة من التعذيب دون مراعاة لأدنى حقوق الإنسان ودون مراعاة لجلال شهر رمضان المبارك.
وفي تعليق على هذه الجريمة الشنعاء قال الأستاذ/ سيد النزيلي- أحد قيادات الإخوان المسلمين-:" إن هذه الجريمة مستنكرة، وتتجاوز كل الأعراف الإنسانية والأخلاقية والدينية، وتتجاوز الخطوط الحمراء ولا تستقيم شرعًا ولا قانونًا، والأمر يحتاج إلى وقفة، فلن نقبل أبدًا بإراقة الدماء ولن نقبل بهذه الوسائل الإجرامية، وسوف نتصدى لها ونفضح المجرمين .
وفيه وعنه كتبت الكلمات الآتية :
كلمات من القلب - و أنا في عالم الزوال والفناء- إلى الشهيد "مسعد"، وهو في عالم الخلود والبقاء.
"مسعد".. أيها الشهيد، هل قرءوا قبل أن يقتلوك قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾؟ (الأنعام: 151)، وهل قرءوا قبل أن يقتلوك قوله تعالى: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾؟ (المائدة: 32( .
ولو قرءوه يا ولدي ما فهموه، ولو فهموه لأخذتهم العزة بالإثم، ولم يبالوا أن يقتلوا بريئًا، أو يقتلوا الناس جميعًا، فهم أحرص الناس على الدنيا وزخارفها، ومتاعها الزائف الزائل.
"مسعد".. أيها الشهيد، يقول صاحبي- وهو يحاورني- لقد خاطر "مسعد" بنفسه، وبيده أوصلها للموت، وكان في يده أن ينقذ نفسه، فلو أنه أرشدهم إلى مخازن أسلحة الدمار الشامل التي يخفيها الإخوان، لأكرموه، وما قتلوه.
ولو أنه من الذين استولوا على مئات الملايين من البنوك، لتغافلوا عنه، وما قتلوه. ولو كان يملك (فيلا) في (مارينا) بُنيت ب"تراب الفلوس"، لوقروه، وما قتلوه، ولو كان واحدًا من المنافقين، حملة المباخر، و"ماسحي الجوخ" المسبحين باسم الجبت والطاغوت، والهاتفين "بالروح بالدم نفديك يا حميص"، لعظموه، وما قتلوه.
ولو كان جاسوسًا في حجم "عزام" (الصهيوني) لترفقوا به، وما قتلوه، ولو كان واحدًا ممن يرقصون ويراقصون، ويشربون وينادمون، ويقامرون، ما بين ساقي الخمر، والصاجات:
والكأس تتلو الكأس خذْ وهات والطبل والمزمار.. واللذات
لاحتضنوه... وما قتلوه...
ما كان هذا طريقك:
"مسعد".. أيها الشهيد، ما كان هذا طريقك- يا ولدي- ولا طريق أصحابك الأبرار، مهما أغضبتم جهاز أمن مصر الكنانة المنكوبة، المحروقة.. نعم، ما كان هذا طريقكم:
لأنـكـم إخـوان "مـحـمد الرسول" تتبعونَ وشـرعـة الجهاد تسلكونَ ولا لـمال الشعب سارقونَ انـظـر فهذا سِفْرنا العتيدُ طـريـقكم بيضاءُ لا تحيدُ وكـاره ونـاقـمٌ حـقـودُ لو مادت الأرض فلا تميدوا | مسلمونَبـالـعـزة الشمَّاء والمصحف الشريف ترفعونَ لا الـظـالم الجبار ترهبونَ بل في متاع العيش زاهدونَ قـد قـالـها إمامنا الشهيدُ لـكـن عليها الشائك الكئودُ لـتـحـذروا إياكمو تحيدوا ولتصبروا ولتثبتوا تسودوا | تُعرفونَ
أو أنت في سجلها شهيدُ
صبرًا آل مسعد:
قلبي معكِ يا أرملة الشهيد حين كشفتِ عن جسده، ورأيْتِ وجهًا مفتت الجبهة، وجهًا متورم الشفتين، وجهًا بلا عينين، وجسدًا مثقلاً بالجراح والكدمات.
فديتك يا ولدي "مسعد"، أيها الشهيد، وأنا أراهم يقطعون لسانًا عاش رطبا بذكر الله.
فديتك يا ولدي "مسعد"، أيها الشهيد، وأنا أراهم يحطمون جبهة لم تسجد إلا لله.
فديتك، يا ولدي "مسعد"، أيها الشهيد، وأنا أراهم يسْملون عينين، طالما بكتا في جوف الليل من خشية الله.
فديتك يا ولدي "مسعد"، أيها الشهيد، وأنا أراهم يُسكِتون قلبًا لم ينبض إلا بحب الله.
فديتك يا ولدي "مسعد"، أيها الشهيد، وأنا أرى سياطهم- قطعت أيديهم- تنهش لحمك، وتتوغل إلى عظامك؛ فما وهنت، وما لنت، وقلت: "ربي الله":
وكـانـت سياط الظالمين وأن فـصـيـلَ المؤمنين يفوقهم فـإن كـذبـونـا فالجنائز بيننا فـمـن كل فج بالألوف تواصلوا | شهادةًبـأن دعـاةَ الحقِ أقوى ثـبـاتًـا، وعدًّا لا يهون فيرهبُ سلُوها، فحكم الموت ما كان يكذبُ ولـم تـدْعهم أم، ولم يدْعهم أبُ | وأصلبُ
كنت أقوى من قاتليك:
ولدي "مسعد" الشهيد، لقد كنت أقوى من قاتليك؛ لأنك واجهتهم بصدر عار، إلا من قلب ينبض بالإيمان والتقوى، وهم واجهوك- يا ولدي- وأنت مقيد اليدين، مكبل الرجلين، معلقًا بين السقف والأرض، وهم واجهوك بأيد مطلقة إلا من دم الضحايا، وأدوات القتل والتعذيب.
وواجهتهم- يا ولدي- بروح موصولة بالله، مترفعة عن الدنيا والدنايا، مطمئنة باليقين، راضية بقضاء الله وقدره، وهم واجهوك- يا ولدي- بنفوس مشحونة بالحقد والنقمة، مهتوكة بالتوتر والخوف.. الخوف الهائل المفزع من مستقبل مجهول، قد تتبدل فيه الأمور والأحوال والأوضاع، ما بين غمضة عين وانتباهها.
وارتفعت- يا ولدي- لأنك أنت الأعلى، وغاصوا هم في مستنقع البوار، نعم فزت وخابوا، وتحولت- يا ولدي- إلى مثال وضيء ميمون، وتحولوا هم- يا ولدي- كعهدنا بهم إلى مثال مظلم ملعون.
ولم يقرءوا- يا ولدي- قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "إن شرَّ الرّعاء الحُطمة"، ولو قرءوه- يا ولدي- ما فهموه، ولو فهموه- يا ولدي- لأخذتهم العزة بالإثم، ولم يبالوا وهم يحطمون عظام الضحايا، ويحطمون أرزاقهم، ويحطمون حجرات مساكنهم وما حوت.
تُرى أيعلمون- يا ولدي- أن "الحطمة" لم تستعمل في القرآن إلا وصفًا لنار جهنم، وأن الرعاء جمع "راع" والراعي يتسع مفهومه لكل مسئول في موقعه على حد قول الرسول- صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع، وكل راع مسئول عن رعيته"، والراعي السيئ- يا ولدي- كالنار تأكل وتحرق، وتحطم ووتدمر ولا تبالي.
على من أبكي؟!
وفي النهاية أسأل نفسي- يا ولدي- على مَن أبكي؟ أأبكي عليك إذ فارقتنا؟ ولكن هيهات.. أأبكي على مَن فارق دار الفناء إلى دار الخلود والبقاء؟ وكيف أبكي شهيدًا انتصر على الموت، وأصبح عند الله من الأحياء الذين يُرزقون؟ وكيف أبكي شهيدًا يعيش الآن مع النبيين والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقا؟ وكيف أبكي شهيدًا قال عنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم:"سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فنهاه فقتله"؟
وكيف أبكيك- يا ولدي- وأنت وإخوانك الذين سبقوك إلى الشهادة، يصدق عليكم قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من فضل الشهادة".
ولكني أبكي عليهم- يا ولدي- على أبطال أمن مصرنا الذين عذبوك وقتلوك؛ لأنهم قوة كان من المفروض أن تكون لمصر على أعدائها، فتحولوا- بما أثموا- قوة لأعدائنا علينا… قصدوا.. أو لم يقصدوا.
بل أبكي على مصر:
وبأيديهم- يا ولدي- خسفوا قمر مصر، وكسفوا شمس مصر، وأصبحت أُمُّنا مصر أضيع من الأيتام على موائد اللئام:
حين صالت عصابة الإفك فـحـضرنا جنازة العدل والقا إذْ تـولـى الزمام ظفرٌ ونابٌ ويـح قلبي لم تعد مصرُ مصرًا قـطـع المنْسِرُ الطريقَ عليها والـظلام الكئيب يروي الحكايا ذا شـهـيد هوى بسوط ونار ذنـبـه أنـه اسـتعاذ ونادى وبـحـقٍّ أبَـى السجودَ لطاغٍ وأبـيًّـا بـكـى لـحريةٍ مهْ والأبـاةُ الإخـوان فـي ظلمةِ هل يُضام الذي يعيش على نور | بالغدْر عـلـى الحق صولة نـون والوعي والعلا والحنانِ وسـيـاط، وصـولة السجانِ وهـي كـانـت كَدُرَّة الأوطانِ وشـرَوْهـا لـلداعر القرصانِ دامـيـات عن شرْعة الغيلانِ بـالـتـقـى مـقلتاه تلتمعانِ "ربـي الله، إنـه مُـسـتعانِي وركـوعًـا لـعصبة الشيطانِ تـوكةِ العرض والقوى والكيانِ الـسـجن مع النيِّرات المثاني الـضحى والإسراء والفرقان؟ | الثعبانِ
ولدي "مسعد قطب"، أيها الشهيد، مثلك لا يُضام، فأنتم أصحاب العزة: ﴿وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (المنافقون: 63) .