الاستفزاز السافر الذي يمارسه النظام السوري
قبل شهرين ألقي القبض على الجنرال راتكو ملاديتش القائد العسكري لصرب البوسنة بعد 15 عاماً من تواريه عن الأنظار. الجنرال ملاديتش كان آخر المطلوبين من مجرمي حرب البوسنة والهرسك وقد سبقه إلى زنازين العدالة قبل ثلاث سنوات رفيق دربه الدكتور رادوفان كاراجيتش الزعيم السياسي لصرب البوسنة. هذا الأخير برع في مراوغة المجتمع الدولي وتضليله بالكلام المعسول والوعود الكاذبة في الوقت الذي كان الأول مع قواته ينقض تلك العهود في الميدان عهداً عهداً في تزامن وإتقان لافتين.
الجنرال ملاديتش كان رجلاً عسكرياً صارماً عرف عنه القسوة والبطش والتطرف في نزعته القومية الصربية. جرت إحالته إلى محكمة جرائم الحرب الدولية لدوره في قتل 8,000 بوسني في مذبحة سربرينتسا الشهيرة. ولكن سربرينتسا ليست وصمة العار الوحيدة في سجله الأسود. فالجنرال أشرف بنفسه على حصار سراييفو الذي استمر ما يقارب الأربعة سنوات من عام 1992 وحتى توقيع اتفاقية دايتون عام 1996 أذاق فيها المدينة الباسلة الأمرين من قصف وقنص وتجويع أسفر عن 10,000 ضحية من سكانها المدنيين ودماراً هائلاً في بنيتها التحتية وأبنيتها التاريخية لا سيما (وهنا الرابط مع الأحداث في سورية) المساجد.
المليشيات الصربية العاملة تحت إمرة الجنرال ملاديتش (التشتنكس Chetniks) اشتهرت باتخاذها لمآذن المساجد اهدافاً للتسلية والتصويب والقنص. كانت تلك الممارسة الفاضحة معلماً أساسياً من معالم حرب البوسنة أظهرت بوضوح بعدها الإثني والطائفي الذي كان يستهدف عبر التطهير العرقي الوجود المسلم في البوسنة حيث كان الإسلام يعتبر إثنية وديناً في آن معاً.
يوم الخميس المنصرم اقتحمت قوى الجيش والأمن السورية معززة بنسختها الخاصة من التشتنكس (أو الشبيحة) منطقة باب السباع في مدينة حمص. وكان مما تلبسوا به جريمة قصف جامع الزعفران واستهداف مئذنته بالتحديد. طبعاً هذا ليس الحدث الأول من نوعه، فقد شهدت أحداث الثورة السورية سوابق لاستهداف المساجد لا سيما في درعا وتلبيسة ولكن الفرق هنا أن الاستهداف موثق بالفيديو لحظة حدوثه.
شاهد استهداف المئذنة بواسطة الرصاص والقذائف
المشهد نفسه من زاوية أخرى
الأضرار التي لحقت بالمئذنة جراء القصف
والسؤال هنا: من الذي يعمل على زيادة الاحتقان الطائفي؟ من الذي يزرع الأحقاد ويغذي الضغائن ويستبيح كافة الحرمات والمحرمات ويعمل على تقويض السلم الأهلي ويستهدف سلامة النسيج المجتمعي؟ من الذي يحاول عبثاً أن يستنقذ نفسه عبر أقذر الوسائل ولو كان الثمن هو جر الشارع السوري بجميع مكوناته نحو الحرب الأهلية؟ وكيف تساعد هذه الجرائم على نجاح الحوار الذي يفترض أن نائب رئيس الجمهورية يقوده وتروج له أبواق النظام على أنه ركيزة هامة من ركائز مشروع الإصلاح؟!! أسئلة نوجهها إلى السيدة بثينة شعبان بالتحديد حتى تتوجه بموعظتها القادمة حول خطورة استهداف "التعايش" في سورية إلى ولي نعمتها ورب عملها.
إن هذه الممارسات المشينة خليقة بأن تذهب بالآمرين بها والمشرفين عليها إلى حيث ذهب من مارسها قبلهم، فمحكمة الجنايات الدولية هي المكان الأكثر لياقة وملائمة لاستضافة الجنرال ماهر ملاديتش والدكتور بشار كاراجيتش. والألقاب هنا ليست المشترك الوحيد بين الأخوين السوريين والتوأم الروحي الصربي فالأدوار التي يلعبها الأولان اليوم تبلور سيناريواً يكاد يكون مطابقاً لمثيله عام 1996 ولإلقاء مزيد من الضوء على ذلك التطابق في تابع الرابط التالي للديلي تيليغراف وهي تصف أدوار الدكتور رادوفان والجنرال راتكو بمناسبة اعتقال الأخير.