مراجعات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر

د. موسى الإبراهيم

[email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم

المراجعات النقدية أهم أسباب النجاح

-1-

التمهيد :

إن المأزق الحقيقي في العالم العربي والإسلامي هو الانشقاق الفكري بين الحركات الإسلامية والتيارات السياسية ، ولن يصلح هذا العالم ما لم يتم إعادة اللحمة بين هذه التيارات المختلفة وبينها وبين الشعوب ولكن كيف يتم ذلك ؟ .

إن القضية ليست من السهولة بمكان ولكن مهما يكن الشأن فلا بد من بحث جاد لإيجاد رؤية حضارية تعيد الأمر إلى نصابه وتفتح الآمال أمام التعاون الصادق والجاد بين سائر أصناف الأمة ليقوم كل بدوره ولتستوعب كافة الطاقات وتوظف جميع الإمكانيات في مشروع نهضوي إصلاحي بنّاء .

ولعل التأمل والدراسة الجادة للأمور التالية يساهم في بداية انطلاقة إصلاحية حضارية رائدة إذا صحت النوايا وأراد المعنيون بالإصلاح أن يرتادوا الطريق الصحيح لتحقيق أهدافهم ومشاريعهم الإصلاحية .

1. الحركات الإسلامية والحكومات .

يجب تحويل أهداف الحركات الإسلامية من كيان مجانب للمجتمع إلى روح يسري أعماق الأمة ولا ينبغي أن تكون الحركات الإسلامية مجتمعاً داخل المجتمع ولا دولة داخل الدولة .

·        والمسؤول عن ذلك هو الحركات الإسلامية والأنظمة الحاكمة كلاهما . إذ يوم تتاح الحريات ويساهم الجميع في المشاركة والعمل والبناء لا يبقي حاجة للتمايز والمماحكات  الفكرية والسياسية ولئن أخطأ أحد طرفي المعادلة فلا يجوز للآخر أن يخطئ وإن كان البادئ أظلم .

·        فهل يرتفع قادة الأمة الفكريون والسياسيون إلى مستوى المسؤولية ويتخلون عن ردود الأفعال المتبادلة ويتعاونون على تحقيق المصالح العامة والنهوض الحضاري بهذه الأمة العربية والإسلامية العظيمة الغنية بقيمها وثرواتها وتاريخها وجغرافيتها ؟ .

إنا لمنتظرون .

2. الإصلاح مهمة الجميع

إن رسالة الإصلاح الإسلامي ليست مهمة الحركات الإسلامية وحدها بل يجب أن ينهض بها المجتمع كله بقياداته المختلفة .

وأفراده جميعاً نساءً ورجالاً . وهذا ما يجب أن يكون واضحاً في أي مشروع إصلاحي ونهضوي ودور الحركات الإسلامية يجب أن يكون رائداً في تنشئة الأمة على هذا المعنى فلكل إنسان دوره وعطاؤه الذي لا يستهان به ولا يسد غيره عنه مهما كان شأنه " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته "

3. التنظيمات والأحزاب وسائل لا غايات .

التنظيمات والهيئات والأحزاب يجب التعامل بينها ومعها بوعي وعقلانية فكلها وسائل لتحقيق أهداف ومشاريع عامة وكثيراً ما يصبح التنظيم والحزب مشكلة وعائقاً وينقلب من كونه وسيلة ليصبح هدفاً وغايةً بحد ذاته ويتبع ذلك التعصب والتحزب والإقليمية والعنصرية .. و..و.. مما يؤدي إلى تمزيق الأمة وإضعافها بدلاً من وحدتها وقوتها .

وهذا خطر لا يخفى وآثاره مدمرة بكل المقاييس وإن أمتنا تعاني أشد المعاناة من الانقسامات والتحزبات والتعصبات التي كثيراً ما يصدق علبها قوله تعالى : " كل حزب بما لديهم فرحون"

·        وليس الحل برفض التنظيمات والأحزاب بل بالوعي والعقل والنظر البعيد لدور تلك التجمعات المختلفة بحيث يكون الهدف العام هو خدمة الأمة والتنافس على إصلاحها والارتقاء بها وإذا كانت النوايا سليمة والوعي مكتملاً والصدق حاصلاً والإخلاص رائداً فعندها يتم التعاون وتعضيد الحسن من الجميع والتحذير من السيئ من الجميع وكل تنظيم وكل حزب يتبنى الخير والصواب وإن كان صادراً من غيره ، " وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ " .

فهل التنظيمات والأحزاب الإسلامية وغيرها كذلك ؟ .

أم أن الجميع أو الأكثر يتصارعون على الكعكة ليأخذ كلٌّ نصيبه منها والغلبة للأقوى ؟ !

وبعد .

·        إنني لست متشائماً وثقتي بأمتي كبيرة بعد الله عز وجل وعندنا من العقول والإمكانيات والمؤهلات ما يخولنا لقيادة العالم فضلاً عن مجرد إصلاحه ، والفرصة اليوم سانحة والرياح مواتية والعالم الغربي يترنح ويتهاوى سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً والضمائر الحية تتطلع إلى المنقذ والمخلص فهل يكتب لقيادات أمتنا السياسية والفكرية والإصلاحية أن ترقى بأنفسها وتقوم بدورها الرائد الذي أراده الله لها عندما أخبر عنها : " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " وبقوله سبحانه : " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ " . ؟

اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وقياداتنا وألهمنا رشدنا يا رب العالمين .