أيها المصريون: حيَّ على الإخاء والعمل
أيها المصريون:
حيَّ على الإخاء والعمل!!
حسام مقلد *
أجمع المحللون وخبراء السياسة الدولية أن الثورة المصرية المباركة تمثل تحولاً ضخماً في العالم العربي، ويتوقعون أن تغير وجه المنطقة بأسرها إن استكملت مراحلها بنجاح، وتمكنت من إقامة دولة مدنية حديثة تتمتع ببنية قانونية عادلة وناجزة تساعد على خلق مجتمع متقدم وقوي وآمن، يحصل فيه كل إنسان على حقوقه كاملة غير منقوصة في مقابل أن يؤدي بأمانة وإتقان كل ما عليه من واجبات؛ ولذلك كان فرضاً على كل مصري يحب وطنه أن يشرع فورا في العمل وزيادة الإنتاج؛ ليسهم في بناء هذا الوطن الذي يحبه ويتمنى أن يعيش فيه سعيدا هو وأسرته، ويتركه عزيزا قويا لأولاده وأحفاده من بعده.
وقد حزن الكثيرون وهم يرون طوال الشهرين الماضيين تشتت جهود المصريين والتباس الرؤية لديهم، وتبديد قواهم في توافه الأمور، وتضييع الأوقات الثمينة في خلافات سخيفة تنشب هنا أو هناك، وسرعان ما تتحول إلى نيران هائلة وحريق مدمر، ويتساءل المراقبون في دهشة كيف سمح المجتمع المصري العريق والإنسان المصري الذكي النبيه لنفسه بأن يُستَدرَج لمثل هذه الحالة المذرية والوضع غير الطبيعي ؟!! فبدلا من توجيه الطاقات الإنسانية والإمكانيات البشرية الهائلة التي يمتلكها لبناء النهضة المصرية الحديثة وصناعة التطور والرقي الحضاري والتكنولوجي اللائق بمصر وشعبها العريق بعد عقود من الجهل والفقر والمرض والتخلف والضياع والتقهقر الشامل في مختلف المجالات من صحة وتعليم وتقنية وبحث علمي، وعدالة اجتماعية وحرية وديمقراطية...إلخ، وبدلا من ضبط الحالة الأمنية، والالتفات للعمل وزيادة الإنتاج، وشحذ الهمم والطاقات لوضع تصور علمي كامل لمستقبل مصر، وإرساء رؤية حضارية شاملة لدولة مصرية مدنية حديثة وعصرية تتحقق فيها العدالة الاجتماعية والمساواة والمواطنة والحرية الحقيقية لكافة المصريين بغض النظر عن الدين واللون والجنس، وبدلا من مساعدة المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومة الثورة على إخراج مصر عزيزة قوية ناهضة من عنق الزجاجة في تلك المرحلة الانتقالية الحرجة التي نمر بها الآن، ووضعها على بداية الطريق الصحيح ـ بدلا من كل ذلك رأينا للأسف من المصريين من يهدر تلك الطاقات الهائلة ويشغل الشعب المصري كله بسفاسف الأمور، ويعيق حركته ويسعى بكل قوته لعرقلة مسيرة الإصلاح برمتها؛ لأنه يخشى ألا تأتي نتائجها على هواه...!!
ولكن الحمد الله استفاق المصريون سريعا، وأدركوا بشاعة هذا المخطط الشرير الآثم؛ فأجهضوا المؤامرة مبكرا ووأدوا الفتنة إلى غير رجعة بإذن الله تعالى، وعليهم الآن الانطلاق بكل قوتهم لتكوين مجتمع تتكامل فيه الجوانب القانونية والتنظيمية مع مختلف العوامل والجوانب التربوية والثقافية لإعادة صياغة الشخصية المصرية، وتشكيل ميولها وتوجهاتها بصورة أكثر إيجابية؛ لتنهض بأعباء تشييد حضارة عصرية قوية يزدهر فيها البناء والعمران والاقتصاد والسياسة والتقنية، وتتحقق الحرية والرفاهية المنشودة لعموم أبناء الشعب المصري..
وفي رأيي أن من أوجب الواجبات بعد الانطلاق في العمل وزيادة الإنتاج السعي فورا لتدعيم مفاهيم الإخاء والمواطنة وتفعيل ذلك كصيغة وحيدة للتعايش، بمعنى أن يتعامل المصريون جميعا في حياتنا المدنية معاملة واحدة في كل المجالات كما كنا دائما، وحتى يتحقق ذلك لا بد من تذوب كل العصبيات، وإسقاط كل الفوارق، فلا يتقدم أحد أو يتأخر في دنيا الناس هذه إلا بعمله وعطائه ومقدار ما يبذله من جهد لخدمة مجتمعه ومواطنيه، وينبغي جعل هذه المواطنة عقداً نافذاً وليس مجرد لفظ أجوف نتشدق به، أو شعار فارغ نرفعه في المناسبات، بل يجب أن يكون واقعا معاشا يشعر به كل مواطن مصري، ويتمتع من خلاله بالحرية والعدالة والمساواة، والحصول على كافة حقوقه دون قهر أو ضغط أو حاجة لواسطة أو محسوبية، وينبغي جعل عبارات مثل: "الوحدة الوطنية" و"النسيج الاجتماعي الواحد" حقيقة نعيشها وليس مجرد عبارات جوفاء تثرثر بها الألسنة، ولا نجد لها أثرا في الحياة كأن نجد في غضون ثوان معدودة عشرات أو مئات الآلاف من المصريين من الأقباط أو من المسلمين قابلين للاستثارة والتهييج في أي لحظة وفي أي مكان دون تعقل ودون كبح لجماح النفس البشرية التي تخرجها سورة الغضب والانفعال عن طورها، وتصبح عدائية وأكثر استجابة للتحريض وارتكاب العنف، ينبغي أن نعيد بناء المجتمع المصري الجديد على أساس راسخ من المودة والمحبة والإخاء والإيثار والمواساة، بحيث تمتزج عواطف هذه الأخوة الوطنية والإنسانية الفطرية والطبيعية مع المشاعر الدينية النبيلة بكل ما فيها من حث على التسامح والتغافر والتعايش ونبذ العنف، وذلك كله كي نرى ملايين المصريين مسلمين وأقباط يضربون أروع الأمثلة في العطاء والبذل والتضحية من أجل مصر.
ونتمنى أن يكون لكل مصري ومصرية دور فاعل في إزالة جميع مشاعر الجفاء والفتور التي قد توجد بيننا سواء كنا مسلمين أو أقباط ، فهذه المشاعر السلبية تولدها ضغوط الحياة وصعوباتها القاسية بحيث يصبح الواحد منا لا يطيق تحمل أحد أمامه حتى ولو كان من أسرته وأهله الأقربين، وهذه الضغوط تفرز ولا شك نوعا من الاحتقان والحدة في التعامل، وهذا بدوره يولد قدرا من الضغائن والأحقاد، يتراكم مع الوقت، ثم ينفجر في صورة صراعات ونزاعات تلبس بكل أسف الثوب الطائفي، وينفخ فيها المغرضون فستثار الأعصاب أكثر وأكثر ويتأزم الوضع وينفجر في أي لحظة، مهددا الوطن كله بحريق هائل على النحو الذي رأيناه طوال الأشهر الماضية!! وعلينا من الآن فصاعدا تجاوز ذلك كله، وبناء مجتمعنا المصري الجديد على أسس راسخة، ومبادئ سامية، وقيم شامخة، من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال.
ولا يختلف مصريان الآن على أهمية الهدوء والتحاور الجاد البناء فيما بيننا، وضرورة إعادة ترتيب البيت المصري من الداخل وبنائه على هذه الأسس القوية الراسخة، ولن يدعم ذلك حالة الهياج والفلتان الأمني، والوضع الانسيابي التي تعيشه مصر حاليا، فلا بد من عودة الهدوء وإنهاء الإضرابات والمظاهرات الفئوية والتوجه للعمل فورا، وليت وسائل الإعلام وأبواق الدعاية المضللة تتقي الله في مصر وشعب مصر، وتكف عن تهييج الجماهير وبث الذعر والهلع والخوف في قلوبهم، وأولى بها أن تكون رائدة في غرس الأمل في نفوس الناس وإنعاشه في قلوبهم، وجذبهم للعمل والإنتاج ودفعهم إليه دفعا، وفتح آفاق جديدة للاستثمار، واقتراح أي شيء من شأنه إنعاش السياحة بل إنعاش جميع مجالات الاقتصاد المصري؛ لأن ذلك هو الأمل الحقيقي لنهوض مصر من كبوتها وإقالتها من عثرتها وإخراجها من أزمتها التي توشك ـ لا قدر الله ـ أن تعصف بنا جميعا!! وقبل ذلك كله على كل مؤسسات الدولة العودة فورا للقيام بدورها في حماية المجتمع، والضرب بشدة على أيدي العابثين بأمن الوطن، ومعاملتهم بكل ردع ممكن وفق القانون والدستور!! وعلينا أن نثق في أنفسنا، وفي بعضنا البعض، وفي حكومتنا وفي المجلس العسكري وقواتنا المسلحة الباسلة، بل وفي جميع أبناء المجتمع المصري الأصيل فهم عماد نهضتنا، وهم الذين سيحمون مصرنا الحبيبة من أي شر وسوء، ولن يسمحوا لأحدٍ أيًّا كان بالاعتداء عليها أو انتهاك أمنها وحرمتها وسيادتها، أو المساس بوحدتها الوطنية وتماسك نسيجها الاجتماعي الذي تميزت به على مر السنين!
* كاتب إسلامي مصري