الشعب يريد السيد الرئيس
الشعب يريد أن يبقى تحت الجزمة!
لماذا درعا
نوال السباعي
حزن وألم عميقين..يتملكان المرء وهو يرى مايحدث في شوارع دمشق وطرابلس وصنعاء ، تتطابق الخطوات التي تتخذها هذه الأنظمة بشكل مذهل ، يحاكي كل منهم صاحبه ، ولايفهم ، ولايتعلم ، ويظن أن "خصوصيته" مانعته ، يلجأ كل منهم بدوره إلى حشر شعبه بأوامر ملزمة ليطبل ويزمر ويرقص ويغني – على رأي القذافي- ، كالمهووسين في حلبات الجنون ، وبالضبط كما فعل القذافي وأبناؤه ، وعلي صالح وأسرته ، وصل الدور على النظام السوري الذي كان كثيرون يظنون أنه خير من صاحبيه ، فإذا به لايختلف عنهم إلا في صغر سن الرئيس ، وأناقة أدائه مقارنة مع صاحبيه هذين .
قتل وحشي عشوائي – فقط للمتظاهرين ضد النظام، الخونة ، المارقين، المدسوسين- ، عصابات من الأغوال الجَرْعَبيلية التي تختلف تسميتها من قطر إلى آخر- انظر ترجمة الجَرْعَبيل في مفردات الوحوش- ! من بلطجية إلى شبيحة إلى أولاد حرام !، اعتقالات تعسفية همجية ، تهديد بتمزيق البلاد ، وإثارة النعرات الطائفية ، وإشاعة الفوضى ، في حال تخليهم عن الحكم الذي يستمرون فيه جميعا - مساكين – رغم أنوفهم رأفة بشعوبهم !!، ادعاآت المؤامرة الخارجية ، وليس لوضع البلد ومافيها من فقر وذل وخوف أي علاقة إطلاقاً!، بل إن هذه البلاد تعيش حياة الرخاء والحقوق التي تحسدها عليها سويسرا نفسها!،بل ويتمنى سكان سويسرا وألمانيا الهجرة إليها !- حسب أبواق النظام الموزعة على الفضائيات الناطقة بالعربية الثلاث الرئيسية ، العربية ، والبي بي سي، والجزيرة التي التحقت بالركب في آخر المطاف تحت الضغط الشعبي الكبير-.
توزيع الاتهامات على كل حرّ شريف يأبى السكوت ، وخاصة على المغتربين ،من صفوة الصفوة من المهاجرين والمهجرين ، لا لأنها ضاقت بهم البلاد والعباد ، بل سياحة من عند انفسهم !، والذين كانت مستشارة الرئيس السوري عينها وزيرة لشؤونهم !!.
ركوب موجات الثورة ، حتى أن المستمع إليهم وإلى كلماتهم "العبقرية" يخلط بينهم وبين الثوار ، من حيث المطالب والفكر والصياغة !!، إعلام كاذب يبلغ بهتانه كل مبلغ ،يوظف أبواقه التي توزع الدجل والكذب على الآفاق ، أفظع مافيهم ظنهم أن الناس لهم مصدقون !!،لقد امتهنوا الكذب واستمرأوه حتى صدقوا أنفسهم – كما قال الرئيس السوري - الذي قليل عليه أن يكون زعيما للعرب والمسلمين ، ولكنه يستحق أن يكون زعيما للكرة الارضية – كما قال أحد ممثلي الشعب السوري- وبعض الكواكب والمجرات!!.
بدلا من الاحتكام الى صناديق الاقتراع ، يرسل الطغاة في المدائن حاشرين ، ليثبتوا لعالم يعرفهم أن الشعب يؤيدهم ، مجلس المنافقين يقول : "الله ، سورية ، الرئيس ، وبس" ، والرئيس الذي بدا واهنا ومرهقا ، يصحح للمنافقين ويقول لهم : "الله ، سورية ، الشعب "!، المنافقون يتهمون كل من يفتح فمه بالخيانة وبأنه لايحب الرئيس ، والأحرار الذين يتجرأون على القول في هذه الأيام بالغة الصعوبة والخطورة ، هم أشد حبا وإشفاقا عليه من المنافقين الكذبة ، لأن هؤلاء يخدعونه ، وأولئك يخلصون النصح لشعبهم وأمتهم ولايخافون في الله لومة لائم، ولايطمعون إلا في تحرير شعوبهم من الذل والمسكنة .
الشعب يريد السيد الرئيس ، الشعب يريد أن يبقى تحت الجزمة ، الشعب يريد أن يموت جوعا ، الشعب يريد أن تتحكم في حياته وموته أجهزة الغُناجَل الأمنية المتوحشة – انظر القاموس المحيط !- ، الشعب يريد أن تستمر عصابات السراق في نهب كل خيرات الشعب وثرواته، الشعب يريد أن يبقى متخلفا ، محصورا في القرون الوسطى ، وإن كان يرتدي ربطات العنق التي يمكن أن يُجَر منها نحو حتفه لو تفوه بكلمة حق واحدة !.
لعبة قديمة ، وطاعة معروفة ، تحت تهديد الخوف ، الخوف يصنع بالإنسان مالايمكن أن يفعله أي شيء آخر ، لقد حول الخوف المنطقة العربية وخلال نصف قرن إلى مزارع خاصة بالمستبدين ، تحشد فيها الجماهير وكأنها قطعان خاصة بهم ، يمتلكون حياتهم ومصائرهم وأقدارهم ..وموتهم – بالطبع- ، يحركونهم كيفما شاؤوا وأنى شاؤوا ، يرثونهم ويورثونهم كممتلكات شخصية ، ويسوسونهم بالخوف ، هذا الخوف الذي أحدث البوعزيزي في جداره ثغرة ، مازالت تتسع على الراقع ، وامتد التسونامي ، ومازال ، ولاعودة إلى عهود الخوف والجوع والإهانة ..على الرغم من المجعجعين والخائفين والمرتجفين والمرعوبين والحريصين على فتات يرميها لهم "أسيادهم" ، خاصة من أصحاب الجبة والعمامة ، والجبة والعمامة منهم تستغيث.
أشفق أحياناً على بعض هؤلاء الرؤساء ، من مثل هؤلاء الذين يشكلون مجالس المهرجين والذمالقة – انظرإحدى الموسوعات اللغوية !- المسماة مجالس الشعب والشعبيات والثوريات والجماهيريات ، أشفق لهم بصدق ، عندما يكونون أصحاب عقائد قومية ووطنية ، ومواقف صامدة لدعم القضية ، يتفق معهم عليها حتى ألدّ أعدائهم ومعارضيهم من أبناء الوطن الواحد،أشفق عليهم لأن الحق لايحتاج إلى الظلم والاستبداد ليكون أبلجاً، ولأن الباطل لا ولن يكون حقا قط ولو وقفت قوى الأرض كلها معه.
لقد انطلق المارد ، ولارجعة إلى الوراء ،باذن الله، بشارة نزفها لكل مستبد متمسك بخصوصيته ، وإلى رفاق دربه ممن يدعمونه في ظلمه وقهره من المحيط إلى الخليج ، سواء كان المقهورون شيعة أم سنة أم نصارى أم أمازيغ أم أكرادا أم أقباطا أم عربا ، إنها الثورة ، وإنه استيقاظ أمة ، ونهوضها من مواتها بكل مايستدعيه ذلك من وقت وشهداء وتضحيات ، لقد سُدِدَت للأمة ضربة أرادوها قاتلة ، فدخلت في مرحلة سبات سريري ، وظننا أنها لن تنجو ، ولكنها قامت .
إنها الثورة ، وقد ولدت للتو من تونس ومصر ، وإن الحرية تؤخذ ولاتمنح بفرمانات إصلاحية ، إنه الشعب عندما يعرف مايريد ، ويقرر أنه يريد أن لايكون في سياق العبيد.
يسألونك ..في الحالة السورية عن درعا ، ولماذا الثورة من درعا ؟! وهو سؤال عجيب ، ولكن من يعرف أكاذيب هذا النظام واختلاقاته لايتعجب منه كثيرا !، لقد اعتقلت قوى "الأمن" في درعا أطفالا!! ، أطفال لم يبلغوا الحلم ، كانوا يلعبون لعبة الحرية ، التي مافتئوا يشاهدونها على الهواء مباشرة منذ ثلاثة أشهر في الفضائيات ، ومنها الفضائية السورية نفسها التي نقلت وقائع خلع حسني مبارك في بث حي ومباشر ، واثقة بأن أجهزة قمعها قد استلت من الشعب وإلى الأبد ، الشعور بالكرامة ، والرغبة في الحرية ، و...إرادة الحياة .
كيف يمكن لشعب كائنة ماكانت الجراح التي كسرت ركبتيه أن يترك فلذات أكباده في سجون القتلة؟!، ولو أن الامر اقتصر على اعتقال هؤلاء الأطفال لكان جريمة يستحق عليها كل من تورط فيها السجن مع الأشغال الشاقة المؤبدة ، فمابالنا ، وقد عذب هؤلاء الأطفال ، شوهت طفولتهم ، وهدرت حرمة براءتهم ، أراد الجلادون القتلة أن يردعوا بهذا الإرهاب الأرعن شعباً ، ظنوا أنه قد مات في حماة وحلب وتدمر قبل ثلاثين عاماً.
الكلمة الأخيرة دوما هي للشعب ، فهو الحَكم طال زمان اغترابه وتغييبه أم قصر ، ولاأحد على الإطلاق يرغب في الفوضى والخراب وسيل الدماء ، الكل متفقون على أن محاولات الإصلاح بالتي هي أحسن ، هي رغبة الوطنيين الشرفاء من الحكام والمحكومين الحريصين على أمن بلادهم ، وحقن دماء شعوبهم ، ولكن لاأحد يختلف على أن الأمن والاستقرار لايجب ان توضع في مقابل كرامة الإنسان ، والوحدة الوطنية وخدمة القضية الفلسطينية لايمكن أن تكون أبدا مقابل الحرية .
كل الإجراآت التي "سَ" ، و"سوف"، يدرس اتخاذها النظام السوري في المكان المناسب والزمان المناسب – كما عودنا- ، وسيدعي شرف منحها لشعبه ، إنما هي منحة خاصة ، تفضل بها شعب درعا وشهداء درعا وأطفال درعا على سورية .
إنها لعبة السيادة ، فالأحرار هم السادة ، لقد ولت الأزمان التي يكون فيها فرد واحد سيداً للبلاد ، ولاسيد لهذا الوطن إلا الشعب ، ولكن ليس ذلك الشعب المستعبد الذي يمكن جره وحشره للتصفيق للطغاة ، ولكنه الشعب الذي انتفض واستشهد من أجل حريته وكرامته وأطفاله ، الذين سيطالبون بحقهم عاجلا ام آجلا ، قط..لم يتمكن الجلادون عن طريق قلع الأظافر من التمكن من رقاب أمة ..وإلى الأبد.