الأوان لا يفوتُ أبداً
إيلاف العباسي
[email protected]
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الكثير منا تصادفه في حياته مواقف , ذكريات , مساوئ , يجعله يندم على ما فاته وما خسره وما لم يستطع تجاوزه , أياً ما كان ذلك فهو بكل تأكيد شيءٌ جميل .
شيءٌ جميل أن يجد الشخص منا حسرةً في قلبه أو ندماً في فكره , أو ولعةً في صدره على ما فاته وما لم يستطع تداركه أو شيءٌ لم يستطع تصحيحه , بكل تأكيد هذا إن دل على شيء فهذه الحسرة وهذا الندم يدل على ضميره الحي الذي يستطيع من خلاله أن يستمر في حياته , أن يستمر في حياته التي يجب أن تكون أفضل مما هي عليه الآن , وأكرم مما عليه الآن , وأحسن مما عليه الآن .
تأنيب الضمير على الماضي والحسرة والندامة على شيءٍ فقدناه على الرغم من أن الكثير منا يراه أمرٌ سيء , فمثله كمثل من يبكي ويحزن ويعيش الضيق على شيءٍ فقده في حياته , إلا أنه بكل تأكيد وعلى الرغم من كل ما نراه من سوء في هذا إلا أن هذا الأمر هو منطلق لتصحيح الكثير من مسارات حياتنا الخاطئة .
لا يوجد بعد الأنبياء عليهم السلام من هو معصوم من الخطأ , ولا من تتجاوز به ساعة عمره ولحظات دهره وأوقات أيامه من غير أن يمسّ من الخطيئة شيء أو أن يقع في الذنب والمعاصي , أو أن يرتكب أمراً دنيوياً لم يكن بالصحيح , و يرى تصحيحه بعد ذلك , فالخطأ في بني البشر أمرٌ مُسَلّمٌ ومفروغٌ منه ولا جدال حول ذلك , ولكن يأتي الجدال والنقاش بعد كل هذا حول
مدى كل واحدٍ منا في قبوله بالخطأ هذا , ومن ثم مدى استعداده لتغيير هذا الخطأ وتجنبه في المستقبل .!!
الكثير منا يقع في مشكلة متواجدة في المجتمع العربي بالتحديد, وهذه المشكلة تكمن في اليأس من التصحيح وعدم البحث عن الحلول , وعدم الاقتناع بتصحيح الأخطاء التي صادفتنا .
بكل تأكيد هذا التفكير خطأ , وهذه الفكرة غير صائبة , وهذا الأمر لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن يكون شخصٍ خلقه الله تعالى فضلاً عن أن يكون مسلماً مؤمناً به .
إن الأوان لا يفوت أبداً , فدوماً ما يكون هناك مجالاً , درباً , طريقاً , نسلكه لكي نًصحح ما وقعنا به , ودوماً ما يكون هناك باباً نطرقه كي نجد بعده الصواب ومن خلفه نسلك طريق الصدق في التصحيح والسعادة في الحياة .
لا تكمن المشكلة في حياتنا وفي واقع الكثير منا في نوع الخطأ أو طريقة فعله أو جرمه , بل تكمن المصيبة في اليأس الذي يُحيط بالشخص منا حينما يقع في هذا الخطأ .
فالخطأ لم يكن في اقتراف الفعل, بل تمام الخطأ هو في الاستمرار عليه (( أولاً )) ومن ثم اليأس من تصحيحه (( ثانياً )) .
إن الأخطاء جميعها مهما كانت , دينية أو دنيوية , شخصية أو مجتمعية , فردية أو جماعية , جميعها يوجد لها دربٌ نسلكه وأثراُ نقتفيه كي نصل لطريق الحل , فقط يجب علينا أن نعرف أي الطريق نسلك وأي الباب نطرق . وقبل ذلك بكل تأكيد ما نحتاجه هو جلسة مع النفس , نُراجع فيها حياتنا وما مضى , نستذكر ذكريات الأيام لا لأجل أن نذرف لها الدموع وننزف لها الدماء , بل لأجل
أن نستشعر ما كان منا من خطأ وصواب , نستشعر الخطأ كي نقوم بتصحيحه , ونستشعر الصواب كي نسير عليه ونتمسك به , بكل تأكيد هناك دوماً طريقاً نًصحح فيه حياتنا , ودرباً نقتفي فيه الصواب ممن سبقنا , ولكن كل ما يجب علينا هو أن نتحلى بالإيمان والعزيمة والشجاعة كي نعرف مواطن أخطائنا ونعزم بصدقٍ على تصحيح هذا الخطأ , ونلتمس طريق
الصلاح ونطرق باب الرجاء ونَضيء لنا ولمن حولنا شمعة الأملوالتفاؤل بحياةٍ أفضل ويومٍ قادمٍ أكرم , وحتى يكون كل ذلك فما علينا سوى أن نؤمن بــ أن
الأوان لا يفوتُ أبداً .
تذكرة : ماتمر به الأمة الآن من أزمةٍ هنا وهناك , قد يكون كل واحدٍ منا مسئولٌ عنها , فإصراري وإصرارك على خطأ , أو عدم توبتي أو عدم توبتك من معصية قد يكون لكل ذلك اثرٌ وسببٌ في حجب نصر الله تعالى عن النزول , ورحمته عن أن تعمنا وتشمل البشرية , فهل تتحمل رقابنا كل هذا الوزر !! أو آن الأوان لكي تتخفف
ظهورنا مما هي عليه وفيه من حمل السيئات ووزر الخطايا !!
إضاءة : يجب أن نؤمن ونتيقن أنه لا يوجد ذنب ٌ ولا خطيئة إلا وهو أو وهي تُغفر _ طالما تُبنا منهما _ , ولا يوجد خطأ أو زلل إلا ويمكن تصحيحه , فالشعور بالقنوط والإحباط يتخلل النفوس ويستشرب في العقول ليس بصحيح , فطالما هناك فرصةٌ أمامك وعُمرٌ يُمَدّ بك فتأكد أن هناك مسلكاً وطريقاً
يُوصِلُ بك إلى باب ٍ تفتحه , فيوجد من بعده مكان السعادة . السعادة بذنبٍ تبنا منه أو خطأٍ قمنا بإصلاحه أو زللاٍ سعينا إلى تغييره .
هكذا هي الحياة , فدوماً ما يكون هناك فرصة . والأوان لا يفوتُ أبداً.