المعركة... بين الحرية والمستبدين
م. محمد حسن فقيه
تهتف الجماهير المسحوقة في تظاهرات احتجاجها ضد حكامها المستبدين منادية بالحرية ، فتقابلها أجهزة القمع وأدوات النظام الفاسد بالرصاص الحي .
يهتف المحتجون : الله .. الوطن ... الحرية .
ويهتف المؤيدون للحاكم المستبد : الله ... الوطن .... زعيمنا الأوحد .... زعيمنا للأبد ...زعيمنا ويس ، ثم يؤكدون ولاءهم وتفانيهم لأجل الزعيم هاتفين : بالدم بالروح نفديك يا زعيم .
مقرين معترفين مؤكّدين بأن الزعيم عدو الحرية ، أو أن الحرية هي العدو الأكبر للزعيم ، ثم يهددون ويتوعدون بأنهم لن يتوانوا عن التضحية بأنفسهم من قتل وسحل وسفك للدماء ، ومن إقامة المذابج وتنفيذ المجازر ونصب المشانق ، فداء للزعيم ضد أعدائه وعلى رأسهم هذه الحرية المقيتة ( المندسّة ) التي عكرت صفوهم وسممت مزاجهم ، وقد نافست سيادة الرئيس واحتلت موقعه ، في منافسة ليست شريفة البتة ، بل منافسة ضمن مؤامرة امبريالية ، وعمالة أجنبية ، وأجندة خارجية ، وخيانة وطنية عظمى ، فكيف تتجرأ تلك النكرات المسحوقة والقطعان المهمشة أن تتحدى سيد أسياد ساداتهم ، وتهتف ضد رمزالوطنية والقائد الأبدي الأوحد للوطن والأمة وسراج الهدى للإستقامة ... والشرف ... والنزاهة ... والمهيأ لقيادة العالم من الإنس والجن .... وجميع هوام الأرض ومخلوقاتها .
بالأمس كان هؤلاء المؤيدون من عبيد العبيد ، يسحقون تلك القطعان من المحتجين ويسومونهم سوء العذاب من الذل والهوان ، وهاهي القطعان اليوم قد خرجت ضد قائد العبيد المفدى ، لا يحترمون الزعيم الأوحد غير آبهين به ، لا يقيمون له وزنا ولا يرفعون له شأنا ولا يحسبون له حسابا ، وينغصون عليه سعادته بذلك العدو الخرافي ( الحرية ) ! .
الحرية التي ينادي بها المحتجون ، يحاربها المستبدون بعنف شديد وضراوة ، لأنهم يعتبرونها عملا إرهابيا ، أو لعلها تفجيرا انتحاريا ، أو عبوة ناسفة ، أو قنبلة موقوتة ، ولذا لا بد من التصدي لها بقوة ، لكونها مؤامرة كبرى وعدوا مندسا ، تعطل خطط الحكومة واستراتيجيتها ، وتستهدف الوطن وتقوض مصالحه .
الحرية نور يشرق على ظلام الفساد والإستبداد ، فينتشر نورها ويعم شعاعها في أرجاء المعمورة ، يبدد حلكة الظلام ويعري الطاغوت المستبد وأعوانه ، فتفضح عورته وتكشف سوءته وتبرز قبحه ومخازيه ، فينقض عليها مع زبانيته بقلب متحجر ، مشحونا بالحقد ، مفعما بالغضب ، مسلحا بالبغضاء والكراهية ، ليقمعها وينتقم منها ويشفي غليل حقده ، يمزق جسدها ويسفح دمها ويغتال أطفالها .
إن الحرية ذلك المخلوق الضعيف المستهدف ، تبدأ احتجاجاتها بصوت مكتوم خافت ومخنوق ، فتستجيب معها ملايين الحناجرتردد كلماتها العذبة ونشيدها الشجي ، وتخرج الجموع الحاشدة في جميع المدن والقرى والبوادي يعلنون انحيازهم إلى ذلك المخلوق الضعيف ، متحدّين حكومة الطاغوت الظالم بأدواتها القمعية وأساليبها الإرهابية وأعمالها الإجرامية .
تخرج الجماهير في مظاهرات احتجاجية بصدور عالية عارية ، وهامات عزيزة مرفوعة ، وحناجرصادقة تصدح بالحرية وحب الوطن ،عزل من كل شيء إلا قوة الإيمان ومضاء العزيمة .
تقابلها أجهزة القمع من أدوات الطاغوت وعبيده برصاص حي ينطلق من فوهات أسلحتهم المعدّة لحماية الوطن من الأعداء والمغتصبين ، وقد دفع المواطنون ثمنه من كد يمينهم وعرق جبينهم وخيرات وطنهم ، فيخترق الصدور ويهشم الرؤوس وتتفجر شلالات الدم من الأجساد الطاهرة ، لتروي أرضا عطشى للحرية أكثر من هؤلاء الثائرين ، وهي تئن من ظلم الطغاة ، وتئط بغيظ من إجرامهم وأفعالهم المنكرة القبيحة ، مثقلة بجرائمهم وآثامهم ، وتتهيأ لتنشق وتطبق عليهم .
فإذا ما تفجرت شلالات الدم وارتوت الأرض بدماء الشهداء الطاهرة ، تلبس الحماس نفوس الأباة ، وتحولوا إلى ليوث هصورة اعتدي عليها في عرينها ، فتستدمي ضد أعدائها مستسلة للدفاع عن حقها ، فتزلزل الأرض من تحت أقدام الطغاة ، وتدور الدائرة على الباغي وحاشيته الفاسدة ، فيلفظه أصحابه وأهله وخلانه وجيرانه ، حتى يصبح ضعيفا ذليلا منبوذا طريدا ، تلاحقه مظالم الجماهير وجرائم الفساد ، ولعنة دماء الشهداء المباركة لتلتف حول عنقه ، ثم يرمى به إلى مستنقعات غدره وإجرامه ، ليدفن فيها غير مأسوف عليه ، وسط ارتياح الجماهير لحكم العدالة وزوال الطاغية وانتهاء حكمه الفاسد المستبد .
وتسود الحرية وتجلجل كلمتها وتعلو رايتها مرفرفة خفاقة فوق ربوع الوطن الحبيب رغم أنف الطغاة والمستبدين ، لتعيد للشعب كرامته المهدورة وحقه المغتصب وأرضه السليبة .