أيها القتيل الشهيد الصديق
أيها القتيل الشهيد الصديق
ياسمينة صالح
ما الذي جعلك تؤمن بذلك الذي يركب بحرك الأزلي، ليمضي بك نحو حرية صدقتها واندفعت نحوها بكامل جوعك إلى الحياة ! يا صديق الأشياء التي نشترك في تسميتها، ونختلف في توقيتها، فنعي مدى نهمنا إليها. كل الدروب تؤدي اليوم إلى نفس المطالب يا صديق.. لا شيء يعلو على جثة مبتهجة بالموت، تعبر الشارع الشعبي محمولة على فكرةٍ حلمت بالغد مثلي ومثلك.. لا شيء يعلو على شيء، سوى اليقين، بأننا لن نكون ثانية كما كنا قبل اليوم، وأننا ـ للسبب البسيط.. للسبب الكبير..ـ لن نرتكب حماقة الحياة العادية ليوم إضافي للسخرية، فلا شيء سيكون كمان كان، ولا الكلام اليومي سيغرق في التفاصيل الصغيرة.. في الحديث عن الخبز، وسعر الزيت والبن، وزيادة في الراتب، وأخرى في حرقة الدم !
الآن والبداية انطلقت من بؤرة اللحظة الاستثنائية للتأمل.. الآن بعد أن اغرورقت الأرض بدماء أبنائها، سيكون من الصعب أن تعود إلى بيتك عاديا، مجردا من الحقيقة مذ مشيت واثقا نحو قدرك الأزلي، أيها المسكون بحرية يسرقها الجبناء جيلا بعد جيل بعد جيل، أيها المرتد عن الخذول، ها أنت تمضي واثقا من نفسك، غير آبه بحياتك، لأجل حياة من سيولد بعد قليل أكثر حرية مما نحن عليها الآن، كلما أصابتك رصاصة في الظهر تقدم من يقف خلفك نحو الأمام. لا شيء أبسط من الموت دونما خوف من القاتل المتجرد من عزيمتك وهدوء أفكارك أمام الموت، وقد أصبحتَ ماردا يحرك هواجس الحاكم/القاتل.. تعي أن موتك سيولد شيئا ضروريا للحياة كالحياة، تماما كما خلقتَ أول مرة، وآخر مرة ! فالفراشات التي تعيش يومها الوحيد تعرف أنها أكثر كرامة وحرية منا، وأنها في يومها البسيط، تعيش ألف عام من السعادة حول ضوء يستدرجها إلى إنسانيتها الأولى، مثلما يجر النور فرحة غامرة.. ولا تقل "تصبحين على شيء غامض وهلاميّ بعد الآن"، وقل "تصبحين على حرية لن تتعايش مع الطواغيت الرسميّين، حرية لا ولن يستوعب مفرداتها هولاكو القرن الواحد والعشرين الذي يتقمص دور الإصلاحي في كل دولة يسكنها شعب يشبهنا في الشكل وفي مطلب التغيير.. ! ولا تغني للغد قبل بلوغه. فالطريق ما تزال في بدايتها، أيها الأخضر كلون العشب، وتذكر أن الجثث ما تزال تحمل على الأكتاف، نحو قبرها الهادئ، في ميتة مختلفة، يكون فيها القتيل أكثر سعادة مما كان عليه حيا، وتكون لأحلامه أسبابا مهمة للعيش من بعده، ومساحة مسيّجة بالفرح في حضور الله.