صور ناطقة للتحوت والروابض 12-13

صور ناطقة للتحوت والروابض

أحمد الجدع

[12]

كانت النهضة التعليمية في ذاك البلد الخليجي تسابق الزمن (كما يقولون) يتزايد السكان بشكل كبير ، تزداد المواليد ، ويزداد الوافدون بأولادهم وبناتهم ، ولم تعد المدارس بتجهيزاتها تتسع للمزيد .

أخذت الضغوط تنهال على المسؤولين عن المسيرة التعليمية ، وأخذ هؤلاء يبحثون عن مخرج .

كدسوا الطلاب في الغرف حتى لم تعد تتسع للمزيد ، أدركوا أنهم يحتاجون إلى توفير غرف أخرى ، تنادوا إلى اجتماع لمديري المدارس ، كانت المدارس مئة ، ناقشوا وناقشوا ، ليس في الجعبة من سهام !

وماذا يخرج الرامي من جعبة فارغة !

أصرّ المسؤول الذي يرأس الجلسة أن يجد حلاً ، وأخيراً قال للمديرين : فليذهب كل منكم إلى مدرسته ويعود إليّ غداً حاملاً معه قراراً بتوفير ما يستطيع من غرف .

كلهم عادوا إلى مدارسهم ، وكلهم عقد اجتماعات مع مساعديه ، وكل أمر مساعديه أن يجدوا له حلاً سريعاً .

هل نستغني عن واحدة من غرف المخازن ؟ قال أمين المخازن : لا أستطيع !

هل نستغني عن واحدة من غرف التربية الرياضية ؟ قال القائد الرياضي : هذا مستحيل !

هل نستغني عن واحدة من غرف المختبر العلمي ؟ قال مشرف العلوم : من أين لي ذلك !

هل نستغني عن واحدة من غرف التربية الفنية ؟ قال مشرف التربية الفنية : وأين يرسم الهواة ؟

هل نستغني عن غرفة من غرف مقصف المدرسة ؟ قالوا بصوت واحد : وأين يأكل الطلاب ؟

قالوا ... وقالوا ... وقالوا .

ثم قال المدير ... وجدتها ، نستغني عن غرف المكتبة ... وماذا يستفيد الطلاب من المكتبة ؟

قال أمين المكتبة في دهشة بالغة : ماذا تقول يا سيدي ؟ المكتبة في عماد الثقافة ، وهي ...

قاطعه المدير قائلاً : اسكت ... اسكت ، أنا لا أرى فيها فائدة ، ابدؤوا بنقل الكتب إلى المخزن وأخلوا المكان .

كانت هذه الصورة متكررة في كل المدارس ... قرروا أن يغلقوا المكتبات ، إلا واحداً !

هذا الذي حدث ...

حسبنا الله .

==========

[13]

فلسطيني يحمل وثيقة سفر مصرية وهو متزوج من اثنتين من مصر .

يستطيع أن يسافر بهذه الوثيقة إلى بلدان العالم كله إلا مصر !!

عجباً ، تعطيه مصر وثيقتها ولا تحترمها ... لماذا هذا ؟!

مصر العظيمة ، مصر عمرو بن العاص ... مصر صلاح الدين ... مصر الملك المظفر قطز ، أم الدنيا ، يتسع صدرها للناس أجمعين إلا أبناء فلسطين ؟

أليس أبناء فلسطين من هذه الدنيا التي كانت مصر ولا تزال أمها ، أم أن أبناء فلسطين جاءوا من كواكب أخرى ؟

عجباً تتسع مصر ، يا رئيس مصر ، إلى اليهود يسرحون فيها ويمرحون ولا تتسع لأبناء مصر من أهل فلسطين ؟

نعم يا رئيس مصر إن أبناء فلسطين هم أبناء مصر وإن أبيت ، وإن قلبت المفاهيم كلها !

حمل أبو أحمد زوجتيه وأبناءه ووصل إلى مطار القاهرة ، المطار الذي كتب على بوابته : " ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين " .

دخل قاعة المطار ، وسلم الجوازات ، دخلت الزوجتان ، ودخل الأولاد ، ومنع أبو أحمد من الدخول ّ

فصله غلاظ الأكباد وقساة القلوب عن زوجتيه وعن أولاده ، لماذا ؟ لأنه فلسطيني ، قال الرجل بالفم الملآن : هذه وثيقة مصرية ، فكيف تمنعونني من الدخول إلى مصر .

أليست وثيقة مصرية ؟

لا تكثر الجدل ... وعد من حيث أتيت !

هكذا : عد من حيث أتيت .

وبينما كان الرجل يقول ذلك كانت الجنسيات كلها حتى أبناء القردة والخنازير تدخل بسهولة وبترحيب أرض مصر ... مصر الطاهرة التي أباحها حاكمها لكل أعدائها !

أخذ أبو أحمد ينتقل من مكتب إلى مكتب ، يرجو هذا ، ويستعطف ذاك .

كلهم كان يهز رأسه ... ناهراً ... أو آسفاً .

يقول أبو أحمد : كلَّت رجلاي ، ولم يبق أمامي إلا الباب الأخير ، لقد أخذت المكاتب تخلو من موظفيها الذين مضوا لتناول طعام الغداء .

كان هذا المكتب آخر المكاتب .

دخله أبو أحمد : هل تسمح لي أن أرتاح على هذا الكرسي .

نعم ... تفضل ... أهلاً وسهلاً ... هل أستطيع أن أساعدك ؟

قال أبو أحمد يخاطب نفسه : لعلني أجد لدى هذا الرجل مخرجاً .

قال له : أنا من أبناء فلسطين ، ومتزوج من فاضلتين مصريتين ، أدخلوهما والأولاد ... ومنعوني من الدخول .

قال الرجل : لعن الله من سن هذا القانون الظالم .

التفت أبو أحمد إلى هذا الرجل الذي يحمل على كتفه رتبة عسكرية عالية ، تفاءل أن يسهل له أمره .

فقال : هل أجد عندك حلاً .

قال الرجل آسفاً : كلا يا أخي ، القانون قانون !

واسمع ما أقوله لك : إن قضية فلسطين لن تجد خيراً ما دام هذا الرئيس متربعاً على عرش مصر ورابضاً على قلبها ، كاتماً أنفاسها ...

وعاد أبو أحمد من حيث أتى .

حسبنا الله .