عن "الهوى والكرى"

عن "الهوى والكرى"

ناديا مظفر سلطان

يقال أن "النوم سلطان".

ويقال أن "الهوى سلطان".

ولكن صدقوني كلاهما لا يمتان إلي بصلة القربى!

أما عن النوم فأغنى الأفكار لاتغزو مخيلتي إلا في عمق الليل ،ولا ألتمس الإجابة من المولى إلا في آخر هزيع منه. وليلي لا ينقضي دون صحوة  تقطع السبات.

وأما عن الهوى فقد حيل بيني وبينه منذ نعومة الأظافر، في ظل بيئة شديدة التحفظ والمحافظة ،محكمة الاغلاق ل المنافذ والنوافذ ... أمام كل أصنافالهوى للحماية والرعاية،  مع أم بالغة العطف و الحنان،وأب بالغ الحزم، شديد العزم.

والقرآن ، - كتاب ما فرط من شيء-  فأخبرنا عن كليهما (الهوى والكرى) فجاء ذكر  النوم والسنة و النعاس والرقاد والهجوع والسبات ، حسب عمقه و طول مدته ،كما نبأنا عن صحوة  ما بعد النوم .

و(الهجوع) هو سكون الحركة وفي الذاريات "كانوا قليلا من الليل ما يهجعون"17أي أن نومهم كان يتناوب بين الصحوة وبين النوم.

والعملاق الياباني"هجع" في مرقده ، آمنا مطمئنا ، في كنف اقتصاد شامخ البناء، وتقنية سريعة النماء ومعيشة وافرة الرخاء ، وكان يظن أنه قادر علىحصادأرضه بعد أن ازّينت وأخذت زخرفها ... فإذ بأمر الله يأتي بغتة ،وإذ بالأرض حصيدا كأن لم تغن بالأمس ، وإذ به خلال  لحظات يستحيل قزما مذعورا ، طعامه مسموم ، وسكنه مهدوم ،أما  سلاحه الفتاك فقد انقلب رأسا على عقب وبات مسدد الفوهة إلى صدره يتربص به ليرديه قتيلا ولو بعد حين.

و(الرقاد)هو النوم الطويل وفي سورة الكهف"وتحسبهم أيقاظا وهم رقود"18

والفتية المؤمنون ، ما إن أووا إلى الكهف فرارا من الظلم والاستبداد ، والتماسا للأمان ،حتى  أخذوا يجأرونبالدعاء طلبا( للرشد) و(الرحمة). وهكذا فإن حاجتهم للرحمة لم تنسهم طلب ( الرشد) من الله

"إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا"10

وأفاق الفتية بعد سنين الرقاد الطويلة ، ولم تنسهملسعة الجوع السعي إلى الطعام الحلال بعد أن رقدوا ونية الاخلاص ل الله في ضمائرهم  وابتغاءهم الرشد لم يفارق عزائمهم

و(السبات) هو النوم العميق الذي يوفر الراحة والانقطاع عن العمل ولا يخالطه إزعاج  ولذلك فأصل السبت هو القطع 

وفي الفرقان "وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا"47

و(النعاس) هو النوم القليل الذي فيه الطمأنينة  والهدوء والسكينة وذكر النعاس كحال من حالات النوم أتى متلازمامعآيات  الغزو، مرة في بدر، واخرى في احد ،الغزوتان الأكثر حسما وخطورة في تاريخ الدعوة الإسلامية خلال فترة الصراع مع الكفروالطغيان .

"إذ يغشيكم النعاس امنة منه "الأنفال11

ثم انزل عليكم من بعد الغم امنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد اهمتهم انفسهم"آل عمران 154

والنعاس كان أمنا وسكينة بثه الله في فئة المؤمنين المخلصين فحسب -دون المنافقين – كي يوقظ فيهم  جذوة  الأمل والقوة والعزم المكين .

واليوم هو يوم الصحوةشعبا وحكاما  من رقاد عشرات الأعوام ، أما الحكام فقدصاحوا بدهشة:

 من بعثنا من مرقدنا ؟؟؟؟52-36

 وأما فرعون فقد أخذ يفرك عينيه مذهولا ولم تفارقه بعد لذة الرقاد، و خاطب قومه:"يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري"!؟38-28

والرضا بالحياة الدنيا والاطمئنان في لذة نعيمها، غيبوبة ، وكرسي السلطة ناعم وثير،  يغري بالرقاد الطويل .

و تفريق القوم إلى شيع متنازعة متناحرة- لبسط الهيمنة وإحكام القبضة - قضية ممعنة في القدم وأسلوب (فرعوني ) مستهلك و لم يعد يخفى على أحد.

"إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا" 28.4

 ولكن اليقظة بعد الرقاد في ظلمات الاستبداد وسلخ عشرات السنين في أنظمة القمع لن تكون تامة

والشعب الذي أدمن الخوف خبزا بعد أن فقد رغيف القمح لن تكون صحوته شاملة

ويموج الناس اليوم بعضهم ببعض ،فمنهمالمخلصين الصادقين ، وفيهم المنافقين المذبذبين ، والانتهازيين والوصوليين والمدسوسين والمخربين والمنتفعين

"فما آمن لموسى الا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملأهم أن يفتنهم  وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين."83-10

وينفرد كل (حاكم مسرف) بطريقة مبتكرة  كي يثبت لقومه بأنه هو الذي( يحيي ويميت).

 و(فرعون)عاقب أول المؤمنين ونخبة المخلصين ، بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، ثم صلبهم في جذوع النخل .  بينما استأجر( ملك الملوك) وقائد الثورة الأبدية ، من يقوم بهذه المهمة (حسب صحيفة لوموند)الفرنسية . فقامالأفارقة المرتزقة بالتمثيل  بالثوار من أبناء شعبهوعثر على جثثهم  وهي مقطوعة الجذع  ،مجدوعة الأنف ، ومبتورة الأذنين ،كي يلقي الرعب في قلب من بقي منهم على قيد الحياة .

"وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين"84-10

"فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين"-85-10

وهكذا فإن الصحوة بعد طول الرقاد والثورة على الاستبداد قضية ليست سهلة المنال و لن تكتمل إلا بالإخلاص لله والتربص في وجه الفتن لإحباطها.

والله سبحانه لاتأخذه( سنة ولانوم)وهوالمحيي والمميت ،وهو القادر على بث الطمأنينة في قلوب المخلصين وتأييدهم بنصره، وهو القادر أيضا على نشر الرعب في صفوف من أمن مكره ، ونسي بأسهليجعل عاليها سافلها بلحظات  .

والحياة في ظلال العدل والرحمة والكرامة ( حق )أمر به الله سبحانه  نبيه ومن يتولى من بعده الأمر، وليس حلما عذبايراود النائمين....حتى توافيهم الموتة الكبرى.

"فاحكم بين الناس بالحق ولاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله"26-38

والهوى في اللغة هو أحد مرادفات الحب وشكل من أشكال العشقوهو محبة الانسان الشيء وغلبته على قلبه

وحسب قوانين القوة فإن (هوى السلطة) غريزة تتفوق على أقوى الغرائزوأعنفها.

والقرآن لم يخص الهوى بالاستحسان بل على العكس وفي سورة النازعات

 "وأما من خاف ربه ونهى النفس عن الهوى 40 فان الجنة هي المأوى"41

حقيقي أن والدي (مظفر سلطان) أغلق دوني  كل منافذ الهوى ، ولكنه فتح لي أبواب الحرية على مصراعيها عندما علمني ان الحرية الحقيقية هي  في العبودية المطلقة لله .

 فلم يوظف قلمه يوما لصاحب سلطة ، ولم يسع يوما لشهرة . وتذكّر بعض من أصدقائه عطاءه الصادق الحرالطويل ، فكرّم قبل موته ببضع شهور حيث ألقى آخر ما كتب قصة( الدليل ) لتبقى إرثا للصادقين و سراجا يضيء مسيرة الصابرين الصالحين ، وأوصى  فيها أن( العظمة في الثبات).

والحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه"ماكان ينطق عن الهوى "3-53.

وقام الليل إلا قليلا"نصفه أو انقص منه قليلا"3-73 كي يبلغ الرسالة ويؤدي الأمانة ويهدي الأمة إلى الحق وإلى سبيل الرشاد.

ترى هلضرّني أن منع مني الهوى وعز على جفني الكرى؟؟