وطن مسروق وشعب مخدوع
أحمد عمر العبد الله
لسنا اليوم مع قصص وحكايا ألف ليلة وليلة ، ولسنا مع أجاثا كريستي وقصصها البوليسية . إنما نقف مع أحداث جرت على أرض الواقع رواها لي أشخاص عشت معهم وعاشرتهم . وليس الهدف من ذكر هذه الأحداث والقصص السمر والتسلية بل استخلاص العبر والدروس ومعرفة الحقيقة وتعرية الباطل وفضح الظالم وإزالة الغشاوة عن أعين أولئك المخدوعين بالنظام السوري وشعاراته البراقة . لن أطيل عليكم وسأنتقل معكم مباشرة إلى تلك الأحداث .
القصة الأولى : أثناء تأديتي الخدمة الإلزامية ( خدمة العلم ) – خدمة آل الأسد – حدثني ( س ) ولا أعتقد إلا صدقه : أنه سجن مدة عامين كاملين قبل تأديته للخدمة . أتعلمون لماذا ؟ الجواب وبكل بساطة : لأنه كان يقوم بتهريب المجاهدين إلى العراق – طبعاً ليس وحده بل ضمن فريق كامل ومدرب – قال لي : كنا نقوم بتهريب المجاهدين من الدول العربية والإسلامية إلى العراق لقاء مبالغ مالية باهظة – بالنسبة للمواطن السوري – وكنا نقوم بهذه الأعمال بالاتفاق مع أجهزة الأمن السورية ، فقد كنا نزودهم بأسماء وأعداد وأعمار وجنسيات أولئك المتطوعين – المجاهدين – وكل ما نستطيع معرفته عنهم ، بصراحة كنا عملاء للأمن ، ومرت الأيام ونحن نلقى الثناء والشكر من قبل الأجهزة الأمنية والمجاهدين والأهل الذين ينظرون إلينا كأبطال نسهم في تحرير العراق كما أسهم الأجداد في تحرير الجزائر مع الفارق الكبير طبعاً فقد كانت جيوبنا تنتفخ بالأموال .
ولكن فجأة قلبت لنا الأجهزة الأمنية ظهر المجن فتم إلقاء القبض علينا كمجرمين و إرهابيين بل كخونة و أودعنا السجون ، وعلمنا أن ذلك كان بسبب الضغوط الأمريكية،فأراد النظام كبش فداء وعربون وفاء وإخلاص يقدمه للأمريكان ليظهر أمامهم بصورة المحارب للإرهاب المحب للسلام . وقلنا لهم يا جماعة : كنا نعمل بإمرتكم ومشورتكم وتوجيهاتكم . فقالوا لنا : أمن الوطن أهم وأغلى ، وسنصدر بحقكم أحكام مخففة ، فضاعت سنتان من عمري وضاعت الأموال كرشاو دفعناها للخلاص من هذه الورطة .
القصة الثانية : شاب بعمر الورد والندى ، رمز للالتزام والتقوى والورع . تأثر بالفكر السلفي ذي المنبع الصافي ، فأخذ يحارب البدع والأهواء في بلدته ملتزماً نهج السلف الصالح لكن مع اندفاع الشباب وفورته . فقام أحد المحسنين – الفسافيس – بخدمته والوشاية به إلى أحد الأجهزة الأمنية – وما أكثرها في بلادي – بدعوى الانتساب لتنظيم القاعدة والدعوة لإنشاء خلايا إرهابية تكفيرية وتنظيمات مسلحة تستهدف أمن الوطن والمواطن . طبعاً – فقط في سورية ومن مزايانا الحميدة – المتهم مدان حتى يثبت العكس عند الأجهزة الأمنية ولاسيما أن الشاب يرتدي ثوباً قصيراً وله لحية طويلة .
المهم أن هذا الشاب المسكين في الحقيقة لا يعرف ما القاعدة ولم يدعُ في حياته لشيء مما نسب إليه . فكل ما كان يفعله قوله لأهل بلدته : ياجماعة إن الطريق الذي تسلكونه خطأ والدليل كذا وكذا ، إنما الصواب كذا وكذا بدليل كذا وكذا . ولم يدر صاحبي المصلح أن هناك فئة فاسدة مفسدة مستفيدة تضررت مصالحها من هذا الإصلاح .
تم استضافته ما يقرب العام في فنادق الأجهزة الأمنية ليخرج وقد نقص وزنه حوالي 40 كغ بسبب الأكل الصحي المثالي الخالي من السموم والشحوم و نظام الحمية والرجيم المتقدم عالمياً . وجرى معه خلال هذا العام أمور كثيرة تشيب لها الولدان غير أني سأذكر هنا الأمور التي تهم موضوعنا فقط .
1- محاولة الأجهزة الأمنية تجنيده وترغيبه فقد قالوا له : ستنال أرفع المناصب وسوف يتسابق الناس لتقبيل يدك – كما سنرى لاحقا مع أبي القعقاع – وستسكن القصور وتركب أفخم السيارات . فالشاب كان على قدر كبير من الذكاء والفطنة والقدرة على المحاورة والخطابة ، أي صيد وكنز ثمين يجب استثماره .
2- مروره على عدد من الفروع الأمنية ، حرصاً على عدم وقوع خطأ ما فيخرج صاحبنا بريئاً فيضيع أمن الوطن والمواطن فالمتهم مدان حتى يثبت العكس .
3- بعد انتهاء الأيام العجاف – التحقيقات – استقر به الأمر في سجن ضم فسيفساء من المعارضة ( الإسلاميين ،الشيوعيين ، أفراد من حزب الله ( جماعة الطفيلي ) وقوميين وليبراليين ووو .
القصة الثالثة : لم أسمعها من بطلها وإنما من تلاميذه والأصدقاء والإعلام كان في حلب شيخ يدعى أبو القعقاع وكان خطيباً مفوها ذا شخصية قيادية جذابة – كارزمية – يرتدي الزي الشيشاني ، يبدأ وينهي خطبته بالدعوة على الروس والأمريكان ومن جملة ما يقول : اللهم دمر الكرملن وكلل البيت الأبيض بالسواد . أما المضمون فكان يدور حول الجهاد ومحاربة الكفار ولاننسى العروض الرياضية – أشبه ما تكون بالعسكرية – على غرار عروض حزب الله والقاعدة ، وله جماعة تدعو للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . كل ذلك في سورية وفي حلب في العلن أمام عيون الأجهزة الأمنية وليس في أفغانستان .
جمع هذا الشيخ عدداً من الشباب المتحمس المندفع ليأتي احتلال العراق ويرسلهم أفواجاً لتحرير العراق من الأمريكان الكفرة ولا ينسى شيخنا تسليم قوائم بأسمائهم للأجهزة الأمنية حتى إذا عاد أحدهم استضافته الأجهزة الأمنية .
الحقيقة أنه كان يرسلهم للموت ، ولكن كيف كانت نهايته هناك روايتان :
1- تقول : إن أحد أشقاء تلاميذه المغرر بهم قتله انتقاما لأخيه بعد أن عرف صلات الشيخ مع الأجهزة الأمنية.
2- تقول : تم تصفيته من قبل الأجهزة الأمنية بعد انتهاء دوره وافتضاح أمره ، وليس ذلك بمستبعد عن النظام ونذكّر هنا بغازي كنعان الذي انتحر بـ 12 طلقة ومحمود الزعبي الذي انتحر بـ 3 طلقات .
ومن الفائدة ذكر بعض الحيثيات حول هذا الشيخ فقد كان يخطب في أكبر مساجد حلب ويحضر خطبته الآلاف حتى يضيق بهم المسجد فيفترشون الأرصفة والشوارع ، وتنسخ الآلاف من الأشرطة والسيديات لهذه الخطب ، علماً أنه شاب صغير أواخر العشرينيات أوائل الثلاثينيات من أسرة ريفية بسيطة عرفت بالتقوى والصلاح ، لكنه وبزمن قياسي أصبح من أصحاب الملايين ويقال إن له صلات قوية مع علماء في السعودية كانوا يدعمونه بالمال . ورجح عندي هذا الأمر بعد شهادة أدلى بها أحد علماء المملكة لإحدى القنوات الفضائية قال فيها : التقيت معه قبل موته بـ 15 يوماً وقلت له إن تعاونك مع الأمن وتفوهك بهذا الكلام يعني عندي أحد أمرين إما أنك عميل ومخبر للأمن وإما أنك أحمق فالأمن السوري لا يؤمن جانبه إلاأحمق . وهنا لا أنسى كلام أبي القعقاع على قناة العربية عندما سئل عن نهجه ولا سيما في أيامه الأخيرة بعد افتضاح أمره: آن الأوان أن يلتقي التيار الديني مع التيار الأمني .
زبدة الكلام تقول : إن هذا الشيخ تم تجنيده من قبل آصف شوكت ذاته حيث كان يؤدي الخدمة الإلزامية عنده ، وقد أخبرني بذلك من أثق به ،وكان في زمن مضى معه .
بعد هذه القصص الثلاث التي أوردتها بشكل سريع موجز دون التطرق لنتائجها الكارثية عاطفياً وإنسانياً واجتماعياً فهي من هذي النواحي تدمي القلوب وتلين الصخر . أنتقل معكم لوثائق ويكيليكس وأسرد هنا وثيقتين :
الوثيقة الأولى : تشير لاقتحام علي مملوك اجتماعاً كان يعقد بين وفد من الخارجية الأمريكية ونظيره السوري، وتقديمه معلومات استخباراتية ساهمت في إنقاذ حياة مواطنين أمريكيين ، ووصفه للأمريكان بالغباء على عكس أجهزة الأمن السورية التي تتحلى بالذكاء ، فالمخابرات السورية تعيش مع الإرهابيين وتعرفهم من الداخل ، وتحيط بكل صغيرة وكبيرة عنهم من خلال اختراقهم بالعمق .
الوثيقة الثانية : تتعلق بأحــداث ســـــجن صيدنايا فهذه الوثيقة تشـــير لإعدام الأمن الســـــوري مجموعة من المعتـقـلين بتهمة الإرهاب ، علماً أن الحكومة السورية كانت قد جندتهم لهذا الأمر ، ثم قلبت لهم ظهر المجن كما حدث مع صديقي المهرّب المحظوظ – سنتان فقط - .
مما سبق نستخلص الدروس والعبر التالية :
1- المبدأ الذي يقوم عليه النظام مبدأ ( اللا مبدأ ) فهذا النظام لا يؤمن بمبدأ أو دين أو فضيلة أو مذهب أو ... فهو عدو الدين وعدو اللادين عدو الاعتدال وعدو التطرف إنه يؤمن بشيء واحد ( الحفاظ على الكرسي ) .
2- إفساد العباد والبلاد من قبل النظام، فقد رأيناه كيف يجند أبناء الوطن ليتجسسوا على بعضهم وبدلا من استثمار أصحاب النباهة والذكاء منهم في إعمار الوطن نراه يجندهم لهدم المجتمع وتفكيكه .
3-عدالة النظام في ظلمه فهو فقد كل معايير العدل إلا ظلم الشعب فنراه يضطهد ويعتقل ويعذب الجميع دون استثناء فلكل نصيبه من القمع بمقدار معارضته وثقله في معاداة النظام .
4- خداع النظام للشعب السوري خاصة والعربي عامة بشعارات المقاومة والممانعة والعداء التقليدي للأمريكان في حين نراه يقدم لهم خدمات مجانية على حساب دماء السوريين والعرب .
5- عدم وجود شبيه ونظير للنظام السوري في العالم إلا نظام القذافي ، فهو من فوق الطاولة داعم للمقاومة العراقية ، رافض للاحتلال الأمريكي للعراق ومن تحت الطاولة متآمر على المقاومة ويطعنها في الظهر . يدعو لعروبة العراق ووحدته من فوق الطاولة ومن تحت الطاولة يساعد الفرس بالسيطرة على العراق وتقسيمه ، وتغذية طائفية عفنة ما عرفها أبناء العراق في تاريخهم السابق .
5- الغدر صفة متأصلة في النظام السوري من حافظ الأسد الذي غدر برفاق دربه إلى بشار الابن . فالنظام السوري مستعد للتضحية بأكثر الناس إخلاصاً ووفاء له بمجرد انتهاء دورهم . وخير مثال على ذلك أبي القعقاع وغازي كنعان ، ولا نستبعد أن يكون للنظام دور في اختفاء موسى الصدر واغتيال عماد مغنية . وحمى الله صديقنا عندما رفض عرض التعاون معهم .
6- المتاجرة بالمبادئ والقيم ، فهو يخدع الشعب بشعارات براقة جميلة ( الوحدة والحرية ) وهو أبعد ما يكون عنها .
7- الدرس الأخير والأهم قوة الأجهزة الأمنية السورية من جهة قدرتها على اختراق التنظيمات والجماعات الإرهابية وقوتها من جهة القمع والظلم والتعذيب ، وهذا يقودنا إلى أهم استنتاج ألا وهو عفوية الثورة السورية وطابعها الشعبي البعيد عن الحزبية والإيديولوجية ، فهي ثورة عفوية بامتياز لذلك لم يستطع النظام الاستعداد لها وقمعها في المهد أو قبل ظهورها ، فهي بصراحة كانت مفاجأة مفاجئة حتى لمن قام بها .
الأمر الآخر شعبية هذه الثورة ، فهي تحكي آلام الشعب السوري بكل أطيافه ، لذالك لم يستطع النظام السوري السيطرة عليها ويجدر الإشارة هنا إلى سلمية هذه الثورة ، وما رواية العصابات المسلحة التي يدعيها النظام إلا أكذوبة اخترعها النظام ، وهذه العصابات إن وجدت فإنما بصنع النظام ومعرفته وتمويله ، وأستثني هنا الانشقاقات الحاصلة في صفوف الأحرار من أبناء الجيش العربي السوري .
عرفتم أيها الأخوة لما كان انفجار البركان شديداً ؟ أقول وبكل بساطة لأن الضغط والقمع كان قوياُ وشديداً وعاماً فجاء الانفجار كذلك .
أترك لكم استخلاص غير ما ذكرت من العبر والدروس ولا تنسوا أن خلف هذه الحكايات قلوب تحطمت وأسر فجعت ونساء رملت وأطفال يتمت ورجال عذبت ووو و وطن سرق في غفلة من الزمن وشعب خدع .