بين عهدين.... وبين فتحين

د. منير محمد الغضبان

بين عهدين.... وبين فتحين

د. منير محمد الغضبان *

[email protected]

أما العهد الأول فهو عهد الإستبداد والطغيان الذي جثم على صدر الأمة قرابة نصف قرن , فالثامن من شباط عام ثلاثة وستين عهد اغتصاب السلطة من قبل البعث العربي الإشتراكي في العراق , والثامن من آذار عام ثلاثة وستين عهد اغتصاب السلطة من قبل البعث العربي الإشتراكي في سوريا , والفارق بينهما شهر واحد , وفرض الحزب و فرضت مبادئه على الأمة , وشهدت الأمة أسوأ أنواع الإستبداد من فرعي الحزب في سوريا والعراق.

فالوحدة صارت تجزئة حتى بين فرعي الحزب وعجزا عن الوحدة خلال أربعين عاما من عمر الأمة , والحرية صارت استبدادا وطغيانا وظلما لم يشهد تاريخ الأمة مثيلا له , والإشتراكية أهدت فقرا للبلد ما ينوف عن خمسين بالمئة من كل شعب  ثم لحق القذافي في العقد نفسه في الفاتح من سبتمبر , وحافظ الأسد في حركته التصحيحية في تشرين /ديسمبر , جعلا نفسهما إلهين يعبدان من دون الله , نصف قرن من جثوم الطغيان على الأمة ذبحها من الوريد إلى الوريد باسم الحرية والتحرر >>الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله , والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت <<.

أما العهد الجديد الذي ابتدأ منذ بضعة أشهر , فهو عهد تحطيم الطواغية ,فمصر تطيح بطاغيتها مبارك ليعود ملاك الأمر إلى الشعب نفسه , وتونس تطيح بطاغيتها ليعود ملاك الأمر إلى الشعب نفسه , وليبيا تطيح بطاغيتها القذافي ليعود ملاك الأمر إلى الشعب نفسه .

ومن حقنا أن نقرن بين ثورتين بينهما شهر واحد كذالك , في السابع عشر من فبراير انطلقت شرارة الثورة في ليبيا , وفي الخامس عشر من آذار/مارس انطلقت شرارة الثورة في سوريا .

وكان الفتح المبين في ليبيا في رمضان تيمنا بفتح مكة , ونرجو من الله تعالى أن يتم الفتح المبين في سوريا بعد شهر واحد  انشاء الله  أما معالم الفتح فهي واحدة لدى الثورتين , تحطمت أصنام الطغاة , ومزقت صورهم , وانتهى طغيانهم , وفي سوريا كانت المعالم سباقة لسقوط النظام على غير عهد بالثورات , فقد تحطمت الأصنام  وديست بالأرجل ولما يزل الطغاة الجبارون موجودين ومزقت الصور وبصق عليها , والنظام يقدم هدية لشعبه بمناسبة رمضان حوالي ثلاثين شهيدا على الأقل في كل يوم , والهتافات مع انبلاج فجر ليبيا , انطلقت خناجر الثوار السوريين تهتف :

القذافي طار طار                       إجا دورك يا بشار

وكما يقول المثل :الحبل على الجرار , فطاغية اليمن على نفس المسار ,وانتهى الحديث عن العهدين , عهد سيطرة واستبداد والطغيان قبل نصف قرن, وعهد تحطيم الطواغي , واستلام الشعب سلطته بعد نصف قرن .

لكن ماذا عن الفتحين , فتح مكة , وفتح طرابلس , فقد كان حرص الثوار على أن يتم الفتح في التوقيت نفسه في العشرين من رمضان

إنهم جند محمد حرصوا على الإقتداء به وإعادة صورة فتح مكة , لاذكرى في المناسبة واحتفالات تتكرر كل عام , وانتهى الأمر , بل عرضا جديدا لتحرير طرابلس من الطغيان كما حررت مكة .

وهذه مجموعة من نقاط اللقاء بين الهدي الليبي اليوم وبين الهدي النبوي يوم جاء نصر الله والفتح

أولا : السرية : فقد فوجئ العالم بفتح طرابلس كما فوجئ العرب بفتح مكة ,واستجيب الدعاء النبوي : اللهم خذ العيون والأبصار عنا فلا يرونا إلا بغتة ,ولا يسمعوا بنا إلا فجأة .

ثانيا : إراقة الدماء , فسعد بن عبادة رضي الله عنه قال لأبي سفيان اليوم يوم الملحمة , اليوم تستحل الحرمة , اليوم أذل الله قريشا  فصحح له رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدف من الفتح      فقال : اليوم يوم الرحمة , اليوم تعظم الحرمة , اليوم أعز الله قريشا .

ثالثا : من ألقى سلاحه فهو آمن , فقد كان الموقف النبوي لعامة الشعب : من دخل الحرم فهو آمن , ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن , ومن أغلق عليه بابه فهو آمن , ووجدنا في الهدي الليبي أن الشعب كله آمن , ومن تورط في دم الشعب وقتله فيحال للقضاء ليقول فيه كلمته .

رابعا : لاعفو عن الطغاة ومجرمي الحرب , فحدد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشخاصا أمر بقتلهم ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة , >>ألا تقاتلون قوم نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة , أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين <<, وهو الأمر الذي دعا إليه الثوار الليبيون في قتل وقتال مجرمي الحرب .

خامسا : بين الخندمة والعزيزية .

فالذين يتعادمون الثورة ويقاتلونها , وما أغلقوا عليهم أبوابهم وما ألقوا السلاح لابد من قتالهم حتى يستسلموا , وكان بطل التطهير خالد بن الوليد ,حتى فر الجيش المحارب بعد المواجهة وقال قائلهم لزوجه :                                                            إنك لو شهدت يوم الخندمة            إذ فر صفوان وفر عكرمة                                                      وقطعنا بالسيوف المسلمة             يقطعن كل ساعد وجمجمة                                                                                                                                                     لاتنطقي في اللوم أدنى كلمة                                                                                                                                                                                 وهاهم الذين يطلقون النار من جيوب النظام البائس , وهذه العزيزية معقل المجرم القائد لاتزال الحرب الضروس فيها حتى سقطت واستسلمت بحمد الله .

سادسا : لاغدر في الإسلام , فقد استأمن عثمان رضي الله عنه لأحد أقربائه ,وأجاره عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إجارته , وهاهو عليه الصلاة والسلام يأتي بابني عمه أبي لهب , وقد اختبأوا خوفا على أنفسهم فيضعهم بين يديه عند أستار الكعبة , ويضرع إلى ربه أن يعفو عنهم , وقد هربوا أصلا من المواجهة وهانحن نجد محمد بن الطاغية القذافي يستسلم وينزل على أمان الثائرين , فيقرر عبد الجليل هذا الأمان , ويعلن أنه سيستقيل من منصبه إن مس محمد بسوء , فلا تزر وازرة وزر أخرى .

سابعا : يوم الفتح يوم تكسر الأصنام وتنزع الصور من الكعبة , وتحرق معالم الشرك , نجد الصورة تتكرر في طرابلس معلنة ما أعلنه رسول الله صلى الله عليه وسلم :>>وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا<<.

ثامنا : إذهبوا فأنتم الطلقاء , حتى دون أن يجبر قريشا على الإسلام , وغدت قريش تفدي رسول الله بدمائها وهي مشركة فينضم لجيش الفتح ألفان منها في حرب هوازن يوم حنين , وهاهو رئيس المجلس يطالب بطي صفحة الماضي بجرائمه وطغيانه , ويدع للقضاء أن يقول كلمته فيمن تورط في التخطيط لقتل الشعب ونهب ثرواته , وليحاسب على إجرامه .

تاسعا : إلغاء قيم الجاهلية وإعلان المساواة الإنسانية والتفاضل بالتقوى , حيث حدد الله رسول الله صلى لله عليه وسلم بقوله :   >>يا أيها الناس إن الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية وكبرها لآبائها  كلكم لآدم وآدم من تراب , ثم تلا قوله تعالى>> ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذرك وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا , إن أكرمكم عند الله أتقاكم <<.                                                                      ويعلن قادة الثورة اليوم انتهاء عهد الطغيان والطغاة , والناس جميعا متساوون أمام القانون , والشعب هو الذي يحكم نفسه

عاشرا : إعادة الكرامة والحرية للإنسان في هذا الفتح , فقد ألغيت الغارات ,وألغي الربا , وتساوى القائد مع شعبه , وألا إن كل مأثرة أو دم أو مال يرعى فهو تحت قديس هاتين , وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث -ابن عمه- وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب -عمه- .

وهاهو الحكم الجديد يعلن حق الشعب في تقرير مصيره , واختيار الطريق الديمقراطي لتنفيذ هذه الحرية والمساواة , هذا إلى نقاط تشابه أخرى , آملين إعادة صورة سماحة الإسلام وسموه من جديد من خلال هذا الفتح المبين .

نترحم على الشهداء , ونهنئ المجاهدين والأحياء بهذا النصر المؤزر ,ونرجو أن نلقاه قريبا في وطننا السوري ,والله أكبر ولله الحمد.

                

* باحث إسلامي سوري