وعظ الثعالب: إيران نموذجا

م. محمد حسن فقيه

[email protected]

لا أستطع أن أنكر أن الحيرة والدهشة قد انتابتني  وأنا أتابع الشريط الأخباري على إحدى المحطات الفضائية ، وهو يشير إلى نقد بريطانيا وحضها على عدم استخدام العنف ضد المتظاهرين  من قبل إيران ...

، فتسمرت في مقعدي لأنتظر عودة الخبر مرة أخرى وأتأكد من صحة الخبر وقراءتي له .

عاد الخبر على الشريط مرة ثانية ، لم أصدق عيني للوهلة الأولى ، حدقت جيدا فركتهما ... قفزت من مقعدي واقتربت من الشاشة مع أنها كبيرة وتقرأ الكتابة عليها من بعد عشرة  أمتار ، فانفجرت ضاحكا لفرط دهشتي .

بسبب معرفتي لسجل إيران في مجال حقوق الانسان وما يملك هذا النظام مع النظام السوري والقذافي ! وحجم ذلك المخزون الكبير والكم الهائل من الانسانية التي يتمتعون بها ، وتقدير مواطنيهم واحترام حقوقهم ، ففاض عن حاجة الوطن والشعب ، فأردوا خدمة العالم بتصدير بعض هذه النفحات الانسانية إلى العالم الحر في الشرق والغرب ، ليستفيد من دروس الرحمة والسماحة في إيران ،  وتقديم بعض النصائح والعبر للعالم في مجال احترام المواطن وتقديره كإنسان ، واعطاءه كامل حقوقه .

كان الأمر مضحكا  فعلا – وشر البلية ما يضحك - كأن تسمع بعض النكات السمجة كما تسمع من لص محترف وخريج سجون يتكلم عن ألأمانة ، أو مجرم سفاح يتكلم عن حقوق الإنسان والرفق بالحيوان ، أو عاهرة  فاجرة تلقي محاضرة عن العفاف والشرف !

كان الخبر كما قرأته وقرأ جميع المهتمين والمتابعين

دعت إيران على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها رامين مهمانبراست بريطانيا لإظهار ضبط النفس في تعاملها مع المتظاهرين  ومثيري الشغب  وعدم إستخدام العنف ضدهم والدخول في حوار مع المحتجين وبحث مطالبهم .

وقد تعاملت إيران مع الحدث كأنه إحدى ثورات الربيع العربي ، عدا ربيع سوريا لأن ما يحدث في سورية صيف حارق بسبب قناصة الباسيج وحثالات فيلق القدس التي تقاتل ضد الشعب السوري وثورته المباركة ، إلى جانب قمامات الشبيحة وعصابات حسن ، التي وفدت من جنوب لبنان .

ووصلت المهزلة أن تعرض إيران على لسان حسين إبراهيمي رئيس مجلس الشورى الإيراني لإرسال لجنة لتقصي الحقائق في بريطانيا للتحقيق في انتهاكات بريطانيا ضد المتظاهرين من مثيري الشغب واللصوص ، والذين اعتبرتهم إيران معتقلين سياسيين !

 كما نصح مقرر حقوق الانسان بالبرلمان الإيراني : أن  تتحاشى بريطانيا التصرفات الوحشية وتحترم حقوق شعبها . 

يا أيها الرجل المعلم غيره ............................. هلا  لنفسك كان ذا التعليما

لو كان هذا الخبر من نظام حر يمنح الحرية لشعبه ويحترم حقوق الانسان ، فاستحضرنا حسن النية وأيقنا بأن صاحب هذه التصريحات ليس من الذين يقولون ما لا يفعلون ، وجب علينا عندها أن نقف موقف احترام وتقدير أمام هذه التصريحات ، ولكن أن تصدر هذه التصرحات من نظام منغلق مستبد يقمع تظاهرات معارضيه واحتجاجات شعبه المطالبة بالإصلاح ، ويسحق أبناء شعبه الذين يؤيدوها ، ويستخدم القمع المفرط الوحشي ضد معارضيه والذين كانوا بالأمس شركاء معه في قيادة النظام ، لا بل يصّدر قمعه وفتنه إلى الدول المجاورة ... والبعيدة ، ويدعم أجهزة القمع والاستكبار السوري بشتى صنوف  الأسلحة لقمع وقتل المتظاهرين العزل الذين خرجوا للمطالبة بالحرية ، ويزود عصابات الطغيان والاستبداد السوري بعصابات الباسيج ، ويحرك أذنابه وملحقاته من عصابات فيلق القدس التي تدعم نظام الاستبداد الأسدي ، وتستغل فرصة اضطراب الأوضاع لتصفية الضباط العراقيين المتواجدين في سورية ، وتوجه تعليمات لشرطيها في جنوب لبنان  ليدفع بعناصره السوداء  لتقوم مع أسيادها من الباسيج بقنص المواطنين السوريين ، وأفراد الجيش الشرفاء الذين يرفضون توجيه بنادقهم إلى رؤوس وصدور أبناء شعبهم ، ويجودون بأرواحهم على يد هؤلاء العلوج المجرمين ، إن لم يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم أو النجاة بأرواحهم .

عند هذا يصبح الأمر مهزلة وتهريجا يدل على دجل مصادر هذه التصريحات ونفاق أهلها ، في محاولة خسيسة  لتغطية جرائمهم القذرة وفتنهم التي يصدرونها للعالم وبخاصة داخل العالم العربي والاسلامي .

فلقد أكدت مصادر متعددة حقيقة الدعم الإيراني للنظام السوري لإخماد ثورته المباركة ضد الظلم والفساد ، طلبا لحريته المصادرة وكرامته المسلوبة ، كما أكد بعض المراسلين والدبلوماسيين وصحف غربية وشهود العيان وعناصر الجيش الذين انقلبوا على النظام السوري ، أكدوا وجود العناصر الإيرانية ودورهم الإجرامي في قتل أبناء الشعب السوري وأفراد جيشه الأحرار، إلى جانب عناصر أمن النظام ومافيات الشبيحة ، وعصابات أذناب إيران القادمة من جنوب لبنان ،  فزعة للطاغوت وانتصارا للباطل والفساد  . 

وهل يستبعد قيام هذا النظام المجوسي بهذه الأعمال الوحشية وقد مارسها ضد معارضيه وأبناء شعبه في احتجاجاتهم الإصلاحية وثورتهم الخضراء ، وقابلها نظام قم بقمع عنيف وقتل وحشي ، ثم قام باغتصاب الرجال والنساء المعارضين في سجونه ، وهو يزعم أنه جمهورية إسلامية .... يقودها مرشد إسلامي ... يدعو لولاية فقيه ...  معصوم ! ! ! . 

هل يستبعد إجرام هذا النظام  ووقاحته بعد ما فعله في شعبه ؟ !

إن العهر السياسي لهذا النظام قد تفوق على كل الأنظمة السياسية التي لا يماري في عهرها ، في حين يمارس هذا النظام المنافق عهره السياسي كل يوم في الداخل والخارج ... وهو يدعي الشرف ... ويقدم نصائحه لدول تحترم حقوق شعبها وحقوق الشعوب الأخرى بما فيها إيران ، وتدافع عنهم أكثر مما ينتهك هذا النظام حقوق شعبه .

إن هذا النظام الفاسد في إيران لا يتوانى على زج نفسه بسياسة رعناء ، وتدخلات حمقاء ومغامرات مقامرين أشقياء غير محسوبة العواقب ، وفي جميع الدول المجاورة والبعيدة ، فيصدر الإرهاب ويزرع الفتن ويثير القلاقل ، ويحشر نفسه ويدس أنفه في القريب والبعيد ، سواء كان في سورية الجريحة ضد شعبها الأعزل ، أو جنوب لبنان أو شمال اليمن أو البحرين ، أو الكويت سواء في محاولة اغتيال أميرها السابق أوشبكات التجسس الجديدة له ولحلفائه وأذنابه ( سورية وحزب الله ) ،  أو في السعودية وتفجيرات الحرم وأحداث الفتن في الحج وتحريك الحوثيين ... والمدينة  والبقيع ... والمنطقة الشرقية ، ومخابراته التي تسرح وتمرح في العراق المحتل ، والذي تم بالتنسيق والترتيب بين أمريكا وإيران بواسطة ربائبها الذين أقاموا في حضنها ،  وشربوا من حليب غدرها ، فشبوا على الحقد وعداء العرب ،  ودخلوا العراق بالدبابة الأمريكية .

 وأفعال إيران  الإجرامية الشنيعة أكثر من مرة في مخيم أشرف بواسطة عملائها وتعليماتها  ... وفي المغرب ... ونيجيريا... والقرن الأفريقي .... ومن غير المستبعد بحسب آراء بعض المحللين أن يكون لإيران دورا في أحداث الشغب والنهب في بريطانيا ... أو على الأقل أنها ركبت الموجة بعد ذلك ، وحاولت دعم هؤلاء اللصوص والمخربين ... والذين سمتهم إيران معارضين سياسيين ! .    

العجيب في الأمر أن تتوافق تصريحات إيران بشأن بريطانية مع التصريحات السورية ... وتصريحات القذافي الذي أعلن أن الحكومة البريطانية قد فقدت شرعيتها بعد أحداث شغب لثلاثة أيام ومقتل اثنين أو ثلاثة من المخربين واللصوص ومثيري الشغب  ! .

في حين مازال يعتبر نفسه هو وزميله طاغية سورية بأنهم شرعيون بعد آلاف الضحايا وعشرات آلاف المعتقلين بسبب حروبهم ضد شعوبهم ، بالدبابات والمدافع والطائرات الحربية والزوارق البحرية  منذ خمسة أشهر أو أكثر !

رحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي حين كتب قصيدته الرائعة عن وعظ الثعلب  وهو يعايش بعض مواقف النفاق والإزدواجية في عصره ، لكن لو قدر له أن يعايش أيام هذا الزمن  ويسمع التصريحات والإعلام الفارسي والقذافي والأسدي ، لأخرج لنا قصيدة أروع من تلك ، لأن هؤلاء الذين يمارسون كل يوم النفاق الإعلامي والعهر السياسي ، قد فاق مكر وغدر وباطنية ثعلب أحمد شوقي ... بل وأمكر ثعالب هذا الزمان !  .

برز الثعلب يوما ........................ في ثياب الواعظينا

ومشى في الأرض يهذي................. ويسب الماكرينا

ويقول الحمد لله................................  إله العالمينا

يا عباد الله توبوا .....................  فهو كهف التائبين

واطلبوا الديك يؤذن ................   لصلاة الصبح فينا

فأتى الديك رسول .................... من  إمام الماكرينا

عرض الأمر عليه ...............    وهو يرجو أن يلينا

فأجاب الديك عذرا ......... ..... .... يا أضل المهتدينا

مخطئ من ظن يوما ................... أن للثعلب دينا ! ! !