أهداف ومصالح سياسية
صالح خريسات
ليس من الممكن صياغة العوامل المحددة للسياسة الخارجية بطريقة نظامية شاملة، وتوجد ببساطة عدة عوامل نوعية: الشخصيات، والشخصية القومية، والبناء الاجتماعي والمصالح الاقتصادية والتنظيم السياسي.
إن تغير هذه العوامل يسبب كذلك تغير مصالح وقوة الدولة ذاتها، فصعود وتدهور طبقات اجتماعية، وتغير التكتلات بين المجموعات المحلية ذات المصالح والتغيرات الاقتصادية السكانية بالإضافة إلى تطورات أخرى، يمكن أن تؤدي إلى تغيرات في أهداف السياسة الخارجية وإمكانات الدولة في متابعة أهداف تلك السياسات، وما إذا كانت هذه التغيرات المحلية ستشجع دولة على التوسع الإقليمي، أو العزلة أولى، أو محاولة تغيير التقسيم الدولي للعمل.
وتتحدد أهداف الدول وسياساتها الخارجية بصورة رئيسة، من خلال مصالح أفرادها المهيمنين أو التحالفات الحاكمة فيها، وعندما يتحقق المرء من ماهية هذه المصالح والأهداف، فإنه يواجه جدلاً قائماً منذ زمن طويل بين الكلاسيكيين والمحدثين. ويثبت الكلاسيكيون وأغلبهم من الواقعيين السياسيين، أن الأمن القومي والقوة كانتا ولا تزالان الأهداف الرئيسة للدول، ويرد المحدثون على ذلك بأنه مهما كانت حقيقة هذا الأمر في الماضي، فإن الأهداف الرئيسة للدول في العالم المعاصر، تستخلص في تحقيق الاستقرار الاقتصادي المحلي وضمان رفاهية السكان.
وتختلف الأهداف من دولة إلى أخرى، اعتماداً على المصالح المحددة للطبقات المحلية الحاكمة والمحيط الدولي. فعلى سبيل المثال ستقوم الدولة الأوروبية التي لها جيران أقوياء، بتركيز اهتمامها على الأمن أكثر مما تقوم به دولة معزولة لها مصالح في أنحاء الكرة الأرضية، مثل بريطانيا العظمى في القرن التاسع عشر، والولايات المتحدة في القرن العشرين. وهكذا فمن غير الممكن بشكل عام تحديد مجموعة الأهداف الأمنية والاقتصادية أو غيرها التي ترضي الدول.
سعت الدول والطبقات الحاكمة على مر التاريخ، لتحقيق سلسلة واسعة من الأهداف السياسية والاقتصادية والعقائدية وفي مختلف العصور، تفاوت الخلط بين الأهداف بمقدار حجم المجموعات المتنوعة من الأهداف، فعلى سيبل المثال، ربما تفاوتت نسبة الأهداف الأمنية إلى الأهداف الاقتصادية اعتماداً على العوامل الداخلية والخارجية، فالأهداف المهمة في أحد العصور ربما تصبح غير مهمة نسبياً في عصر آخر.
فهكذا كان للأهداف الدينية في بداية العصر الحديث، وزن ثقيل في السياسة الخارجية لدول أوروبا الغربية. وفي أعقاب الثورة الفرنسية، أصبحت الأيديولوجيات السياسية الليبرالية والمحافظة، مراحل مهمة في تحديد السياسة الخارجية. في حين أصبحت الأيديولوجيات والمصالح الاقتصادية في نهاية القرن العشرين، أهدافاً ذات أهمية متزايدة بالنسبة للدول.
وكان أحد الأهداف الرئيسية للدول على مر التاريخ، هو الاستيلاء على الأرض لتعزيز مصالح اقتصادية وأمنية وغيرها. وتسعى الدول في كل العصور، سواء من خلال الإقطاع الإمبريالي لشعب من قبل شعب آخر، أو من خلال ضم أراضي مجاورة، إلى توسيع سيطرتها على الأرض، وبالمضمون توسيع سيطرتها على النظام الدولي.
وكان الاستيلاء على الأرض قبل العصر الحديث، وبالأخص قبل الثورة الصناعية، الوسيلة الرئيسية التي تستطيع من خلالها دولة أو جماعة تحصين أمنها أو زيادة ثروتها، وبإمكان مجموعة أو دولة في عصر ذي تكنولوجيا مستقرة وإنتاجية زراعية وصناعية واطئة نسبياً، أن تزيد ثروتها وقوتها بشكل جيد من خلال زيادة سيطرتها على الأرض وإخضاع الشعوب الأخرى.