مشروعنا السياسي
زهير سالم*
مشروعنا السياسي ـ2ـ
في مضامين الشعارات الخمسة .. الله غايتنا – الرسول قدوتنا
ترفع جماعة الإخوان المسلمين شعاراتها الخمسة : الله غايتنا – الرسول قدوتنا – القرآن دستورنا - الجهاد سبيلنا – والموت في سبيل الله أسمى أمانينا عنوانا لمشروع إسلامي دعوي عام يربط الدنيا بالآخرة ، ويحدد الطريق والمنهج الذي تنهجه هذه الجماعة المباركة في سبيل تحقيق أهدافها الكبرى في حياة الناس .
يقولون إن توضيح الواضحات من أشكل المشكلات ؛ ولكن ومع إغراق أرباب الكيد الظاهر والخفي في عمليات التشويه ، وسوء التوظيف ، أو الإخراج عن السياق و الانحراف عن المقصود في الفهم يصبح من اللازم في كل مرحلة بحسبها العودة إلى هذه المفاهيم بالشرح والتوضيح ، ليبقى السالكون على بصيرة من أمرهم في كل حين يعرفون ما يأخذون وما يدعون وما يقدمون وما يأخرون ..
فحين يعلن الإخوان المسلمون بوضوح لا لبس فيه شعارهم الأول ( الله غايتنا ) فهم يعيدون على أنفسهم على عقولهم وقلوبهم أولا ثم على الناس كل الناس ترتيل قوله تعالى على لسان أبيهم إبراهيم : (( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ. وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )) .
( الله غايتنا )
تكون بداية الأخ الداعية مع الله ، ليبقى ( الله )بهذا الشعار المذكر الملزم دائما معه . الله معه عند كل نأمة شعور أو كلمة تجري على لسان أو خطوة تسعى بها قدم في ميدان .
( الله غايتنا )
وتتساقط كل الأوراق الجافة عن الشجرة الطيبة ، فتتقشع سحب الغين والغفلة ، دائما يردد الداعية الشعار ( الله غايتنا ) فتتوارى كل السبل التي تضل عن سبيل الله ، وكل المناهج التي تشغل عن منهج الله . ( الله غايتنا ) و أنت لا تسلك إلى حضرة الله طريقا لا ترضي الله . ( الله غايتنا ) وأنت لا تقرع باب الله بيد لا يحبها الله ولا تقف بين يدي الله بثوب لا يرضاه الله ...
( الله غايتنا ) ، وفي كل محفل ، يستطيع الإنسان أن يخاتل ويبهرج ويزخرف ويموه ويخادع ويظهر ويبطن إلا في حضرة الله حيث كل شيء مكشوف (( يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى )) وما هو أخفى من السر ، من الذي لا نعلمه من أنفسنا ولا نقدر عليه في عقولنا وقلوبنا ...
الله غايتنا ...
وتسقط تلبيسات إبليس وتزيينات النفس والهوى ، وينادي علينا سيد قطب الشهيد ( نحسبه ولا نزكي على الله أحدا ) الذي أعطى فما أكدى : ( إن مصلحة الدعوة صنم يجب أن يحطمه الدعاة ) صنم يحتل مكانة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى حين تنسى النفس مبتداها ومنتهاها (( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى )) ...
الله غايتنا ...
وتسقط أمام هذه الغاية الأولية الحاكمة على كل ما بعدها أي إرادة للعلو في الأرض ، ولن نتحدث أمام ضمير داعية مسلم عن إرادة فساد ، إرادة العلو وحب الرياسة الذي قالوا إنه آخر ما يخرج من قلوب الصديقين تتضائل وتذوي على وهج هذا الشعار . كينونة يوسف على خزائن الأرض كانت متلفعة بالحفظ والعلم والقدرة على تحقيق مصالح الناس ، وتأمين عيشهم وحماية ضعفائهم وصون أرزاقهم . حفظ وعلم تعني قدرة متميزة هي أساس ما كان يتطلبه المقام ...
الله غايتنا ...
يجب أن تكون حين يصدق قائلها رسالة أمان لكل الناس الذين يتنازعون ويتنافسون ويتناجشون ....فهذا الداعية ليس منافسا على ما يعتقده ( لعاعات ) وما يؤكد أنه أهون على ربه ( من جناح بعوضة ) ، أو ( من جدي أسك ميت ) .
( الله غايتنا ) قيد تكبح جماح نفسا تريد ، لجام يلجم صاحبه عن موطن طمع ودافع يدفعه إلى مواطن الفزع . شعار يقول لكل لناس إن صاحبه لا يريد أن يزاحم أو يستأثر وأن يستوفي .
قال لأبي هريرة بعد أن سقى كل من حوله من مذقة لبن ، اشرب أبا هر .. اشرب أبا هر ، حتى قال أبو هر ، الذي كان يخاف على نصيبه من المذقة ، والذي بعثك بالحق لا اجد له مساغا .
من كان الله غايته لا يمكن ان تكون مذقة اللبن أو شربة اللبن له غاية ، أيها الساعون إلى الله ، غلى أجمل غاية أروا الناس جمال غايتكم بجميل أدائكم ..
والرسول قدوتنا ..
(( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ))
والرسول قدوتنا في عظيم خلقه وفي عظيم سيرته وفي عظيم إنجازه وفي عظيم احتماله وفي عظيم إبداعه ...
والرسول قدوتنا ..
وجميل أن تقتدي بالجميل في سمته وهديه ولبسه ومدخله ومخرجه ونومه ويقظته ولكن الأجمل والأكمل والأهم أن تقتدي به في العظيم الذي جعله عظيما وفي الجميل الذي جعله جميلا ، أن ترث الرسول في جوهر رسالته وفي حكيم سيرته وفي عظيم إنجازه وخطير ما حققه في حياته : أعظم إنجاز في أقصر وقت بأضعف الأدوات . .
الرسول قدوتنا ..
وكان محمد صلى الله عليه وسلم نبيا رسولا واتبّاعه وهو بهذا الوصف حتم واجب ودين لا زم لا يجوز مفارقته ، ولا الخروج على ما رسم من خطته في صلاة وصوم وحج وزكاة وقبض وبسط ومنح ومنع وحل وحرمة ..
الرسول قدوتنا ...
وكان محمد صلى الله عليه وسلم إماما ( حاكما ) ، وتصرف بحكم إمامته كما يتصرف الحاكم تكون له خياراته فيما يقبل ويرد ، ويقدم ويؤخر ، ويعقد ويحل ، وفي كل موطن كانت خياراته ترتبط بمعطيات الحدث ولا أحد يدري أنه لو تغير الظرف لتغير الاختيار ، ليبقى حسن التقدير والتدبير والحكمة هو الأصل في الاختيار ..
الرسول قدوتنا ...
وكان محمد صلى الله عليه وسلم وهو الإمام البشر يقول إنكم تختصمون إلي ، وإنما أنا بشر ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع منكم ، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة . الرسول النبي جاء برسالة من ربه ، وكان من أمانته أن التزم حدود رسالته أمر ان يقول لنا بكل التواضع (( وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ )) فقال وتبرأ من كل دعوى وادعاء ..
الرسول قدوتنا ..
والرسول الرؤوف الرحيم بنا والإمام المحب المشفق علينا لم يشأ أن يأخذ على أمته سبل عيشها ، ولا طرائق مصالحها ، ولا آفاق الضرب في سبل الأرض والحياة فنفض يده من أمر تدبير معايشنا وهو قد بعث لهدايتنا إلى معادنا فأطلق أيدينا في أمر دنيانا : انتم اعلم بأمور دنياكم . فاحذروا أيها المسلمون أن تغلوها أو أن تسمحوا لأحد باسم هذا الرسول الكريم أن يغلها عليكم
فوّض إليكم رسولكم الرؤوف الرحيم بكم أمر التدبير والتقدير وإثارة الأرض وعمرانها والسعي على أنفسكم تفويضا لا يحده إلا من يرفض الاقتداء الحقيقي بمحمد رسول الله ..
ثم الرسول قدوتنا ...
وكان محمد رسول الله صلى الله عليه بشرا مثلنا (( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ )) مثلية تقربه وترفعه وتعليه ، كان يقول ( إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد في بطحاء مكة ..) كان محمد رسول الله ( البشر ) يلبس كما يلبس قومه ، ويأكل مما يأكلون ، ويعاف ما يعافون ، ويسكن في البيوت التي يسكنون ، كان يحب ويسخط ويرضى ويغضب وتعجبه ثياب وألوان وأطعمة وأشربة وينفر من أخرى ؛ و جميل من المحب أن يشرب من حيث وضع الحبيب فمه على شفة الكوز . ولكن القدوة الحقيقية في مجاليها العملية الأولى في ندائنا ( الرسول قدوتنا ) هي في الاقتداء بالرسول الكريم صاحب الخلق العظيم الذي لخص له ربه رسالته حصرا وقصرا : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ...هذا هو جوهر الرسالة ولبها وغايتها وهذا هو جوهر الاقتداء ولبه وغايته وكل ما عداه تفاصيل وتفاريق من غير تهوين ولا تصغير ولا ..والاقتداء بالرسول العظيم فعل عظيم فلا تختصروه بما لا يليق بالرجل العظيم واذكروا ( إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها )
مشروعنا السياسي
ـ3ـ
القرآن دستورنا
في مضامين الشعارات الخمسة
يضع القرآن الكريم للبشر ، كل البشر، القواعد العامة لحياتهم الفردية والجماعية . وتميز القواعد القرآنية في عمومها للناس بين الجميل والقبيح من أمرهم ، في عوالمهم النفسية والعقلية وفي طرائق تصرفهم وأنماط سلوكهم على المستويين الفردي والجماعي .
وكانت كرامة الإنسان هي القاعدة الأولى في الدستور الرباني المجيد : فقد اعترف القرآن الكريم بكرامة الإنسان بوصفه المجرد ابنا لآدم ( ولقد كرمنا بني آدم ) كرامة حازها الآدمي بأصل خلقته واستحقها ذكرا وأنثى بدون أي شرط إضافي . واعتبر القرآن الكريم الإنسان مخلوقا أصلا في أحسن تقويم كريما على فطرته الأولى بريئا بلا خطيئة ملازمة أو مصاحبة . فالإنسان الفرد قد ورث عن أبيه آدم كرامته وليس خطيئته. ويوضح القرآن الكريم أن الإنسان قد تُرك على سبيل امتحان الإرادة وتحمل مسئولية الاختيار أن يتوازن ويستقر على قمة خُلق بالأصل عليها قمة (( أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )) ، التي هي أعطية ربانية لكل البشر ووهدة (( أَسْفَلَ سَافِلِينَ )) التي يصفها القرآن بأنها اختيار الإنسان لنفسه حين يسيء الاختيار .
وكانت المساواة هي القاعدة الثانية في الدستور القرآني : المساواة المطلقة بين الناس على أساس جبلتهم و مصدر خلقهم ، ومادته الأولى ، والإمكانات الأولية الممنوحة لكل الناس من قدرة على التفكر والتدبر ولو في حدود مختلف فيها .
ولقد سبق القرآن الكريم إلى إعلان المساواة بين البشر كل البشر ، المساواة في الكرامة الآدمية ، وفي استحقاق الأهلية ، أهلية الخطاب ، وأهلية التكليف الرباني ، وأهلية امتلاك الإرادة والتعبير عنها ، مما يسمى اليوم الأهلية المدنية . كما كان القرآن الكريم سباقا للاعتراف بكل ما سبق للذكر والأنثى وللأبيض والأسود ، وللعربي والأعجمي وللمؤمن والكافر على السواء .
وكان العدل هو القاعدة الثالثة وهو المطلب الأولي الذي وضعه الدستور الرباني لحياة الناس . وما أجمل وأكمل أن يؤكد القرآن الكريم أن سر إرسال الرسل وإنزال الكتب هو في قيام الناس بالقسط (( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ...)) ولقد جعل القرآن الكريم العدل قاعدة و غاية ومطلبا وحقا لكل مخلوق .. حتى قرر حديث شريف أن الخالق تعالى يقتص من الشاة القرناء للشاة الجماء ..
وكانت الحرية المرتبطة بالمسئولية هي القاعدة الرابعة التي أقرها القرآن الكريم أساسا للحياة الإنسانية على المستويين العام والخاص فقد نفى القرآن الكريم عن حياة الإنسان ( الإكراه ) ، وأبطل كل الآثار المترتبة عليه . وأعلن بوضوح لا لبس فيه أن (( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ )) .
وحتى لا توظف هذه الآية بطريقة انتقائية شاذة كما يفعل البعض اليوم يجب أن نوضح أن القرآن الكريم رتب على خيار الإنسان الأول أنواعا من الالتزام والإلزام فمن اختار الإيمان وجب عليه الالتزام بقواعده ولزمته استحقاقاته . وانبثق عن اعترافه بالأصل التزاما بالفرع وخضوعا لأمره . وإلا تحول مفهوم الحرية إلى نوع من الفوضى لا تستقيم معه الحياة الجماعية .
وإلى جانب هذه القواعد الأربع الأساسية نجد في القرآن الكريم الكثير من القواعد الفرعية تضبط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في حياة الناس . كما نجد قواعد أولية للقانون العام ، ونجد في حزمة من تشريعات القرآن الكريم نصوصا تتعلق بالأحكام التفصيلية أهمها ما ينظم علاقات الأسرة أو ما يخص عقوبات الجنايات الكبرى .
وللحق نقول إن الأحكام التفصيلية التي نتحدث عنها لا تشكل 10 % من جملة قواعد القرآن الكريم التي تؤسس لعيش إنساني كريم وجميل ورحب بعيدا عن الضنك بصوره وأشكاله . ومع ذلك نجد الكثير من أصحاب الأهواء ومثلهم من الذين لا يعلمون يحاولون اختصار الشريعة الإسلامية بالتفصيلي المحدود على حساب الكلي العام !!
ونجد في القرآن الكريم قواعد العقود وقانون الإجراءات العام وقواعد الإثبات والنفي . فقاعدة العقود التراضي . أي الإرادة الحرة المعبرة عن أطراف العقد . والعقود في الإسلام جميعها مدنية حتى عقد الزواج منها فهو لا يحتاج إلى كاهن أو حامل سر مقدس يعقده .والعقد في شريعة الإسلام هو شريعة المتعاقدين مادام منسجما في أصله مع القانون العام . والعقود والوفاء بها أمر أولي ومطلق في القرآن الكريم (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ )) . والعقود في النص القرآني فردية كانت أو جماعية تحتاج دائما إلى توثيق وإثبات ، منعا للتشاحن والفساد بين الناس .
كما نجد في القرآن الكريم قواعد عامة للعلاقات الإنسانية أو المجتمعية أو الدولية المفتوحة التي تحض في جملتها على البر والقسط والتعاون وتزين التعايش والتواد و الجنوح إلى السلم ..
ونحن ، الإخوان المسلمين ، نؤمن بكل هذا ونحن نرفع شعارنا الأولي والأساسي ( القرآن دستورنا ) . ونرى في القرآن الكريم بكل هذا الإعجاز وبكل هذا الغنى مرجعا أوليا لدستور مدني بالمعنى الاصطلاحي العصري لمعنى ( الدستور ) . فشعار القرآن دستورنا لا يلغي أبدا أننا نطالب للدولة التي نسعى إلى بنائها بدستور يوضح الهوية ، ويقر العقد الاجتماعي بين أطراف الدولة ، الدولة التي يعتبر الانتماء إليها كافيا لمنح الكرامة والمساواة والعدل والحرية لكل أبنائها .
ولا نقبل بأي حال من الأحوال أن يجعل البعض من ندائنا ( القرآن دستورنا ) مدخلا لمصادرة ركيزة مهمة من ركائز الدولة المدنية الحديثة التي نسعى إليها ( الدستور المدني ) بصياغاته التي ينتظر منها أن تحدد ما ينفي عن حياة الناس كل أشكال البغي والفساد .
يختبئ بعض أرباب الاستبداد الذين مردوا على الفساد وراء هذا الشعار ( القرآن دستورنا ) أو ( دستور المسلمين الأول ) وأن يسيئوا تفسير الكلمة ، ليصادروا على الأمة حقها في دستور مدني عصري يشكل عقدا اجتماعيا يحدد الصلاحيات والمسئوليات . ويحدد مناطات الأفعال والتصرفات . ويحد من صلاحياتهم ويحدد دوائر تصرفاتهم ..
في فقه اللغة العربية تعتبر العلاقة بين كلمة دستور في ندائنا ( القرآن دستورنا ) وبينها في مطالبتنا بدستور مدني تبنى عليه الدولة من قبيل المشترك اللغوي . والمشترك اللغوي هو ما اتفق لفظه وتباينت دلالته . وحين نعلن نحن - الإخوان المسلمين - القرآن دستورنا فإنما نقصد أن القرآن الكريم بمبادئه وقواعده ومقاصده الكبرى يشكل مرجعا أوليا نرجع إليه في اشتقاق دستورنا المدني بصياغاته المحددة ، وإجاباته على كل ما يتعلق بتوضيح الأساسيات ، وتنظيم العلاقات ، وتحديد المسئوليات والصلاحيات وتوزيع الحقوق والواجبات ..
وفي الوقت نفسه نريد بما نوضحه هنا إسقاط مزاعم البعض حول أن الإخوان المسلمين حين يعلنون شعارهم : القرآن دستورنا فإنهم يرفضون أن يكون في دولهم دساتير مدنية يرجع إليها الناس وعليها يستندون . وبعض أصحاب هذه المزاعم يخلطون جدا بهزل ، ويحاولون المكر السيئ في إلزام المسلمين ما لا يلزمهم وإحراجهم بما لا يخطر أصلا على بالهم ..
ولعل الرسالة الأوضح التي نريد أن نوضحها هنا هي افتراق مشروعنا السياسي الإسلامي عن مشروع أهل الغلو ، وتباين طريقتنا عن طريقتهم.
فليس من فقهنا الإسلامي ، ولا من مشروعنا الإسلامي أن نحبس تطور الحياة الإنسانية في تاريخ لحظة أو حقبة أو قرن مهما كانت تلك اللحظات التاريخية جميلة أو وضيئة . لأننا نؤمن أن سر وضاءتها في جوهرها ومقصدها وليس في هيكلها وشكلها كما يحلو للغلاة الماضويين أن يفسروا أو أن يبشروا بل أن ينفروا ...
القرآن دستورنا ...نعم وكرامة ولكنه دستور أولي في العقول والقلوب والنفوس يشتق منه أولو العلم دستورا عصريا يلبي حاجات العصر ويحقق مصالح الناس . دستور يفصل ويوضح ويضبط ويحدد وينفي الضنك والعنت عن حياة الناس كل الناس ...
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية