لكي لا يتحول البترودولار.. إلى ظاهرة استهلاك إفسادي

لكي لا يتحول البترودولار..

إلى ظاهرة استهلاك إفسادي

في أقطار الخليج العربي

نايف عبوش

البترول هبة من هبات الطبيعة للموضع.وهو ثروة قومية، و مورد ناضب.بمعنى أن استنزافه من دون تعويض بديل،بموجودات ثابتة،كرأسمال متراكم مع الزمن، يعني تفريطا سفيها بهذه الثروة القومية.لذلك فان الانجرار وراء الاستراتجيات الدولية،لزيادة معدلات الإنتاج، بزعم تعظيم الإرباح،والحرص على تداول العوائد النفطية، في كبريات المصارف الغربية،لتحقيق عوائد استثمار مجزية في أصول غير منظورة،يعني تحويل هذا المورد الطبيعي الاستراتيجي، المخزون في باطن الأرض العربية مجانا،إلى حين الحاجة بروز الحقيقية العربية له، إلى أصل سائل، يكون عرضة إلى مخاطر تآكل القيمة الحقيقية له بالتضخم، وتقلبات أسعار صرف الدولار،ناهيك عن أساليب الابتزاز السياسي، والضغوط المستترة لإنعاش الاقتصاديات الغربية، من مخاطر الأزمات المالية، التي تتعرض لها بشكل دوري، وإنعاشها كلما اقتربت من حافة الوفاة.

والمتأمل في الظاهرة البترولية في اقتصاديات أقطار الخليج العربي، يلاحظ أنها أصبحت ظاهرة افسادية، انصبت على مظاهر الرفاهية الزائفة، محاكاة للواقع الغربي، في كل القياسات.فكانت بهذا التمظهر ألتسطيحي، عاملا سلبيا في تهديم الموروث الحضاري، والثقافي للجتمع العربي الخليجي، الذي بدأت الآن تهتز أركانه، واخذ يحس بوطأة تحديات العصرنة، وعاصفة العولمة، التي أوشكت أن تأتي على كل ملامح المجتمع الخليجي، الاجتماعية منها، والسلوكية، والعمرانية،حيث اقتصر الأثر على البهرجة الفارغة،والتطاول المهووس في البنيان، وظهور ناطحات السحاب العربية، وانتشار ظاهرة الاستهلاك ألبذخي ألتبذيري، مما بلد المشاعر العروبية، واوجد حالة من التنكر للكثير من المشاكل العربية، التي يتطلب الحضور المركزي فيها، بكل الثقل المالي لأقطار الخليج، ومنها التخلف المزمن، وانعدام التنمية القومية الشاملة، وانتشار الأمية الهجائية والحضارية، والتصحر والمجاعة المحدقة بالعرب، التي تنبئ بمستقبل سيء، قد يعود العربي فيه، إلى غسل رأسه بالاشنان وبول البعير، حيث لم تنشا صناعات منتجة بديلة،موازية لهذا الرأسمال الناضب،لكي تعوض حالة نضوبه في المستقبل غير البعيد.على إن البناء الزائف لناطحات السحاب، في ما سمي بهتانا وزورا، بمدن العصر الكبرى،وانتشار ظاهرة أسواق بورصات التبادل،كبؤر اقتصادات طفيلية، وتنامي ظاهرة الاستهلاك ألبذخي، ومنتديات اللهو الماجن، في مدن ناطحات السحاب الخليجية، هو انجاز هش وزائف،لا يطعم الجياع، ولا يستطيع أن يصمد بوجه التحديات الإقليمية الإيرانية، أو الصهيونية،حتى لبضع ساعات،في أي منازلة قد تفرض على أي من البلدان الخليجية،لأي سبب كان، خاصة بعد أن دمر الاحتلال الأمريكي، القدرة العسكرية، والاقتصادية العراقية، بعد أن كانت دريئة الحماية للعرب، على البوابة الشرقية للوطن العربي، وعنصر التوازن الحاسم، في معادلة الصراع العربي الصهيوني، الذي يعرف الإخوة عرب الخليج حقا، انه صراع وجود لا صراع حدود، مهما حاولت اتفاقيات الاستسلام، تجميل وصفه للعرب،ولاسيما بعد أن تم تحييد القدرات المصرية والسورية، بسبب التغيرات الجارية على الساحة العربية.

إن المطلوب الآن من الإخوة في أقطار الخليج العربي، الانتباه على عجل، إلى خطورة آثار الظاهرة البترولية في أقطارهم، والانتباه إلى مخاطر نضوبها أولا، ومخاطر تداول فوائضها في الغرب بما يتركه من ايجابيات لإنقاذ الاقتصاد الغربية كلما ألمت بها أزمة مالية،ثانيا، وانعكاساتها السلبية على الاقتصادات العربية بالتآكل، والتعرض لمخاطر التجميد، والابتزاز، حسدا من عند أنفسهم ثالثا.كما أن المطلوب السعي الحثيث إلى استثمار الفوائض النفطية الخليجية، في مجالات التنمية العربية الشاملة،وتوظيفها في خدمة ثورات التغيير العربي،وتحصينها من مخاطر شراء الذمم بالابتزاز المالي الأجنبي،لخطفها لصالح أجندات،وحرفها عن مسارها الحقيقي،مما يتطلب التعجيل معه بالتوظيف على قاعدة( نفط العرب للعرب)،وتحريك الفرص الاستثمارية على قاعدة الميزة النسبية، ومغالبة الزمن قبل نفاذ احتياطيات النفط الخليجي، وتنمية الصناعات البديلة، بتوريد التكنولوجيات المتطورة، واستيعاب الكوادر، والكفاءات العربية المهاجرة، التي اصطادتها، واحتضنتها السوق الرأسمالية الغربية، وبأثمان زهيدة، إذا ما قورنت بكلفة فرصتها البديلة، وإحلالها محل العمالة الأجنبية الوافدة، التي أفرزت ظاهرة الازدواجية السكانية،على مراحل، وما ترتب عليها من مخاطر جدية، تهدد الكيان العربي بأفدح المخاطر، كما يعرف أهلنا في الخليج جيدا، حقيقة مخاطر تلك الطاهرة قبل غيرهم.

ولعل اعتماد إستراتيجية(أن يكون احد آخر برميلين للنفط في العالم عربيا)،هو خيار صائب بلا شك، في ضوء ما أفرزته الأزمات المالية المتعاقبة مؤخرا، في الغرب الرأسمالي، والأمريكي منه على وجه الخصوص،حيث فاقت لأول مرة مديونيته، حجم الإنتاج القومي له، مما يهدد الاقتصاد العالمي برمته بالانهيار، وما يترتب على ذلك الانهيار القادم، من تداعيات كارثية، تطال الجميع، مستهلكين ومنتجين، وفي المقدمة منهم بالطبع، الأقطار المنتجة للنفط.وهكذا فان الحد من تنامي ظاهرة الاستهلاك البذخي في أقطار الخليج العربي،والعمل على مغادرة ظاهرة التواكل، والتعكز على اقتصاد الريع النفطي،في توفير الرفاهية اليومية،والشروع باعتماد تنمية قومية شاملة،تنهض بالتصنيع، وتنمية رأس المال المنتج البديل، وترتقي بالطاقات والكفاءات العربية،في إستراتيجية أولويات محددة،لمواجهة عصر نفاد البترول، وتلافي احتمالات العودة إلى الاقتصاد الرعوي مهما كانت نستها متضائلة،يظل مسؤولية جمعية،ينبغي أن يضطلع بها كل من يعنيه الأمر، قبل فوات الأوان.