مهاجرون... بأفكار "غير شرعيَّة"

مهاجرون... بأفكار "غير شرعيَّة"

هنادي الشيخ نجيب

[email protected]

يروي أحد المتخصِّصين في مجال التنمية البشرية قصّة فأرٍ أُجريت عليه تجربة مختبرية لاستجلاء آثار تكرار سلوك معيَّن وكيفية التأقلّم معه... فقد أُدخِلَ الفأر متاهة، وُضِعَ في نهايتها قطعة جبن؛ استدراجاً له وإثارةً لرغبته وهِمَّته في اجتياز طريقه الطويل المعقّد. كما رُكِّب بعد مسافة 20 سنتيمترٍ من بداية المتاهةِ جهاز صعقٍ كهربائي تتناسب قوّته مع قدرات الفأر...

وكان الفأر يبدأ مسيرته بدافع الرائحة الزكية، وكلّما اصطدم بالصاعق قفز في الهواء عِدّة قفزات متجاوزاً الحاجز مُكْمِلاً طريقه باتجاه الهدف...

كرَّر الفأرُ التجربةَ عدّة مرّات الطريقة نفسها، بعدها، حدثت المفاجأةُ عندما "تشقلبَ" عالياً بعد أن قطع المسافة نفسها السابقة، لكنْ هذه المرّة من دون أن يتعرَّض لِلَسْعة التيار؛ إذ كان قد أُزيل من طريقه!!

شبابنا الكرام... إنها خطورة البرمجة المسبقة التي تتلقاها عقولنا ومحاولة تعميم "طريقةٍ ملتويةٍ وحيدة" – بِحُكْم الواقع – لتحقيق أهدافنا... وإلاّ، فلماذا نقفز مباشرةً إلى توسيط "زيد" المسؤول و"عبيد" المدعوم للدخول إلى تلك الجامعة، أو للتوظّف في هاتيك الشركة، إن لم تكن تلك الأفكار قد عشعشت في رؤوسنا؟!! بل لماذا نفترض وجود المعوّقات والصعوبات، ونبرّرِ لأنفسنا تلك "القفزات"، بحجّةِ انتشار الداء، حرصاً على اختصار الطريق وتوفير الوقت وتعجيل النتائج؟!!

إنّها الأفكار... نعم... الأفكار التي نبتت في عقولنا وأثّرت على أسلوبِ تفكيرنا... فالعقل كالحقل، حيث تمثّل كلُّ فكرةٍ فيه بذرةً مغروسةً في أرضه، في حين تتحوّل عملية التفكير إلى ريّ حقيقي يسهم في إنبات البذور، ليجنيَ صاحبُها حصاد ما زرع...

خلاصة التجربة – أيها الشباب – مع الفارقِ بأننا أهلُ عقلٍ وتمييز وإدراك – أن نَحْذَر عند تبنّي الأفكار... فهي "حَبُّ الدّماغ"، وما أُدْخِلَ طاحونة العقلِ فسيخرج إما خبزاً طيباً نافعاً أو طعاماً  فاسداً مفسداً... ولتعلموا شبابنا أنّ هناك فرقٌ بين التفكير والفكر، فالأول هو مجموعة تقنيات ذهنية "لتدوير" الأفكار الدّاخلة، أما الثاني فهو الرؤية والمنهجية التي تشكّلها عمليات التدوير المتكرِّرة؛ والتي تستشرفون من خلالها البعيد، وتكشفون بها الغامض، وتعدِّلون بناءً عليها خطواتكم نحو الأهداف...

أيها الشباب، ونحن نتذكَّر حادثة الهجرة النبوية العظيمة، وبما أنّ الحياة بالنسبة لنا هي رحلةُ هجرةٍ من دار الفناء إلى دار البقاء، فتعالوا بنا نتعاهد على هجرة الأفكار الملتوية والمنهجيات غير الشرعية والاتكالية والأعذار مسبقة التصنيع، ولنهاجر إلى الله تعالى بعقول متنوِّرة وإرادات مسدّدة... آملين أن ينفعنا الله وينفع بنا، ويوفّقنا لما يحبُّه ويرضاه...