عنفوان

حسن حوارنة /جدة

[email protected]

ألملم نفسي وألوم يومي والأمـر هوالأمر  .

تتسارع الدقائق وتتمطى الثواني  ويتثاءبالزمن  فكأن الذي  يمشي على الأرض في بلدي ليس كأئنــا يذكـر. في حصاد عمر الشعوب لا يوجد من يلوذ أو يلاذ بــه. أسعى كغيـري والأمــر يتربعفوق بلاط شائك وسطح ساخن . الطريـق مرسومة بالآهات والترهات والمخالب فيكل مكان.هذه هي حيـاتي  قالها رجل سكن المقهى كمـا وكيفـا  يتلصص على صحيفة من يجلسبجانبه . ومرة أو مرات يستحي منه صاحب الصحيفة تتغير كل يوم فهو لا يداوم على صحيفة واحدة بل يشتري  أول ما يعرض عليه.أتعجب منــه فهو صامت إلا من نداء النادل ليحضر كأس الشاي أو فنجان القهوة . فنجـان قهوتي ودخانـه يحكي كل يوم حكاية أو ينشد شعرا أو يصمت بخبث.خرجت من مكتبي هذا المساء على غير هــدى. إنها إنتهاء عملي وإحالتي على التقاعد.مناسبة غير عاديـة وليست مفرحة أو محزنة .أولادي بعد هذا العمـر ثلاثة . أكبرهم حاصل على الماجستير في علم المعلومات ويتسكعفي الشارع لا ليبحث عن عمل بل ليقول لي لم أنجبتني يا أبي . والثاني هاجر للخارجوهو يعمل براتب لا يكفي أسرته والثالث ترك الدراسة لعجزي عن دفع أقساط المدرسةالأهلية .عنـدما كنت في الدراسة  الثانوية حصلت على وظيفة مدقق في إحدى الصحف اليوميةبدوام من السادسة مساء حتى منتصف الليل . ودخلي كان يكفيني وأدفع منه لوالدي ليرعيبقية أخواني الأصغرمني . الحصول على الوظيفة بعـد التخرج   لم يدم إلا شهرا وكنت بعدهاموظفا في دائرة حكوميـة عن طريق المسابقة النزيهة وقد توافرت وتساوت الفرص.زمان الغرائب المثلوب  يتهاوى كل يوم والدهر يعارض جميع تطلعاتنـا وأحلامنـا . والفرصضائعة إلا من شده الحظ  لمعرفة رجل  ذي منصب يساعده على تخطي الآخرين.ما نحن فيــه طريق متعوسجة و صخرية الجوانب كثيرة المصاعب  كيف لا والكل يشكو والكل يتأوه  ويحكي قصص الآهات سواء عاشها أو سمع بها.السفينة بربانها والأمم بحكامها  والبحر (بحر الحياة واحد )لي صديق جاء مكتبي يوما ليطلب عملا فوعدته بسؤال بعض أصحاب العمل فرأيت علىوجهه كلمات مرسومة بحبر أسود وأخرج علبة السجائر الفارغة متظاهرا بأنها ملآى او أنه نسي الملآى في البيت . وسرعان ما طلبت من المساعد شراء علبة سجائر لهولما عاد وضعتها في كيس صغير مع عدة مئات من الليرات  ثم تأبطت ذراع صديقيقائلا دعنا نذهب . وبالفعل عرجت على مطعم وقلت له زوجتي مدعوة على الغداء عندصديقتها بمناسبة خطبة أختها . هاانذا أقرأ شريحة من كرام الناس  ومن أصحاب الشهادات يتسكعون في الشوارع لايلوون على شئ . عجبي.أولادي الثلاثة يعملون في شركات لا تنفعهم في عملهم شهاداتهم . ورواتبهم  لا تكفيلولا ما يأخذون من جيبي بواسطة أمهم التي تدك رأسي دائما بأن مداخيلهم لا تكفي اسرهم . هل أصيح وإن صحت من يسمعني  وإذا كتمت في نفسي وتضايقت ربما أخذوني لطبيب نفسي .الأب مهزوم دوما في هذا العصر وقد  تكالبت عليه الهموم بالمعلوم وغير المعلوم وباللامفهوم . إن الساعات تتراكض معاكسة بعضها بعضا . وأنا محتار  أهرب من ليل بلا نهار لأعيش في درب شبه مستدير أطحن فيه نفسي وأخبز فيه هميوغمي . لم يتعب والدي بنـا وأنا محتار بتسكع أحفادي وبلجاجة أمهاتهم  ماضي الأيام كان مفتوحا وسمحا وحاضرها يتلمظ ويتنهد متحسرا علينـا .قلت في نفسي –طالما أنك عملت في الصحافة حاول أن تكتب موضوعات وأنتغمس ريشتك في مداد الحوادث المتناحرة والمتعاقبة. ولكن الأمر لم يعدكماكان فالصحافة في بلادنا مهزومة بالرقابة البغيضة فرحنا بالفضائيات  لمدة وجيزة وما لبثت أن امتلأت بالأخبار المحزنة والمؤلمةالقتـل شاع في معظم بلاد الدنيـا  والمؤتمرات كثرت ولم نشاهد سوى أجسام الزعماء يصطفون كتلاميذ المدارس امام عدسات التلفاز والكثير منهم يصرح بكلمات ووعود معطرة بالمخدر من المشاريع والبنود المغرية .ومايلبث العالم إلا أن تصدمهالمناوشات والحروب الحدودية والسيارات المفخخة والضائقة الإقتصادية ووووالعالم انقسم الى زوايا محدودبة عرجاء وكتل أممية بين العالم الأول والثاني والثالث الخ . مظاهرات الماضي كانت مهذبة ترفع شعارات وتسير صامتة . ثم انقلب الأمروما لبثنا أن رأينا الطفل الفلسطيني يرجم الدبابات  والجنود الإسرائليين بالحجارةثم انتشرت لتكون لغة كل مظاهرة في كل صقع من أصقاع الدنيا مع الزجاجات الفارغةثم انتقلت لنهب المحلات وتكسير واجهاتها وحرق البيوت أو هدم المساجد والكنائس . ظننت بادئ ذي بدء أن ذلك يمكن أن يراوح في الدول النامية ولكن الأمورتعدتها لجميع الدول كبيرها وصغيرها فقيرها وغنيها . ثم اتسعت لتشكل حروباطائفية  مثلما حدث في يوغوسلافيا حيث تفككت من دولة ذات وزن استراتيجيمحايد بشكل فاعل وفعال  ثم غرقت في حرب طائفية بين الفئات الدينية كلهاودفع الناس أكثر من 300 الف قتيل ناهيك عن المجروحين والمهجرينوالمنفيين والهاربين والبنية التحتية التي زالت إلا من قليل .وها أنذا ارى واقابل الكثير من الناس لا يستطيعون تدبير عمل لائق لشبابهم وشاباتهم . ثم انتقلت الأمور الى  تكدس العنوسة أكوما اكواما  في البيوت ذكوراواناثا . وعندما أقرأ أن عدد العوانس من البنات  في بلد ما أصبح غير محتملارى النصف الآخر من الذكور عاجزا عن تأثيث بيوت الزوجية.كتبت قصة في شبابي عنوانها مقعد الحديقة عن شابة وشابة التقيا على مقعد الحديقةوتطور الأمر الى أن يتفقا على الزواج . ولكن عجز الشاب ماديا وفشلت الفتاةفي إقناع أهلها بالتغاضي  عن التظاهر بالغنى وبالرضا بما رضيت وقالت سأعيشمعه في كوخ فزوجيني ولكن الأسرة حالت دون ذلك . أمثلة عديدة سوداء اللونأحداثها عجيبة وأسبابها بسيطة يمكن الإستغناء عنها ما ذكرت آنفا كان الطينة اللزجة التي انزلقت فوقها وغاصت في وحلها كل الأسرفتعاظمت العنوسة وجرت وراءها مشكلات تتوالد يوميا  والشرق العربي أكثرالأقطار تأثرا بذلك . معاناة الناس بما ذكرت بدأت بالدول الفقيرة وامتدت وتشعبت حتى عمت العالم والآتي مظلم لأن كل حرب أهلية أو نزاع داخلي  يأكلان الشباب وتتهاوى البنىالتحتية وهذا الأمر لا يزال ينسج بمنوال خفي والله أعلم.وإذا عدت الى خصوصية حياتي وجدت نفسي حجرا صغيرا في قاع هذه الأنهارمن الحوادث المتلاحقة كل يوم حتى أن المحطات الفضائية لم يعد عندها متسع للمواضيع الإجتماعية والإنسانية  فوا ألمي وواعجبي.