بين نيرون الروماني ونيرون الليبي

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

ما رأيت " معمرمحمد عبد السلام أبو منيار القذافي "، المشهور بالأخ العقيد معمر القذافي إلا وقفز إلى ذهني صورة نيرون روما بكل ما جمعه من شذوذ وجنون وأمراض نفسية . ونيرون أو نيرو (37 - 68) م كان خامس وآخر إمبراطور الأمبراطورية الرومانية من السلالة اليوليوكلودية (من أغسطس حتى نيرون) (27 ق.م. - 68 م)

 وفي السطور الآتية نقدم صورة موجزة مكثفة لنيرون ، ونخلص عفويًا منها إلى تكرار هذه الشخصية في معمر القذافي :

كان نيرون يمثل شخصية مسخ حقيقي .. جمع مساوئ الشكل ومساوئ الأخلاق: فهو فظ الطبع ، دموي المزاج ، " سيكوباتي " النزعة : يستبيح القتل والغدر لأقل شهوة .. مغرور استبد به الغرور : جبان خائب الهمة ضائع العزيمة

 هذه هي صورة النفس بأعماقها العفنة . فلا ترى في نيرون إلا قزمًا تقتحمه العين :

وانطلاقًا من هذه الطبيعة الممسوخة حسًا ووجدانًا تتوالى جرائم هذا الوحش الآدمي :

 فجبنه يدفعه للشك في كل من حوله فيعصف ويقتل .

ويضيق نيرون ذرعًا بأمه التي قتلت عمه ليتولى ابنها الحكم بعده . ويرى نيرون ان اشتراكها معه في الحكم أضعف سلطانه ، فيدبر المؤامرات للتخلص منها مستبيحًا لنفسه أحط الوسائل وأخسها ، فيقتل أمه .

 ولكنه من جانب آخر يريد أن يضمن لنفسه البقاء ؛ فيبذر الكثير والكثير من الأموال على الناس ، وعلى الجيش ، ويشغل الشعب باللهو منتزعًا من أعماقه ما تبقى له من قيم ، ويخطر على باله " قليقولا " الامبراطور الروماني الذي اشتهر بمظالمه ، وبلغ من سخريته واستهانته بالشعب الروماني أن ولى على مجلسه قنصلاً ، وقنصل ليس إنسانًا ولكنه حصان . فلماذا لا يخترع نيرون أفعولة أدخل في باب السبق والعبث من أفعولة " قليقولا " ؟ ويهيئ له جنون العظمة أنه شاعر وفنان لا يشق له غبار ، فليصنع إذًا عملاً يكون مصدرًا لإلهامه الفني وإبداعه الخلاق ، فانطلق مغنيا وشاعرًا ، وحرق روما ليتلذذ بنارها ويزاول فنه الهزيل ، رسمًا وموسيقى وشعرًا ، مازجًا ضحكاته المجنونة بصراخ الضحايا ، ونشيج المرعوبين .

 ولم يعدم نيرون منطق الادعاء والتبرير فنسب جريمته إلى المسيحيين في عصره فعاقبهم بالقتل والحرق وألقى كثيرين منهم للسباع والنمور الجائعة سنة 64 م .

 وضاقت عليه الدنيا بما رحبت فلجأ إلى الانتحار ، ويقال أنه - من جبنه – استأجر عبدًا من عبيده لكي يطعنه بخنجر ينهي به حياته .

**********

وفي إيجاز شديد نرى بين النيرونين ملامح شبهية توأمية تتلخص فيما يأتي :

1- فكلاهما مصاب بعقدة العظمة إلى درجة التوثن الذاتي . وبلغت هذه العقدة أقصى مداها في القذافي حين أصر على أن يلقب نفسه بملك الملوك .

2- وكلاهما سادي الطبع . والسادية مرض أهم مظاهره حب تعذيب الآخرين ، والتلذذ بإيذائه وسفك دمه : فقد قام نيرون بالقضاء على المسيحيين ، والتلذذ بقتلهم وسفك دمائهم أمام الوحوش الضارية ، والقذافي قتل الآلاف من بني وطنه في سبيل احتفاظه بلقب - ملك الملوك – وكلاهما اتخذ من الحرق وسيلة التمكن : فنيرون حرق روما ، والقذافي لجأ إلى حرق بعض آبار البترول وأعلن أنه لن يترك ليبيا إلا نارًا وخرابًا . وقال ابنه : إن إعادة الوضع إلى ما كان عليه يستغرق أربعين عامًا .

 وكما أشرنا : إذا كان نيرون قد قتل أمه فإن القذافي يعمل على قتل أمته .

3- وكلاهما جبان يلقي تبعة جرمه على الآخرين : فنيرون حرق روما ، ونسب ذلك ظلمًا إلى المسيحيين . والقذافي ينسب ما يصيبه من الهزائم إلى المصريين وتنظيم القاعدة والصليبيين .

 4 - وكلاهما أفسد الفن الرفيع الذي خاص مخاضه ، ولم يهيئ نفسه لمزاولته . فكما فعل نيرون بالشعر والغناء والموسيقى ، والرسم ، نرى العقيد "معمر محمد عبد السلام أبو منيار القذافي" قائد "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمي" وملك الملوك يصدر مجموعة قصصية حملت عنوانًا أو عناوين عجيبة هي:

القرية القرية ــــ الأرض الأرض ــــ وانتحار رائد فضاء ــــ مع قصص أخرى....

 وانطلق المنافقون من النقاد والكتبة يخلعون عليه لقب " رائد القصة القصيرة في العصر الحديث ".... مع أنها لا تزيد عن غثاء منفوش ساقط .

 5 ـ وكما مات نيرون منتحرا نرى القذافي قد انتحر معنويا ، ولا شك أن جنونه وجرائمه الوحشية تقوده ـ خلال أيام ـ إلى نتيجة حتمية هى الموت الإرادي .